مارلين سلوم كل عام تصاب القنوات بنوع من الخمول في فترة الصيف، لتستعد لإطلاق دورتها البرامجية الجديدة مع بداية الخريف، وتزامناً مع عودة الطلبة إلى المدارس. من المؤكد أن نسبة المشاهدة تكون أدنى صيفاً مما هي عليه شتاء، إنما هذا لا يبرر حالة الركود التي تصيب القنوات، وتأجيلها كل ما هو جديد لموسم الخريف والشتاء. كل الشاشات تسير على جدول واحد، وكأنها تخشى الخروج عن المألوف. لماذا لا تجازف قناة بتقديم برنامج ناجح جداً خلال الصيف؟ ما المانع من أن يبقى المشاهد مشدوداً إلى الشاشة في كل المواسم؟ وإذا تصادف شهر رمضان في الشتاء أو الخريف، هل تعلّق القنوات كل أفكارها وبرامجها بانتظار خريف آخر؟ طبيعي أن تحتاج المحطات إلى فترة تستريح فيها من أعباء الإنتاج بعد تقديم كم من المسلسلات والبرامج المتنوعة في رمضان. لكن إيجاد حدث صيفي، ضروري كي لا يشعر المشاهد بالملل، إذا لم يكن أمامه خيار السفر أو الاستمتاع بإجازة طويلة، واعتبار الصيف موسم الإعادة بامتياز لم يعد مجدياً. القنوات الفضائية لم تعد تنافس بعضها البعض فقط، اليوم صار للمواقع الإلكترونية وللصحافة المكتوبة والمنشورة إلكترونياً القدرة على تقديم برامج وإنشاء قنوات يشاهدها الجمهور في كل وقت. لم يعد يجدي صب كل اهتمام البرمجة في موسمين، وتخصيص البيات الصيفي لإعادة برامج قديمة. ما أسهل أن تنشئ قناة، وما أبسط أن تصور شاباً (أو شابة) يقف في غرفة ضيقة لا تحتاج إلى ديكور ولا كرسي ولا أفق ولا بعيد.. يقدم لك فكرة بسيطة، يتحدث فيها بلغة عامية عادية جداً عن صرعة اجتماعية جديدة، أو ينتقد فيها مشاهد عامة، فيصير له برنامجه الخاص، وتصير أنت صاحب رؤية معاصرة، ويصير لك وله جمهور ومتابعون. هذا هو الإعلام الحديث الذي يجب أن تلتفت إليه القنوات العربية وتنتبه إلى أنه المنافس الجديد، ولا تستخف بقدرات الشباب في تقديم أفكارهم بكل جرأة وبساطة، بواسطة كاميرا واحدة وحساب على يوتيوب. لا تكلفة إنتاجية، ولا أجور نجوم ومذيعين مشهورين. شباب كل ما يهمهم أن تصل أفكارهم وأصواتهم إلى الناس وهو ما يحصلون عليه. البيات الصيفي لم يعد مرغوباً ولا مفيداً، ومن يرغب في مشاهدة أي حلقة سابقة من برنامج أو مسلسل، تتوفر له الخدمة عبر الإنترنت. فلماذا تلعب القنوات دوراً فات عليه الزمن، ولم يعد يتماشى مع متطلبات العصر؟ يقولون في الإعادة إفادة، إلا على الشاشة، فحين تكون الإعادة موسماً كاملاً، وتخلو القناة من أي برنامج أو عمل جديد، نقول في الإعادة إفلاس، والإفلاس الأخطر هو الفكري وليس فقط المادي. الشباب اليوم يصنع إعلامه بنفسه، يخاطب فيه الكبار والجميع ويحاول إصلاح أي خلل يراه في مجتمعه. فلماذا لا تكبر مساحة البرامج الشبابية على القنوات العربية؟ لماذا لا يصير منبرهم الإعلام الرسمي، فيحتضنهم ويحتضن قضاياهم؟ لماذا لا تصير الشاشة بنكهة الحاضر، تجمع بين بساطة الفكرة وعمقها، تترجم رغبات الشباب إلى واقع، فتأخذ بيدهم وتغوص معهم إلى ما هو أعمق من مجرد ظاهرة ولقطة عابرة. تحكي بلسانهم وبلغتهم ما يهم كل الناس، واضعة لمسات الخبرة والعمق الإعلامي والحس الصحفي. تلك البرامج تحتاج إلى من ينقلها من النكتة لتصير قضية حقيقية. marlynsalloum@gmail.com
مشاركة :