إسلام كريموف، دكتاتور أوزبكستان العتيد، تُوفي تاركاً أكثر دول وسط آسيا سكانًا في حالة من الفوضى والضبابية السياسية. كشف عن الخبر بن علي يلدريم، رئيس وراء تركيا، في اجتماعٍ متلفز مع وزارته، قائلًا: "رحمة الله عليه". أكّد ذلك التكهنات بأن كريموف عانى من سكتة دماغية قاتلة في بداية الأسبوع. لم تؤكد الحكومة الأوزبكية الخبر فوراً، لكنّها أذاعت موسيقى جنائزية على المحطات الحكومية. كما أصدرت في وقتٍ سابق بياناً بأن صحة الرئيس البالغ من العمر 78 عاماً "تدهورت بشكلٍ حاد". وقالت رويترز إنها كانت قد تحدثت إلى 3 دبلوماسيين قالوا إن كريموف قد مات. أحدهم قال للوكالة: "نعم، لقد مات". وقالت مواقع الأخبار الأوزبكية إن جنازة كريموف ستكون يوم السبت في مسقط رأسه، سمرقند، حيث دُفنت والدته وأخواه الاثنين. أظهرت الصور تحضيراتٍ مكثّفة في مقبرة المدينة، إذ جلبت الحكومة العمال والحفارات لتنظيف الموقع التاريخي. وتم إبلاغ السفراء في مدينة طشقند بأن يحضروا صباح السبت إلى محطة القطار. وأغلق مطار سمرقند أمام حركة الطيران غير الرسمي. ومن المتوقع قدوم عدة قادة دول في وسط آسيا إلى أوزبكستان، ومن ضمنهم رئيس كازاخستان، نور سلطان نزار باييف. العهد السوفييتي كريموف - أحد رجال العهد السوفييتي الأشداء الذي حكم أوزبكستان منذ ما قبل سقوط جدار برلين - ليس له وريث رسمي. ويبدو أن المرشح الأكثر احتمالًا هو رئيس الوزراء الأوزبكي الحالي، "شوكت ميرزيايف". يُعتقد أن ميرزيايف يحظى بدعم رئيس الاستخبارات الأوزبكي القوي "رستم إنوياتوف". ففي برقية دبلوماسية أميركية سرية من 2008 قيل إن إنوياتوف يملك "معلومات فاضحة لميرزيايف كافية لضمان حماية مصالحه الشخصية". منافسٌ آخر هو وزير المالية ونائب رئيس الوزراء، رستم أزيموف. كانت هذه بعض اللمحات الرسمية حول كيف يمكن أن يتم اختيار قائد أوزبكستان الجديد. وقد رفض الإعلام الرسمي المشابه لإعلام السوفييت التعليق على الشائعات القائلة بأن كريموف - الذي كان في المستشفى منذ يوم الأحد - قد أصيب بنزيف دماغي. وكشفت ابنته لولا عن الخبر على موقع انستجرام. وهناك افتراض واسع بأن نخبة البلاد ستتفق على رئيس جديد، مع وضع مصالحهم الشخصية الاقتصادية ومصالح أعمالهم في المقام الأول. وقد طار ميرزيايف إلى سمرقند ليتولى ترتيبات الجنازة، وهو ما يضعه في مقدمة السباق الرئاسي. احتمالات أن تتجه البلد التي يبلغ عدد سكانها 31 مليوناً إلى الديمقراطية قليلة، بعد ربع قرن اتسم بالقمع، وإعدام المتظاهرين بالغلي، وحكمٍ سلطوي لم يتزعزع. حتى بمقاييس المنطقة، تعامل كريموف مع كل مظاهر الاحتجاج بقسوة. العلاقات مع واشنطن في 2005 قتلت قواته مئات المتظاهرين رميًا بالرصاص في مدينة أنديجان. أدت المذبحة إلى انهيار العلاقات مع واشنطن، التي كانت تعتبر أوزبكستان قبلها شريكاً استراتيجياً في الحرب على الإرهاب. تحسنت العلاقات بحذرٍ بين واشنطن وطشقند بعد 2007. وقد كانت أوزبكستان مركز إمدادات حيوي في الحرب على جارتها أفغانستان. العلاقات الثقافية والاقتصادية والسياسية مع موسكو وطيدة. وفي الوقت نفسه، كان كريموف غالباً ما يرتاب في نوايا الكريملن. وطبقاً لدبلوماسيي الولايات المتحدة، انتقد كريموف بشدة المحاولات الروسية لرسم دائرة نفوذ في محيطها القريب، وعادى ما رآه ازدراءً روسياً للسلافيين. وصرّح الكريملن الجمعة أنّه لم يُخطر بوفاة كريموف. بينما قال مدونو المعارضة الأوزبكية إن السلطات تضيق الخناق على قنوات الاتصال، إذ تباطأت سرعات الاتصال بالانترنت، وتلقى المسئولون بالحكومة أوامر بغلق هواتفهم الجوالة. قالت ديردري تينان، مديرة مشروع وسط آسيا بمجموعة الأزمات الدولية، والمتمركزة بمدينة بشكيك في دولة قرغيزستان المجاورة: "الأمر أشبه بأيام الكريملنولوجيا السوداء. سنضطر إلى الانتظار لنرى من يقف أين، ومن يقول ماذا في الجنازة. إن سار الأمر وفقاً للخطة فسيكون الانتقال سلساً كما حدث مع بيردي محمدوف." "قربان قولي بيردي محمدوف" هو رئيس تركمانستان. تسلم طبيب الأسنان ووزير الصحة السابق السلطة من الدكتاتور العتيد صابر مراد نيازوف، بعد وفاة الأخير في 2006، ومضى في إرساء عقيدة من التقديس المبالغ فيه لشخصه، تماماً كسابقه. لكن قليلاً من الناس على دراية بالتوترات الحقيقية في الدوائر الداخلية للبلد المعتم. تقول تينان: "فقط كونك لا تراها لا يعني عدم وجود الكثير من التوتر والمساومات خلف الأبواب المغلقة." بالإضافة إلى الوضع الداخلي، يقول محللو المنطقة إنّه من المهم مراقبة الأوضاع على الحدود بين قرغيزستان وأوزبكستان. العديد من الأوزبكيين الأصليين يعيشون جنوبي قرغيزستان، حيث أدى العنف العرقي في عام 2010 إلى مقتل أكثر من 400 شخص. يظل الوضع متوتراً على الحدود، وقد تطورت مواجهات في الأسبوعين الأخيرين حول جزء متنازع عليه من الحدود، وتم احتجاز 4 مواطنين قرغيزيين في سجون الأوزبك. يخشى المسئولون في قرغيزستان من أن أي رئيس أوزبكي جديد سيرى ورقة النزاع العرقي مفيدة في توحيد الأمة. كتبت تينان هذا الأسبوع، "أوزبكستان دولة عشائرية، متنوعة عرقياً، بمناطق كانت متنازعة لقرون، وما زالت تحمل إمكانية النزاع"، مستشهدة بالنزعات الانفصالية في شمال غرب منطقة كاراكالباسكتان. وأضافت: "يظل وادي فرغانة ذو الكثافة السكانية العالية مطاردًا من قبل شبح القمع الحكومي الذي بدأ في عام 2005. العام الماضي، تراجعت الدخول في أنحاء البلاد، كما ساهمت اعتقالات موسعة لإرهابيين إسلاميين مزعومين في خلق إحساس بالخوف وانعدام الثقة." قاتل الإسلاميين كان كريموف يرى نفسه حاميا لدولته الواقعة في آسيا الوسطى من تهديد التشدد الإسلامي. قاد الجمهورية السوفيتية السابقة إلى الاستقلال عن موسكو تيمورلنك حاكم آسيا الوسطى في القرن الرابع عشر والفاتح صاحب الميل للقتل الجماعي بطلا قوميا لأوزبكستان. ولم يتسامح كريموف مع أي شكل من أشكال المعارضة خلال 27 عاما قضاها في سدة الحكم إذ قاوم بصلابة ضغوطا لإصلاح الاقتصاد الأوزبكي الضعيف وحرس بيقظة شديدة استقلال بلاده عن روسيا والغرب. وفي رفض شديد كعادته للدعوات الغربية لاحترام حقوق الإنسان قال كريموف في 2016 "لا تتدخلوا في شؤوننا بحجة دعم الحرية والديمقراطية. لا .. تقولوا لنا ماذا نفعل ومن نصادق وكيف نوجه نفسنا." وفي ظل حكمه أصبحت أوزبكستان ذلك البلد الذي يسكنه 32 مليون نسمة ويقع على طريق الحرير القديم الذي يربط آسيا وأوروبا واحدة من أكثر الدول انعزالا وشمولية. ودأب كريموف على التحذير من التهديد الذي يشكله الإسلاميون المتشددون لاستقرار منطقة آسيا الوسطى الشاسعة المساحة والغنية بالموارد الطبيعية لكن منتقديه يتهمونه بالمبالغة في الأخطار لتبرير إجراءاته الصارمة ضد المعارضة السياسية. وقال عن الإسلاميين في خطاب أمام البرلمان عام 1996 "أشخاص من هذا القبيل يجب إطلاق النار على رؤوسهم. وإذا لزم الأمر وإذا كنتم تفتقرون إلى العزم فسأطلق عليهم النار بنفسي." الرقص الدبلوماسي جُمدت علاقات أوزبكستان مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بعدما قمعت قواته بوحشية انتفاضة شعبية في بلدة أنديزهان الشرقية في مايو أيار 2005. وذكرت تقارير لشهود عيان وجماعات لحقوق الإنسان أن مئات المدنيين قتلوا. وأغلق كريموف قاعدة عسكرية جوية أمريكية في أوزبكستان كانت قد أقيمت بعد هجمات 11 سبتمبر أيلول على الولايات المتحدة. وفرض الغرب مجموعة من العقوبات على أوزبكستان منها رفض منح كبار المسؤولين الأوزبكيين تأشيرات دخول مما دفع كريموف إلى السعي إلى تحسين العلاقات مع روسيا سيدة الاتحاد السوفيتي السابق. لكن مع تخفيف الغرب حدة موقفه تدريجيا من أوزبكستان وهي منتج للقطن والذهب والغاز الطبيعي وفر كريموف طريق عبور حيويا للإمدادات للحرب التي قادتها الولايات المتحدة في أفغانستان المجاورة. ومع توتر العلاقات مع روسيا مجددا علقت أوزبكستان في 2012 عضويتها في منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تقودها موسكو والتي تضم العديد من دول الاتحاد السوفيتي السابقة ويعتبرها بعض المحللين موازنا إقليميا لحلف شمال الأطلسي. دار حكومية لرعاية الأيتام ولد كريموف في 30 يناير كانون الثاني عام 1938 وهو ابن لأم طاجيكية وأب أوزبكي. ونشأ في دار حكومية لرعاية الأيتام وارتقى لاحقا بسرعة في صفوف الحزب الشيوعي السوفيتي. وكان عضوا بالمكتب السياسي السوفيتي ورئيسا للحزب الشيوعي الأوزبكي من 1989 إلى أن انهار الاتحاد السوفيتي عام 1991. وبعد الاستقلال ظل الاقتصاد خاضعا لتنظيم شديد من جانب الدولة على الرغم من الضغوط من صندوق النقد الدولي وهيئات أخرى لإدخال إصلاحات السوق وتحرير سوق النقد الأجنبي. وكمم وسائل الإعلام ومنع مؤسسات الإعلام الأجنبية مثل هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) من العمل في البلاد. وقالت هيومن رايتس ووتش في مارس آذار 2011 أنها أجبرت على إغلاق مكتبها المحلي بعد 15 عاما في البلاد قائلة إن السلطات رفضت منح باحثيها تأشيرات الدخول وتصاريح العمل. ورأى البعض في أوزبكستان رمزية قاتمة في اختيار كريموف لتيمورلنك بطلا قوميا للأوزبك بدلا من حفيد تيمورلنك أولو غبيك الإصلاحي ذي العقلية المتحررة. وقال كريموف في خطاب عام 1996 "الله عز وجل منح شعبنا وأمتنا نعمة كبيرة بأن أرسل لها رجلا عظيما مثل الأمير تيمور (تيمورلنك). لا بد أن نشكر الخالق ألف مرة على هذا." - هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية مع مادة أخرى من رويترز. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط .
مشاركة :