خسارة منتخبنا الوطني من المنتخب الإيراني في افتتاح المرحلة النهائية من التصفيات الآسيوية المؤهلة لنهائيات كأس العالم 2018 بروسيا قد تكون هي واحدة من المرات القليلة التي لا يمكن تجاهها إلقاء اللوم على اللاعبين أو الجهاز الفني، أو مجرد التعامل مع الخسارة على أنها بداية غير موفقة وغير مطمئنة، أو أنها مؤشر سلبي على مسيرة العنابي بالتصفيات. وبادئ ذي بدء علينا أن نتعامل مع المباراة الافتتاحية بمزيد من المنطق والعقلانية والتحليل الفني الأمين الذي يبعث على التفاؤل لا على التشاؤم، بل والأهم من هذا وذاك هو أننا مطالبون بالتقييم الأمين لما قدمه اللاعبون والجهاز الفني أمام إيران، وذلك من خلال التحليل الفني لأداء العنابي بعيدا عن الفوز والخسارة؛ لأنه كما تابع الجميع فإن الفارق بين التعادل والخسارة كان مجرد خطأ غير مقصود من الحارس كلود أمين، وأن الفارق بين الفوز والخسارة هو توفيق الهيدوس في الكرة التي سددها بيسراه بقوة لتعلو العارضة، وبين أن يمررها عرضية لثلاثة من مهاجمي العنابي في واحدة من أخطر الفرص العنابية بالمباراة وفي وضع سلبي لمدافعي إيران، حيث كانوا جميعا وجههم تجاه مرماهم في أخطر وضع للمدافعين الذين يفترض أن يكون ظهرهم لمرماهم ليتمكنوا من التعامل مع الكرة العرضية، وهذان المثالان لخطأ كلود أمين وقرار غير موفق للهيدوس بعدم رؤية زملائه ليلعب لهم بالعرض بدلا من التسديد هما دليل عملي على التوفيق وعدمه، ولكن لا يجب أن تنسينا الخسارة الكثير من النقاط الإيجابية للجهاز الفني واللاعبين على مدار الـ90 دقيقة، وقبل أن يحمل الوقت بدل الضائع لنا سيناريو غير متوقع، وهو سيناريو يؤكد أن منتخبنا نجح فنيا وسقط رقميا، والفارق كبير بين النجاح الفني والسقوط الرقمي، وأن يؤدي اللاعبين بهذا السيناريو فهذا أمر جيد، وأن يخسر الفريق بهذا السيناريو هذا أمر لا أتوقع تكراره كثيرا، وما يهمنا هو ثبات الأداء الفني للاعبينا، وحتى أنا شخصيا سوف أتناول المباراة بالتحليل كما لو كانت النتيجة هي التعادل السلبي وليس الخسارة بهدفين؛ لأنه من الظلم أن ننكر على اللاعبين كل ما قدموه لمجرد حدوث خطأ غير مقصود أدى لنتيجة غير منطقية فنيا، والآن لنبدأ التحليل عبر النقاط التالية. إعداد نفسي جيد وأداء مستقر فنيا بداية لا بد من الإشادة بنجاح الجهاز الفني في إعداد اللاعبين نفسيا بصورة جيدة لمباراة يفترض أنها من أصعب المباريات، لكونها مباراة افتتاحية من جانب، ولكونها أمام منتخب قوي وعريق كالمنتخب الإيراني، فضلا عن كونها خارج ملعبنا وأمام جماهير غفيرة تشجع منتخبها بحرارة، ورغم كل تلك العناصر السالفة الذكر إلا أن أداء لاعبينا كان مستقرا فنيا، ولم تكن هناك أي مظاهر للارتباك أو الأخطاء الواضحة في التمرير والاستلام أو في التغطية، وحتى مدافعونا كانوا يؤدون بثقة وهدوء كبيرين، وباستثناء خطأ كلود أمين لم يكن هناك ما يدعو للقلق على العنابي أثناء المباراة، كما أن منتخبنا تميز بالأداء الرجولي والقتالي بجانب الرغبة المستمرة في الهجوم وعدم الدفاع بصورة مبالغ فيها، بل كنا ندا للإيراني بل وأكثر من ند في أكثر من موقف وكل تلك العناصر ساهمت في استقرار أداء لاعبينا فنيا وشعورهم بالثقة وبالقدرة على الفوز خارج ملعبنا ووسط جماهير كبيرة، وهذا في حد ذاته نجاح للجهاز الفني واللاعبين. التشكيلة العنابية والهدف من المباراة عقب الإعداد النفسي الجيد يأتي عنصر التشكيلة التي سيخوض بها المدرب المباراة، التي يجب أن تتفق مع الهدف الذي يريده المدرب من المباراة، ولا يخفي على أي ناقد فني أن يدرك أن هدف كارينيهو كان هو التعادل كهدف أساسي ومرحلي يهدف إليه ثم الفوز كهدف ثانوي من خلال قدرة العنابي على التعامل مع ضغوط المباراة الافتتاحية ومهاجمي المنتخب الإيراني ونجاح العنابي في تخطي حمى البداية هو سبيله لتحقيق الفوز ومفاجأة المنتخب الإيراني، ولا يستطيع أحد أن يؤكد أن العنابي كان يلعب بطريقة دفاعية تهدف للتعادل، بل كان يلعب بطريقة متوازنة تهدف للتعادل والفوز معا وعودة للتشكيلة العنابية والتي كانت نموذجية وتتفق مع هدف المدرب من المباراة وبدءا بخط الظهر فكان المدرب موفقا باختيار 4 لاعبين بالفعل كلهم «لعيبة كورة» وليسوا مدافعين تقليديين كل هدفهم هو مراقبة المهاجمين والتشتيت وغلق المنطقة أمام مرماهم دون القدرة على المساندة في الهجوم ببدء سليم للهجمة وبتمريرات متقنة وكان الرباعي بوعلام وياسر وبيدور يمينا وعبدالكريم يسارا موفقين بخبرتهم وثقتهم في أنفسهم وهدوء الأعصاب في التعامل مع المهاجمين الإيرانيين وجو المباراة بشكل عام، فلم تكن هناك أخطاء مؤثرة في الرقابة الفردية ولا في التغطية العكسية ولا في التمرير للاعبي الوسط رغم ضغط مهاجمي إيران، وهذا التصرف السليم من رباعي خط الظهر ساهم في زيادة نسبة استحواذ منتخبنا على الكرة لاسيما بالشوط الأول. التمريرات القصيرة بمنطقة المناورات امتدادا لنجاح المدرب في اختيار تشكيلة مناسبة وتأكيدا على نواياه الهجومية ورغبته في تحقيق الفوز هو مجموعة اللاعبين بخط الوسط والذين قاموا بدور دفاعي وهجومي جيد، وكانوا رمانة الميزان في أداء العنابي طوال المباراة وكان البدء بالخماسي الهيدوس وتاباتا وكريم بوضياف ولويس مارتن وعلي أسد هو اختيار موفق؛ لأن اللاعبين الخمسة لديهم قدرات عالية على التسليم والتسلم تحت الضغط وعلى الاحتفاظ بالكرة وعدم فقدانها بسهولة وأيضا على المساندة في الهجوم والتحول من الدفاع للهجوم من خلال اختراقات فردية وتمريرة أمامية، لاسيما من قبل لويس وكريم وساهمت تلك القدرات العالية للاعبي الوسط في منح منتخبنا الثقة من خلال القدرة على الاحتفاظ بالكرة والمناورة بها وأخذ المبادرة الهجومية، فضلا عن فقدان المنتخب الإيراني القدرة على تهديد منتخبنا من خلال كرات مرتدات نتيجة لفقدان لاعبينا للكرة في منقطة المناورات، ومن ثم لم تكن الكرة بحوزة المنتخب الإيراني لفترات طويلة، ومن ثم فقد الإيراني الكثير من هويته الهجومية ولم تكن لهجماته التأثير الكبير على منتخبنا. وعي خططي جيد للاعبي الوسط والدفاع من أهم النقاط الإيجابية التي لفتت انتباهي في أداء منتخبنا هو الوعي الخططي الجيد للاعبي الوسط والدفاع، والذي يعكس بوضوح الفهم الجيد لكل لاعب للمهام المطلوبة منه لاسيما لحظة فقدان منتخبنا للكرة في نصف ملعب المنتخب الإيراني، أو في منطقة الوسط بشكل عام وهذه الجزئية تحديدا تبدو واضحة في الزيادة العددية التي كان يتميز بها منتخبنا في حالة الدفاع أمام مهاجمي إيران، وذلك بعودة كريم ولويس للمساندة مع رباعي خط الظهر، ومن ثم عودة الثلاثي تاباتا والهيدوس وعلي أسد لمنطقة الوسط وبمسافة قريبة ومناسبة من كريم ولويس، وهذه المسافة وهذا التقارب في الخطوط منح لاعبيه فرصة الاستحواذ على الكرة الثانية العائدة من مدافعينا والحارس، كما منحت تلك الزيادة العددية بشكل عام في نصف ملعبنا منحت منتخبنا القدرة على الخروج بالكرة من الحالة الدفاعية في نصف ملعبنا إلى الحالة الهجومية لنصف ملعب إيران عبر تمريرات قصيرة في القدم دون الحاجة للتشتيت غير المبرر، وربما لم تشهد المباراة سوى كرة خطرة للمنتخب الإيراني في نهاية الشوط الثاني وكانت عرضية من الجهة اليسرى لتمر من على رأس المهاجم الإيراني، وتضيع أقرب وأخطر فرصة إيرانية بالمباراة، وفيما عدا ذلك كان أداء لاعبينا بالوسط والدفاع أداء جيد عدديا وفنيا ولم تكن هناك مساحات كبيرة بين اللاعبين تسمح لهجمات خطرة لمنتخب إيران. الإعداد البدني الجيد واضح على الفكر التكتيكي أيضا من النقاط الإيجابية في أداء منتخبنا من الناحية التكتيكية هي وصول اللاعبين لفورمة عالية من الأداء البدني تؤكد نجاح الجهاز الفني والمعاون له في إعداد اللاعبين بصورة بدنية جيدا؛ لأنه لا يمكن لأي منتخب أن يؤدي مباراة افتتاحية ولمدة 90 دقيقة، وبنفس الرتم والمستوى البدني الذي كان عليه اللاعبون إلا إذا كان هناك إعداد بدني جيد، وأيضا لا يمكن لمنتخب أن يقوم بتنفيذ الفكر التكتيكي للمدرب في حالتي الهجوم والدفاع، وبالمستوى نفسه من الاستقرار والتوازن دفاعا وهجوما إلا إذا كان الإعداد البدني إعداد جيد، وعلينا أن نتخيل ما كان يقوم به الهيدوس يمينا ويسارا وما كان يقوم به سوريا بالضغط على مدافعي إيران وفي كثير من المواقف كان التفوق لسوريا سواء بالاستحواذ على الكرة أو بالحصول على خطأ من المدافعين، كما أن ما قام به لاعبو الوسط من مساندة للمدافعين نتج عنها زيادة عددية ما كان يمكن أن يحدث بدون إعداد بدني جيد كل تلك الأمور الفنية مرتبطة بشكل مباشر بالإعداد البدني الجيد للاعبين، وهو في النهاية ما ساهم في أداء جيد للعنابي دفاعا وهجوما، بل ولولا خطأ النهاية لكان الكثيرون سيقولون إن العنابي كان يستحق الفوز وليس التعادل. هوية تكتيكية واضحة وعدم توفيق في النهاية المتأمل في أداء العنابي أمام الإيراني يلمس بوضوح أن هناك هوية تكتيكية واضحة للعنابي تتمثل في بعض النقاط الفرعية تؤدي بدورها للأداء العام الذي كان مستقر فنيا ومن بين تلك النقاط الفرعية هو عدم مجازفة ظهيري الجنب عبدالكريم حسن وبيدور في التقدم للهجوم، بل كان التقدم بحساب على أن يتولى عملية الهجوم من على الأجناب الهيدوس وسوريا، وأن تكون المساندة الهجومية من عمق وسط الملعب حتى منطقة جزاء إيران من قبل الثنائي تاباتا وعلي أسد ومن خلفهم كريم بوضياف كرأس مثلث مقلوب يمكن إعادة بناء الهجمة من خلاله في حالة تعثر الاختراق من قبل الهيدوس وسوريا، كما أن الاعتماد على سوريا كرأس حربة وحيد قلل كثيرا من عملية التركيز الدفاعي عليه وكان تحركه في الجهة اليسرى مزعجا للدفاع الإيراني أيضا من النقاط الواضحة في أداء العنابي والمتفق عليها هو الاحتفاظ الجيد بالكرة في منطقة المناورات والقدرة على زيادة عدد التمريرات القصيرة، وهو ما يعرف بعملية التجميع ليظل تركيز المنتخب الإيراني على عملية قطع الكرة من لاعبي الوسط وبعد عدة تمريرات، وفي الوقت المناسب يتم تمرير كرة أمامية للهيدوس في الجهة اليمنى، وغاليا ما كان يقوم بهذه التمريرة لويس مارتن ومن بعده كريم بوضياف، وكانت تلك الجملة تحدث أحيانا من قبل أحمد ياسر أو بوعلام للخط الأمامي متخطية لاعبي الوسط، ولكنها لم تكن هي الأساس في فكر العنابي هجوميا وفقط ما كان ينقص العنابي هو التوفيق في إنهاء الهجمة بصورة تسفر عن أهداف، ولكن كما أوضحنا الأداء بشكل عام يدعو للتفاؤل وليس للتشاؤم، وعلينا أن ننتظر الكثير من لاعبينا في اللقاء القادم أمام المنتخب الأوزبكي. نوايا هجومية بعدد مناسب من اللاعبين أيضا من النقاط الإيجابية في أداء العنابي هجومية هو أن عدد لاعبينا في الهجمة العنابية كان مناسبا، وفي معظم الهجمات كان يصل لـ4 لاعبين أو 5 وهو عدد يعكس النوايا الهجومية لمنتخبنا والرغبة في الفوز، فضلا عن الإعداد البدني الجيد الذي يبدو واضحا في قدرة لاعبينا على التحول السريع من الدفاع للهجوم بعدد مناسب وفي الكثير من الحالات الهجومية كان يتقدم سوريا داخل منطقة جزاء إيران ويسدد على المرمى أو يحصل على ركنية، وفي داخل المنطقة نجد تاباتا والهيدوس ومن خلفهم كريم وعلي أسد، والعكس صحيح كان يتقدم الهيدوس داخل المنطقة وبجواره تاباتا وسوريا وأيضا من خلفهم أسد وكريم، وهذا النهج الهجومية لمنتخبنا هو من أهم عناصر الاستقرار والتي ساهمت في أن يظل العنابي ندا قويا للإيراني طوال المباراة ولم نشعر أن سوريا معزولا بمفرده وسط الدفاع الإيراني ورغم ثبات الهوية الهجومية لمنتخبنا بهذا العدد من اللاعبين، إلا أنه في بعض المرات القليلة كانت يتقدم عبدالكريم حسن في المساندة الهجومية من الجهة اليسرى وبدرجة أقل منه كان يتقدم بيدرو من الجهة اليمنى. قيادة جيدة للجهاز الفني بشكل عام يمكننا القول إن الجهاز الفني بقيادة كارينيهو نجح في قيادة المباراة بدءا من التشكيلة المناسبة ثم التغييرات التي كان بعضها اضطراريا والآخر فنيا والتغيير الوحيد الفني هو خروج تاباتا ونزول أكرم عفيف وهو تغيير جيد في ظل تراجع أداء تاباتا نسبيا بالشوط الثاني، وهو تغيير يبعث برسالة للاعبينا وللإيراني برغبة العنابي في الهجوم واللعب للفوز، وعلى الرغم من اختفاء الهيدوس نسبيا بالشوط الثاني، إلا أن الهيدوس من اللاعبين الذين على المدرب أن يفكر كثيرا قبل تبديله؛ لأنه بإمكانه في لحظة أن يغير شكل المباراة، وكاد الهيدوس أن يفعل ذلك عندما تلقى الكرة في الجهة اليمنى في هجمة مرتدة ونجح في المرور من المدافع، إلا أن المدافع الإيراني تعامل معه بخشونة ليحصل الهيدوس على خطأ تكتيكي من المدافع الإيراني، أما تغيير بيدرو ودخول محمد موسى فكان للإصابة، وكذلك دخول كسولا كان مطلوبا في الدقائق الأخيرة التي زاد فيها الإيراني من ضغطه الهجومي بحثا عن هدف الفوز.;
مشاركة :