اجتمعت الصديقات كعادتهن في عطلة نهاية الأسبوع في منزل إحداهن، وتجاذبن أطراف الحديث ودار بينهن سؤال مفاده: "هل تغفرين أخطاء زوجك؟"، وكانت الصديقات إزاء ذلك بين محبة مندفعة وعاقلة متفهمة وحكيمة مُدهشة، فتباينت الآراء وانفضَّ المجلس دون أن تتحدد ملامح الإجابة وتتأكد المسميات. وأكدت مختصات على أن المرأة تلجأ للمحافظة على الحياة الزوجية وعلى استقرار المنزل والأبناء حتى إن لم يكن هناك حب بين الزوجين، الأمر الذي يجعل الزوجة أكثر تسامحاً عن أخطاء الزوج ما صغر منها أو كبر؛ من أجل أن تمر عجلة الحياة بسلام، مشيرات إلى أن التغافل عن صغائر الأمور وتجاوز الأخطاء المُحتملة والوصول إلى التسامح وعدم الإصرار على الانتقام تُعد أحد أركان الحياة الزوجية الناجحة. ذكرى الزواج وقالت "هدى":"أنا أحب زوجي جداً، ولأنني أحبه لن أغفر له أي خطأ يقع فيه؛ لأن الأخطاء حين يرتكبها من لا يعنينا نستطيع أن نضرب عنها صفحاً ونقول إنه لا يهم، لكن حين يكون مرتكب الأخطاء حبيب وغالٍ فإن العتب يكون بشكل أكبر والأثر أعمق، وبمقدار حبنا لهذا الشخص يكون ألمنا وجرحنا من خطئه، لذا فلا سبيل عندي للغفران إلاَّ بعد أن يعتذر ألف مرة ويتعهد بكل المواثيق ألا يكررها ثانية"، مضيفة أنه من الممكن أن يقتلها اكتشاف خيانته لها، مشيرة إلى أن ذلك من الممكن أن يجعلها لا تنام الليل، كما أنها من الممكن أن تُضرب عن الطعام إن هو نسي تاريخ ميلادها أو إن مر يوم ذكرى زواجهما دون أن يقيم لها فيه احتفالاً ويحضر لها فيه هدية أو يُعد لها مفاجأة ما. عتاب المحبين وتهز "أروى" رأسها، وتقول مبتسمة:"ما هذا المفهوم المعكوس للحب؟، بالطبع سأغفر له لأني أحبه"، مضيفة أن القلب المحب لا يمكن أن يحمل على حبيبه، مشيرة إلى أنها ستسامحه مهما فعل، مبينة أنها قد تعاتبه، لكن ذلك هو عتاب المحبين، لافتة إلى أن الأمر سينتهي -دون شك- بالغفران والمسامحة، لافتة إلى أنها تكفيها ابتسامة استرضاء منه لكي تنسى ما فعل، مؤكدة على أن تفكيرها سينصب على النقص الذي لديها وجعله يستكمله مع أخرى في حال فكر في خيانتها، أو حينما ينسى تاريخاً مهماً، موضحة أنها ستذكره وستعد له المفاجأة التي تليق بما تعنيه ذكرى هذا اليوم. حد فاصل وكانت "سمر" تستمع لآراء كل من "هدى" و"أروى" وهي صامتة تراقب الدفاع المستميت لكل واحدة منهما عن رأيها في ربط الحب بالغفران أو عدم الغفران، ولم تتكلم إلاَّ حينما توقفتا عن الجدال، وعند ذاك كان رأيها مفاجأة بكل المقاييس، إذ بينت أنها تُفرِّق تماماً في علاقتها بزوجها بين حق الله وحقها هي، مضيفة أنها تعلم تماماً شكل وموقع الحد الفاصل بينهما، مشيرة إلى أنها تضع كل خطأ يرتكبه زوجها في ميزان الحقوق، فإن كان خطأه في حقها خيَّرت نفسها وفق معطيات اللحظة بين السماح وعدم السماح، أما إن كان الخطأ في جنب "الله" –عز وجل- فهو وشأنه، إما أن يغفر له، أو لا يغفر. وقالت :"سأشرح وجهة نظري بمثال على أصعب ما يمكن أن يرتكبه الرجل من خطأ، ولنفترض أن زوجاً ما ارتبط بعلاقة غير شرعية مع امرأة أخرى غير زوجته، فإن موقفي من هذا الأمر أن فعلته هذه هي ارتكاب لمعصية حرمها الله، فهو هنا تعدى على حق الله وليس على حقي، فحين نُوقِّع على عقد الزواج لا نُوقِّع على عقد ملكية يمتلك بمقتضاه كل طرف الآخر، وإنما هو عقد شراكة لها بنود ينبغي احترامها من الطرفين، فإن لم يُخلّ بواجباته إزاء بيته، فإنه لا يعنيني ما يفعل خارجه، ويعنيه هو أن يستغفر ربه ويعود عن فعل ما يغضبه سبحانه". وأضافت أنه يحق للمجتمع إن هو ضبطه متلبساً بجرمه أن يقيم عليه الحد الذي شرعه "الله" –سبحانه وتعالى-، لكن ما يمس العائلة من فعله هو ما أعتبره خطأ في حقي، فمثلاً لو عاد من هذه العلاقة بمرض نقله لي، أو أساء إلى سمعة أبنائه، أو تفاخر بمنكر أثَّر في تربيتهم، فإنني عندها اعتبر خطأه خطيئة أقف أمامها بكل قوة، بل لا مانع لدي في أيّ حالة من هذه الحالات أن ألجأ إلى المحكمة وأُقاضيه، مؤكدة على أن تأخره في إحضار بعض الأغراض التي يحتاجها البيت أخطر لديها بهذا المقياس من ارتكابه لخيانة زوجية. علاقات إنسانية وأوضحت "بدرية الدعيدع" -أخصائية طب نفسي، وعضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود- أن علم النفس الاجتماعي يدرس العلاقات الإنسانية أو العلاقات بين الأشخاص، ومن تلك العلاقات علاقة الزوجين ببعضهما البعض، مضيفة أنه من المتعارف عليه بنظرة نفسية أن المرأة تلجأ للمحافظة على الحياة الزوجية وعلى استقرار المنزل والأبناء حتى إن لم يكن هناك حب بين الزوجين، الأمر الذي يجعل الزوجة أكثر تسامحاً عن أخطاء الزوج ما صغر منها أو كبر؛ من أجل أن تمر عجلة الحياة بسلام. ولفتت إلى أن على المرأة أن تكون أكثر تسامحاً مع الرجل، مضيفة أن الحياة الزوجية تتطلب العفو والغفران والصفح عند المقدرة، لقوله تعالى: "فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّه"، وقالت: "عند الحديث عن المفهوم الصحيح للغفران فيعني أن يتم التغاضي عن الخطأ والعفو عنه، متجاوزاً الخطأ بكرم بلا عقاب ولا عتاب، وبمحو الأثر دون تذكير بهذا الخطأ"، مشيرة إلى أن ما يحدث لدى البعض هو أن مفهوم الغفران لا يحدث إلا بعتاب أو عقاب أو تذكير بالخطأ بين حين وآخر، وهذا ما يشير إلى سوء الفهم في الحياة الزوجية. وأكدت على أنه بالنظر إلى حقيقة ما جاء به ديننا الحنيف من دعوة إلى الخير والعدل والتسامح وحسن المعاملة والدعوة للمحافظة على كيان الأسرة، فإن من المعروف أن يتم احترام المرأة ومراعاة حقوقها ومشاعرها وأن يُوفَّر لها أسباب الراحة والطمأنينة الجسدية والنفسية، مشيرة إلى أن ديننا الحنيف دعا إلى العدل في الحقوق والواجبات، مبينة أن ذلك مما يحقق بناءً سليماً للأسرة، مبينة أنه يجوز شرعاً الكذب على المرأة من باب الحفاظ على الحياة الزوجية ومراعاة مشاعرها ومجاملتها. وأضافت أن الدين الإسلامي الحنيف يدعو أيضاً إلى الإصلاح بين الزوجين في حال الخلاف والشقاق، لقوله تعالى :"وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا"، ومن هذا المنطلق فالدين يأمر بالصفح والعفو عند المقدرة، ومع ذلك نجد أن الخلافات الزوجية تنشأ من عدم التسامح وعدم الصفح، مؤكدة على أن النساء يختلفن في القدرة على التسامح تبعاً لسمات الشخصية ونوع الخطأ ودرجته، لافتة إلى أن أبرز محاور عدم تسامح الزوجة تتمثل في انشغال الزوج الدائم عن شؤون المنزل والزوجة والأبناء، وعدم اهتمامه بمشاعرها أو الاكتراث لها، وتخلِّيه عن المسؤولية تجاه الأبناء، وإلقاء العبء على الزوجة. وأشارت إلى أن من أبرز تلك المحاور ضعف المهارات الحوارية لدى الزوج في حل المشكلات، وإهانة وجرح مشاعر الزوجة لفظياً أو مادياً باستعمال الكلمات النابية أو الضرب، وتقصيره مادياً في الإنفاق على الزوجة أو في تقديم الهدايا لها في المناسبات المهمة، إلى جانب التشكيك في المرأة وعدم الثقة بها، وكذلك كذب الزوج على زوجته أو عدم الوفاء بالوعود، إضافة إلى الانحرافات السلوكية، كالإدمان على الكحول والمواد المخدرة أو الانحرافات الجنسية لديه وخيانته لها. قلوب موجوعة وبينت "فاطمة الخليوي" -مدربة تربوية، ومستشارة اجتماعية- أن هناك من يرى أن الانتقام هو الوسيلة الوحيدة لإرجاع كرامته المهانة وكبريائه المجروحة، ولكنه يتجاهل أنه بالانتقام يحفر قبران، أحدهما لعدوه والآخر له، ويأتي بالمقابل الحل الشافي للقلوب الموجوعة التي ترزح تحت ثقل الشعور بالظلم بالتسامح ونسيان الألم والقرار بفتح صفحه جديدة ليسود الود والوئام، مشيرة إلى أن هذه الكلمات قد تبدو سهلة جداً لوهلة، بيد أن التسامح وطي صفحة الماضي المظلمة صعب جداً علينا جميعاً؛ بسبب الشرخ العميق الذي أحدثه الموقف السلبي من الطرف الآخر، لذا قال "الله" -عز وجل- :"وما يُلقَّاها إلاَّ الذين صبروا وما يُلقَّاها إلاَّ ذو حظ عظيم". وأضافت أنها ترى من خلال عملها في الاستشارات الأسرية والزوجية أن التغافل عن صغائر الأمور وتجاوز الأخطاء المُحتملة والوصول إلى التسامح وعدم الإصرار على الانتقام تُعد أحد أركان الزواج الناجح، موضحة أن الزوجة المتسامحة تماماً قد تسامح زوجها على إساءته، بيد أنها قد لا تنساها تماماً، مرجعة ذلك إلى الطبيعة البيولوجية والنفسية للمرأة من حيث الذاكرة العاطفية الأقوى من الرجل، بينما يتغلب هو عليها في الذاكرة الرقمية، لافتة إلى أن الزوجة تتفوق عادة على الزوج بتقديم التضحيات الكبيرة التي تجعلها تتوقع الرد بالإحسان، بيد أنها وقد تُصاب بالخيبة الشديدة عند المقابلة بالعكس، وبالتالي عدم التسامح لهول الصدمة. وأوضحت أن لدى المرأة خطوطاً حمراء يصعب عليها نسيان ألمها من رجل حياتها، ومن ذلك خيانتها مع أخرى، وانتقاد عائلتها أو والديها، والتراجع عن وعد تقرَّر مُسبقاً بدون أسباب مقنعة، إلى جانب جرحها بقسوة انتقاد مظهرها أمام الآخرين، وكذلك مقارنتها بأخريات من النساء تكون المقارنة لصالحهن، مؤكدة على أن هذا الأمر مؤلم لها ويسئ لثقتها بنفسها، مبينة أن مما يزيد من ألمها هو التقليل من رأيها أمام أحد ما، أو توجيه اللوم الجارح لها أثناء النقاشات، كما أن تجاهلها وتهميش وجودها قاس على كينونتها الإنسانية، مبينة أن الجميع يعلمون، وقالت :"كلنا يعلم مدى رهافة مشاعر الأنثى ورقه إحساسها، ولا أظن أن هذا الكائن الرقيق حين يقرر عدم الغفران إلاَّ لألم عميق في داخلها يحتاج بشدة إلى اعتذار يُطيِّب خاطرها ويداوي جرحها".
مشاركة :