مع بدء تسريب القوائم المرشّحة للانتخابات المحلية (المجالس البلدية والقروية)، المقرر عقدها في الثامن من تشرين الثاني (أكتوبر) المقبل في فلسطين، لاحظ القائمون على العديد من هذه القوائم، تنامي ظاهرة «شطب» أسماء النساء، بخاصة في الريف الفلسطيني بشماله وجنوبه ووسطه في الضفة الغربية وفي مناطق بقطاع غزة. واكتشف منسقو القوائم أنه تتم الإشارة إلى المرشحات بـ «زوجة» فلان أو ابنة هذا أو ذاك، وأحياناً بلقب «السيدة» من دون اسم حتى، والاستعاضة عن صورتها برسم أو صورة لوردة أو فراشة. وثارت ثائرة الكثير من المثقفين، والشباب، والناشطات النسويات، وحتى شخصيات معروفة في المجتمع، التي بدأت حملة مضادة عبر نشر كل منهم اسم والدته، وزوجته، وبناته، وشقيقاته في مواقع التواصل الاجتماعي، فيما اتجه آخرون نحو طرق غير تقليدية في إطار هذه الحملة التلقائية. وما إن نشرت لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية، القوائم بالأسماء الكاملة للنساء، وفق القانون، حتى عادت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي التي تمثل بعض القوائم في عدد من البلدات والقرى إلى «شطبها» مجدداً، فازدادت الحملة المضادة ضراوة مرة أخرى، كأنها معركة القط والفأر بين المصرّين على إخفاء أسماء النساء المرشحات وفق نظام «الكوتا» النسوية (الحد الأدنى للتمثيل النسوي في القوائم)، وبين من يرون في ذلك انحداراً مجتمعياً مرعباً. وهو ما دفع لجنة الانتخابات المركزية إلى إصدار توضيح في هذا الخصوص، يشدّد على التزام اللجنة القانون من خلال نشر كل الأسماء للنساء والرجال كما هي، وعلى ألا علاقة لها بما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي من جانب البعض واشتمل حذفاً أو تغييراً فيها، مؤكدة أنها لم تتسلم قوائم بها هذه الأسماء والصفات، وإن من ضمن الشروط أن تكون الأسماء رباعية للمرشحين والمرشحات. الممثلة الفلسطينية منال عوض، خرجت عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي (فايسبوك)، وهي التي اشتهرت كفنانة كوميدية، بفيديو حول الأمر، مخاطبة النساء على وجه الخصوص. وجاء في الفيديو «أرجوك يا أختي لا تضعي وردة بدل اسمك أو صورتك في الدعاية الانتخابية، لأنك في النهاية تمثليننا كنساء مواطنات سنصوت لك بناء على برنامجك الانتخابي، فكيف لنا ذلك إن كنت تلغين نفسك وتضعين وردة. أنت وردة بحضورك ووجودك لتطوير البلد وخدمته». وأضافت عوض في تسجيل زاد عن الدقيقة بقليل: «نحن أبناء وبنات مدينة وقرية ومخيم، في النهاية أبناء وبنات بلد واحد، ونعرف بعضنا بعضاً، ونرى بعضنا بعضاً في العيادة والشارع والسوق والمدرسة، فلماذا حين تأتي الفرصة ليكون لك حضورك وصوتك تقررين أن تكوني صورة فارغة بين مجموعة من البدلات وربطات العنق. وجهك هويتك لماذا تخفينه؟ لماذا تخفين اسمك خلف اسم زوجك أو والدك، أو تقبلين بلقب «الأخت» كأنه لقبك في بطاقتك الشخصية أو جواز سفرك؟ اسمك هويتك لماذا تلغينه، ولا تتذرعين بأنه تم اختيارك للقائمة الانتخابية رغماً عنك؟». أما الشاعر غسان زقطان، فكتب مقالاً عدّد فيه أسماء زوجات النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، وبناته، والصحابيات، وزوجات الصحابة، قبل أن يختم مقاله بالقول: «بأسمائهن الفصيحة ونسبهن النبيل وصفاتهن المحببة التي عرفن بها، لم يختفين خلف أسماء «رجالهن»، وهم رجال عظماء أسسوا للتاريخ وأضافوا إليه. إنها غرابة التقليد الذي نعيشه الآن في إخفاء اسم المرأة ودفعه خلف اسم الرجل، ونفيها عن كيانها بحيث يبدو كأنها تستمد صفتها وكيانها منه». أما وزير الثقافة الشاعر إيهاب بسيسو، وبصفته الشخصية على موقع «فايسبوك»، فنشر صورة ذات دلالات كبيرة تناهض هذه الظاهرة، حيث تبرز متطوعات في الهلال الأحمر الفلسطيني في قطاع غزة في ستينات القرن الماضي، وبينهن والدته التي ذكرها باسمها. وأظهرت الصورة كيف كانت عليه المرأة الفلسطينية في تلك العقود، وكيف باتت حالها هذه الأيام، وإن لم يقلها صراحة، لكن «الصورة بألف كلمة». واعتبر الأكاديمي وليد القططي، أن هذه الظاهرة هي «انعكاس لسطوة الإرهاب الفكري»، والتي انتشرت معها ثقافة تنظر الى «المرأة بصفتها عورة من شكلها لصورتها ووجهها واسمها... آخر إبداعات هذه الثقافة في فلسطين هو نزول بعض القوائم لمرشحي الانتخابات البلدية في الضفة الغربية وقطاع غزة من دون أسماء نساء، واستبدالها بكلمة «أخت» أو «أم فلان»، أو غيرها من الطرق الفنية في إخفاء الأسماء النسوية، كأنه «نوع جديد من وأد البنات». ووجدت ميسر عطياني، عضو الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، أنه بات مطلوباً تكاتف الحركة النسوية، ورفض ما يفرض على واقع المرأة في ظل التهميش والاستخفاف بحضورها وكينونتها، والعمل على انسحاب المرشحات غير المعترف بهن كعنصر نسوي فاعل في المجتمع، لأن المرأة ليست رقماً، وليست كلمات متقاطعة بلعبة املأ الفراغ».
مشاركة :