نخاطبكم مجدداً يا صاحب السمو للإضاءة على قضية في غاية الأهمية قد تكون لها انعكاسات سلبية في الأجلين القريب والبعيد. لقد تفردتم يا صاحب السمو مراراً وطيلة تنقّلكم بين المناصب القيادية بـ «تعليق الجرس» حول أوجه الخلل في الدولة وهذه شفافية نتمنى ان يسير على نهجها الجميع. وكنتم المسؤول الأول الذي قال إن الفساد في بعض الإدارات «لا تشيله البعارين». وكنتم المسؤول الأول الذي وضع الشباب أولوية في برامج التنمية. وكنتم أول من دعا إلى مكافأة الكفاءات بدل ظلمها. هنالك خلل كبير يا صاحب السمو ولا ندري إن كانت الحكومة على دراية فيه من دون أن تعالجه (فتلك مصيبة)، أو على دراية ولا تريد أن تعالجه بحجة أن استمراره يخدم من وجهة نظرها العلاقة بين السلطتين (وهذه مصيبة أكبر). الخلل اسمه الوزراء النواب أو «المحللون»، فالوزير المنتخب وظيفته معروفة كما أرادها المشرع لتكريس المبدأ الديموقراطي من خلال دعم المشاركة الشعبية في السلطة التنفيذية ومبدأ التعاون بين السلطات. اليوم صار إشراك الوزير المنتخب تكريساً لمبدأ دعم قاعدته الشعبية ومصالحه الانتخابية. الوزير المنتخب، يا صاحب السمو، يفترض أن يكون مشرعاً قادماً من خلفية علمية وإدارية مميزة كي يتمكن من التسامي على إغراءات المنصب فيَخدِم ولا يُخدَم. لكن العادة فرضت أن يتم اختيار الوزير المنتخب من باب المحاصصة الحزبية أو السياسية أو الطائفية أو إرضاء هذا القطب أو ذاك وصار الوزير يخدم تياره أو حزبه أو منطقته أو طائفته أو مصالحه الانتخابية الضيقة فينسى الإدارة والمصلحة العامة ويتحول إلى مندوب لتوظيف أبناء الدائرة أو التيار... يكدسهم في الإدارة والوزارة على حساب من لا واسطة له سوى كفاءته، ولا ظهر له سوى شهادته. إن هذا النهج يا صاحب السمو عدا عن آثاره التدميرية على الإدارة نفسها فإن آثاره أكثر تدميراً على المجتمع نفسه. لأنه يشجع انجراف الشباب إلى انتماءات ضيقة على حساب الانتماء الوطني بما يمنحهم ميزة في التوظيف وتخليص المعاملات ويعطيهم ظهراً وواسطة بدل أن يكون الدستور ظهرهم وشهاداتهم واسطاتهم. من ليس حزبياً سيفكر أن يصبح حزبياً لأن وظيفته قد تتأمن بسرعة أكبر، ومن ليس طائفياً سيصبح كذلك للهدف نفسه، والحال مماثل بالنسبة للنزعات القبلية والمناطقية... وكل ذلك يخالف الدستور والقانون ومبادئ الانتماء الوطني وتوجهات سموكم المستمرة الداعية إلى الاهتمام بالشباب والكفاءات ونبذ الواسطة والصفقات والترقيات في الإدارة والتعيين. تجربة الوزراء المنتخبين في عهد هذه الحكومة ربما كانت من أسوأ التجارب، فأداء الوزارات التي تولوا إدارتها كان كارثياً بل إن بعضهم كان في مقدمة من يخرق القانون أو يتجاهله أو يلتف عليه. عملوا لمصالحهم الانتخابية بشكل مطلق وهو أمر واضح وبيّن مهما حاولت الحكومة إجراء عمليات تجميل لأدائهم بحجة الاستقرار وعدم التصادم مع المجلس. هناك وزراء يا صاحب السمو بدل أن يطبقوا قوانين إصلاحية تخدم الإدارة والإصلاح طبقوا مبدأ المماطلة وفتحوا سوق الصفقات مع بعض النواب لتنفيعهم وتنفيع أنفسهم معهم، فتراجع الصوت الذي يطالب الوزير بتطبيق القانون وتقدمت مخططات الوزير في المساومة والتسويف وكانت النتيجة خسائر جديدة للمال العام وتأخر الإصلاح واستمرار الفساد. لا بل إن وزيراً «محللاً» بعينه عندما أبلغوه أن زميليه سيستقيلان كما جرى العرف قبل أشهر من الانتخابات إن هما نويا الترشح مجدداً، رفض الاستقالة وأصر على البقاء تماماً مثلما أصر على خوض الانتخابات المقبلة. وبما أن الوزراء المنتخبين لم يراعوا المبادئ القانونية والدستورية ومستمرون في ما هم عليه، وبما أن مجلس الوزراء لم يعفهم من مناصبهم ولم يردع ممارساتهم خصوصا مع دخول البلاد أجواء الانتخابات، لذلك نتمنى يا صاحب السمو أن توجهوا بإعادة الحق إلى نصابه في ما يتعلق بهؤلاء سواء لجهة الأداء أو تطبيق القانون أو التعيينات التي حرمت كفاءات البلد من نيل فرصتها، وأن توجهوا بإيجاد آلية رقابية لاحقاً تضمن الفصل بين قرارات تطوير العمل الوزاري والتعيينات ومصالح أي وزير، وعسى الله يهدي حكوماتنا المقبلة فتعتمد صيغة لتوزير محلل واحد مقابل تعهدات صارمة بألا يستغل المنصب لأغراض انتخابية أو حزبية... وهذا دور حكومة تخلت عن مسؤوليتها في هذا الملف تحديداً من الألف إلى الياء. «الراي»
مشاركة :