رأي «الراي» / صدقت يا شيخ محمد - الافتتاحية

  • 9/17/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

لم يكن ما قاله معالي الوزير الشيخ محمد العبدالله عن انعدام ثقة الناس بالحكومة نقداً أو رأياً أو وجهة نظر. لم يكن تحليلاً مسايراً للأجواء العامة... كان اعترافاً مباشراً واضحاً وصريحاً من شخص مسؤول يعرف القول المناسب في التوقيت المناسب. هذا الاعتراف يحسب للوزير الشيخ ولا يحسب لغيره من الوزراء الذين لا يعرفون سوى لغة تضخيم إنجازات وهمية، أو التهليل لإجراءات بديهية وفِي صلب عملهم، أو اعتبار الحكومة حزباً لا بد من الدفاع عنه «بالروح والدم»، أو أنها كامرأة القيصر فوق الشبهات، أو التعامل مع المنصب الوزاري بأنه المدخل إلى التأمينات المستقبلية مالياً أو سياسياً أو انتخابياً... الوزير محمد العبدالله المبارك، الشيخ، حفيد مبارك الكبير، قدّم مقاربة راقية مسؤولة تلاقي أسئلة الناس الدائمة: أين الحكومة؟ صدقت يا شيخ في أن لا ثقة في الحكومة، وفتحت الباب على مصراعيه للخطوة التالية: فـ«اللا ثقة» في علم السياسة يعني لا تمثيل، صح؟ هنا كان لا بد وأنت في رحاب الشباب والإعلام أن تتحدث أيضاً عن العلاج بعدما شخّصت المرض. فكيف سيستقيم المشهد السياسي الكويتي مع سلطة تنفيذية بلا تمثيل؟ هل يعني كلامك مثلاً أن على حكومة لا ثقة شعبية فيها ان تستقيل؟ هل يعني ان يكون للتمثيل النيابي في الحكومة الغالبية؟ هل يعني وجوب عقد مؤتمر وطني للبحث في صيغة راقية تستجيب لروح الدستور الداعية إلى التطوير والتغيير؟ هل يعني مثلاً ضرورة البحث بثقة وبلا خوف في نظام الحكومات المنتخبة التي تستمد شرعيتها القوية من صناديق الاقتراع؟ هل آن الأوان لمقاربة نظام الحكومة المشكلة من حزب أو ائتلاف أحزاب؟ نعلم أن الدستور يحمل في روحه مقوّمات الإمارة الدستورية ونعرف أن الحياة السياسية المشوّهة التي عشناها، معطوفة على تطورات خارجية وأطماع إقليمية وشهوات السلطة من قبل البعض داخلياً، أخّرت ذلك وفرضت أولويات أخرى وتحديات أخرى، لكن الكويتيين ينتظرون منك ومن أمثالك مواقف بالجرأة نفسها التي تحدثت فيها عن انعدام الثقة بالحكومة لأن الحكم استمرارية ولأن العالم تغيّر ويريدك أن تلاقيه في المسارات الصحيحة. الموضوع الآخر الذي صدقت فيه أيضاً يا شيخ محمد، وإن كنت لا تقصد، هو موضوع تضخيمك وتهليلك الكبيرين لوسائل التواصل الاجتماعي وأهميتها التي يمكن حسب تقديرك تفوق أهمية وسائل الإعلام المقروءة والمرئية. قبل أن نقول أين صدقت لا بأس من تفسير بسيط كونك وزيراً للإعلام بالوكالة. وسائل التواصل الاجتماعي ولدت لهدف معين، تواصلي بالدرجة الأولى واجتماعي بالدرجة الثانية وتعبيري في كل الدرجات. ونظرة سريعة إلى طرق ووسائل استخدامها في الغرب تختصر الكثير من الشرح. في عالمنا العربي وخصوصاً في الخليج باتت لهذه الوسائل وظيفة مغايرة تماماً، فلا هي استطاعت مجاراة المصداقية والمهنية في الوسائل التقليدية ولا هي نظّمت الاتصال الاجتماعي بمعناه الإنساني كما حصل في العالم، أما عن التعبير فحدّث بلا حرج عن «تسونامي» الخلط بينه وبين الفوضى والتجريح والإساءات، ولكم في مداخلة مدير إحدى أكبر المجموعات الإعلامية العربية الكبرى الناجحة في الملتقى الأخير في الكويت عن «وسائل التواصل والإعلام» أكثر من عبرة، فلا ضير من أن تستفيد من خبرات الخبراء كي لا يبدو كلامك في إطار «الوظيفة» أيضاً. ومع ذلك صدقت يا شيخ. فوسائل التواصل الاجتماعي في الكويت مهمة لكم جداً، لأن وظيفتها تشعّبت وتحوّلت وتمدّدت. تارة هي منبر لصراع أبناء الأسرة وخصوصاً الوزراء الشيوخ منهم، وطوراً هي منصة من قبل طامحين للسلطة من الشيوخ أيضاً للإساءة والطعن والتجريح بالآخرين وفبركة الدسائس والمؤامرات. وبين الوظيفتين عشرات الوظائف التي باتت مكشوفة وممجوجة ولا تتمتّع بأي ثقة. فقط راقبوا مجموعات «الشبيحة» كيف تتكون وتندفع في اتجاه واحد. والمخجل في الموضوع، أن مصاريف ذلك كله تدفع من المال العام. فكل وزير غير شيخ يريد تلميع نفسه يخصّص من موازنة وزارته بنداً إعلامياً يصرف على «المطبّلين والمزمّرين» من أصحاب الحسابات، وكل وزير شيخ يريد البهرجة أو الطعن بوزير شيخ آخر يفعل الأمر نفسه فتنتشر أخبار موجّهة في حسابات وهمية تديرها مجموعة معينة تتقاضى أتعابها من موازنة الوزارات وليس من جيوب الشيوخ... وبما أنك يا شيخ محمد وزير للإعلام بالوكالة فأنت أفضل من يجيب عن سؤال يتعلق بعدم تطبيق قانون الإعلام الإلكتروني كما يجب حتى الآن، ومعاذ الله أن يكون السبب الخوف من انكشاف استخدام شيوخ، وشيوخ وزراء، ووزراء، المال العام في صراعاتهم أو تلميعاتهم. صدقت يا شيخ سواء في انعدام الثقة بالحكومة أو في أهمية وسائل التواصل لكم... كحكومة. ومع ذلك صديقك من صدقك لا من صدّقك. «الراي»

مشاركة :