تحدثت في مقالتي السابقة عن ضرورة وضع أهداف للرعاية الصحية تعتمد على الإحصاء الحيوي وليس على الموارد الصحية. أما لماذا لا نستطيع أن نتخذ الموارد الصحية مثـل عدد المستشفيات، والأسرة، والأطباء، وميزانية الصحة مؤشرات حقيقية للمستوى الصحي في المجتمع، أو قاعدة سليمة للتخطيط الصحي فيه فلعدة أسباب يأتي على رأسها سوء التخطيط أو قصور الإدارة. فقد تحظى منطقة ما بنصيب الأسد من هذه الموارد وتحرم منها أو تكاد مناطق أخرى. أو قد تشغل أسرة المستشفيات بمرضى لا يحتاجون إلى التنويم، أو قد يقوم الأطباء بعمل الفنيين الصحيين لعدم التوازن بين أعداد الفئتين بما يصاحب ذلك من هدر للإمكانات. أو قد تنشأ في منطقة ما مستشفيات في حين أن الحاجة الحقيقية لمراكز الرعاية الصحية الأولية، أو قد تنفق أموال طائلة على شراء أجهـزة طبية متطورة في حين أنه لو أنفق نصف هذه الأموال على إصحاح البيئة أو التثقيف الصحي لكان ذلك أجدى. التجارب الدولية في هذا المضمار كثيرة نستطيع أن نتعلم منها. من بين عشرات الإحصاءات والجداول التي تنشرها سنويا منظمة الصحة العالمية عن الوضع الصحي والخدمات الصحية في 190 دولة من دول العالم اخترت أربعة معايير للصحة لنتعرف على دلالاتها هي: معدل الأطباء إلى السكان، ومعدل أسرة المستشفيات إلى السكان، ومقدار ما يصرف على صحة الفرد في السنة، ومعدل وفيات الأطفال الرضع. المعايير الثلاثة الأولى بالرغم من أهميتها إلا أنها تعبر عن الوسائل، في حين أن المعيار الأخير (وفيات الأطفال الرضع) يؤخذ معيارا للأهداف وله أهمية خاصة. فالأطفال في السنة الأولى من حياتهم تتأثر صحتهم بعوامل عديدة منها بيئة البيت، وبيئة المجتمع، واقتصاديات الأسرة، وتعليم الأم، وغير ذلك من العوامل الاجتماعية والاقتصادية، أضف إلى ذلك عوامل الوراثة. ومن هنا فإن هذا المعيار يعد من أفضل المعايير لقياس مستوى الصحة في أي مجتمع. كلما انخفضت وفيات الأطفال الرضع كلما دل ذلك على ارتفاع مستوى الصحة في المجتمع. شريطة أن يقاس هذا المعدل بمقياس علمي دقيق .. وللحديث بقية.
مشاركة :