في المنيا، عيّنت الحكومة المصرية الإمام محمود جمعة، رجل الدين المسلم، لحفظ السلام بين المسيحيين والمسلمين في هذا الركن من صعيد مصر. وأصر في مقابلة له على أن "كل شيء بخير"، مستشهداً بمشاركة المسيحيين في مبادرته الرسمية الداعية للسلام. ولكن بعد ذلك بساعات قليلة فقط عرض الأسقف المحلي مكاريوس وجهة نظر مختلفة تماماً، وقال: "ليس لي علاقة بمحمود جمعة". مرة أخرى، يشعر المسيحيون في مصر بأنهم تحت الحصار، على الأقل في المنيا، وهي مدينة تقع على ضفاف النيل، وحوالي 40% من سكانها هم من المسيحيين. ومرة أخرى، ينقسم القادة المسيحيون حول طريقة الرد، وفق تقرير نشرته صحيفة الأميركية. في أعلى مستويات الكنيسة القبطية الأرثوذكسية توجد محاولات لعدم إحداث مشاكل والعمل مع الحكومة لمنح الانطباع بالوحدة والهدوء. بعد الحديث عن سلسلة من الهجمات على الأقباط هذا الصيف، طلب البابا تواضروس الثاني من أتباعه في الولايات المتحدة عدم الاشتراك في المظاهرات المخطط لها خارج البيت الأبيض التي تهدف إلى لفت الانتباه الدولي إلى العنف الذي يستهدف المسيحيين، قائلاً: "من فضلكم، لأجل المسيح، تجنبوا ذلك". "حادث المنيا" ولكن في المنيا حيث يشتعل العنف عادة ضد المسيحيين، لا توافق القيادات القبطية المحلية على هذا. قال الأسقف مكاريوس: "نحن في مرحلة الانهيار. والناس لا تستطيع أن تتحمل أكثر من ذلك". وبحسب الصحيفة الأميركية فإن المجتمع المسيحي في مصر، وتُقدر نسبته بنحو 10% من إجمالي السكان، كان دائماً في علاقة تكافلية مع الدولة. وقدمت له الحكومة الأمان في بيئة معادية على نحو متزايد، كما ساعدت القيادة المسيحية على تقديم صورة من التسامح والحرية الدينية للغرب. توتر هذا الاتفاق بشدة في السنوات الأخيرة من رئاسة حسني مبارك، وبدا أنه يوشك على الانتهاء بعدما تمت الإطاحة به من السلطة وانتُخب رئيس إسلامي هو محمد مرسي. وازدادت الهجمات التي يقوم بها المسلمون على الكنائس. لذلك عندما أطاح عبدالفتاح السيسي، الجنرال الذي صار رئيساً، بمحمد مرسي في عام 2013، كانت الكنيسة القبطية من أشد مؤيديه. وعندما حضر السيسي احتفالات عيد الميلاد القبطي في يناير/كانون الثاني عام 2015، كان هناك حماس شديد له باعتباره أول رئيس مصري يفعل ذلك. وترى "نيويورك تايمز" أن حدود هذا الدعم أصبحت واضحة في المنيا، حيث يواصل المسيحيون المعاناة من العنف والإذلال، وحيث حُرقت المنازل وهوجم الأقباط في الشوارع ورُسم غرافيتي يُحرض على الكراهية على جدران بعض الكنائس. وعدّ المسؤولون الأقباط 37 هجوماً في السنوات الثلاث الماضية ليس من بينها ما يقرب من 300 هجوم آخر عقب الإطاحة بمرسي وجماعة الإخوان المسلمين في عام 2013. جاءت نقطة التحول للمسيحيين في مصر بحسب "نيويورك تايمز" في مايو/ أيار الماضي عندما جرّد بعض الأشخاص امرأة مسيحية من ملابسها، وذكرت التقارير أن الدافع وراء هذا هو أن ابن هذه المرأة كان على علاقة مع مسلمة. يقول مكاريوس: "بعد أن جُردت المرأة من ملابسها لم يعُد بإمكاننا السكوت. ليس بعد هذا الأمر"، وأضاف أن ما سبب غضب الأقباط فعلاً هو "أن المسؤولين أنكروا وقوع هذه الحادثة. لو اعتذروا أو قالوا إنهم سيتولون الأمر لكان الوضع مختلفاً، ولكن هذه إساءة لمصر ولنسائها". يقول الأسقف إن المسلمة لم تكن على علاقة بابن هذه المرأة قط، وكانت كذلك قد رفعت قضية تشهير على زوجها لإطلاقه هذه الإشاعة. "توترات" أدى هذا العنف إلى توترات داخل وخارج الكنيسة القبطية. وأمام الجميع، اتخذ البابا تواضروس الثاني نهجاً يعتبره الكثير من أتباعه متردداً. وفى المنيا، قرر الأسقف مكاريوس أن يتحدث، واتهم الإمام جمعة، المسؤول الحكومي، بالمبالغة في رد الفعل، وقال إن الهجمات العنيفة مجرد خلافات صغيرة وقعت بين المسلمين والمسيحيين. قال جمعة: "لم يُقتل أو يُجرح أحد، ولم يكن هنام صراع. المشكلة فعلاً هي في الصحفيين الذين يكتبون عن هذا الموضوع"، بحسب الصحيفة الأميركية. في الواقع قال الأسقف إنه كان هناك قتلى. في يوليو/تموز الماضي في قرية تونا الجبل بالمنيا، طُعن مسيحي حتى الموت على يد بعض الأشخاص. وقبل ذلك بشهر، في سيناء، قُتل قس مسيحي علي يد متطرفي الدولة الإسلامية، ما يجعله الضحية التاسعة للدولة الإسلامية بين الأقباط في شمال سيناء. وبينما اعتُقل شخص في حادثة الطعن، يقول الأسقف إنه إذا تكرر هذا النمط بعد الهجمات الأخرى على المسيحيين، سيُطلق سراح الفاعل. وزعم "في مثل هذه الهجمات، يُطلق سراحهم جميعاً، ولا يُعاقب أي واحد منهم، وهذا يُزعج المسيحيين فعلاً. وطالما لا يُعاقب أحد، ستزداد الأمور سوءاً". يرى الأسقف مكاريوس منظمات مثل بيت العائلة جزءاً كبيراً من المشكلة. فبينما أُسست لتسوية الخلافات الطائفية، اتجهت هذه المنظمة لتفادي الملاحقات الجنائية، وتلجأ إلى المفاوضات القبلية التي تشعر الكنيسة بأنها تنتهي بترويع الأقليات المسيحية لقبول تسويات غير قضائية مع جيرانهم الأكبر عدداً، بدلاً من أن تتدخل الحكومة لاتخاذ خطوة لبدء محاكمة قانونية. "المسحيون يشعرون بالقلق" يشعر المسيحيون كذلك بالقلق من أنهم لم يتمكنوا من الحصول على إذن لفتح كنائس جديدة، وهو الأمر الذي يُقابل بالرفض من قبل الشرطة دائماً لأسباب أمنية. وفي أسقفية المنيا وحدها، والتي يوجد بها 100 كنيسة، توجد 150 قرية ليس بها كنائس، ولكن فتحت فيها بعض الكنائس الجديدة. في الإسماعيلية على سبيل المثال، بنى الأقباط كنيستين جديدتين في السنوات الأخيرة، ولكن لم يبدأ استخدامهما بعد، ورفض الطلب لأسباب أمنية. بدلاً من ذلك، حصلوا على إذن للصلاة في خيمة خارج إحدى الكنائس، ولكن تلك الخيمة أُحرقت مؤخراً. قال المسيحيون في القرية في إحدى الحوارات إن الشابين اللذين اتُهما بإطلاق النار على الخيمة أُطلق سراحهما على الفور، واستُقبلا استقبال الأبطال عندما عادا، كما تقول "نيويورك تايمز". يقول ابراهيم سمير أحد المسؤولين بالكنيسة: "تقول الشرطة إنه لا يمكن فتح الكنائس لاعتبارات أمنية؟ إنه واجبهم أن يقوموا بحمايتي وأن يسمحوا لي بأخذ حقوقي". قال الإمام جمعة إن العديد من الكنائس كان يجري بناؤها، ولكن بناء عدد كبير جداً قد يُشعل العداوات. وأضاف: "إذا لم يكن لديهم كنيسة في قريتهم، لم لا يذهبون إلى قرية أخرى ويُصلون هناك؟". منذ 3 سنوات كان الوضع أسوأ من هذا بكثير، بعد أن استخدم الجيش العنف لإخماد مظاهرات الإخوان المسلمين التي عارضت استيلائه على السلطة، ما أدى إلى قتل المئات وربما الآلاف من المتظاهرين. ورد المتطرفون الإسلاميون على ذلك بإحراق ما يقدر بنحو 76 كنيسة في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك 4 كنائس في هذه المدينة. لا يُنكر جمعة أن هذه كانت أوقاتاً سيئة، ولكنه يقول إن الأمور قد تحسنت الآن، حيث يقول: "كل شيء بخير. وسائل الإعلام فقط هي من تُصور أننا نواجه مشكلة. لقد كنا دائماً نعيش معاً. لا توجد صراعات. وجميع تلك الحوادث كانت فردية ومعزولة". - هذا الموضوع مترجم عن صحيفة New York Times الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط .
مشاركة :