في ظل ما يأمله المجتمع من تحولات كبرى ستمر بها المملكة في ظل رؤية 2030. وتعليق آمال عريضة على المثقفين، إلا أن بعض النخب المثقفة يصدم المجتمع بحدة الطرح. أو بذاتيته المفرطة في التناول. ما يسهم في استفزاز أطراف أخرى. وحرصا منا على تحرير القضية طرحناه على النخبة المحايدة لتضعنا في الصورة. وتعرفنا أسباب الخلاف بين المثقفين وتحول الحوار بينهم إلى صراع جارح. ويبدي أستاذ علم الإنسان الدكتور سعيد فالح الغامدي أسفه الشديد أن تنتهج النخبة المثقفة منحى الذاتية في طرح الأفكار والقناعات، وعزا إلى الغيرة الثقافية، وإلى تصفية الحسابات الخاصة أسباب هذه الحدة في التناول والعراك على قضايا شكلية وليست جوهرية غالبا. مشيراً إلى أن النزق الثقافي مذمة ومنقصة في المثقفين. خصوصا أن المجتمع ينظر إليهم على أنهم الصفوة. وخيرة المجتمع. ودعا إلى الطرح الموضوعي. والانتصار للفكرة الحرة بعيداً عن أي تشفٍ أو انتقامٍ أو انتصار للذات على حساب الموضوع. مؤملاً ألا يقع المثقف في ما حذر منه النبي عليه السلام وجعله من آيات النفاق «إذا خاصم فجر». وأضاف أنه من الطبيعي حين تكون النخبة بهذا المستوى الشقاقي في الطرح أن تتعطل التنمية الثقافية في بلادنا. المفكر هاشم صالح قال لم تصل أوروبا إلى العالم إلا بعد أن صفت حساباتها مع نفسها، وانتصرت على ذاتها، فانتصرت ثقافيا وتنويريا على العالم كله. وأضاف هذا يعني أن المعركة مع الذات أخطر من المعركة مع الآخر. وهذا ما لم تفهمه الآيديولوجيا العربية العمياء حتى اللحظة. هذا ما قاله الشاعر الفرنسي رامبو بعد أن خاض معركة داخلية ضارية مع نفسه كادت تودي به. ولكنه خرج منها منتصرا بعد أن تمخضت عن ديوانه الشهير «فصل في الجحيم». وهذا يعني أن الانتصار على الذات هو أعظم أنواع الانتصار. ومن لا ينتصر على ذاته، على نواقصه وعقده الداخلية وتراكماته، لا يستطيع أن ينتصر على أي شيء. وأقصد بالانتصار على الذات هنا التغلب على كل ما يمنع أو يلغي حفظ أدبيات المواطنة الحقة والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع فئات الشعب. ويرى الأنثروبولوجي الدكتور سعد الصويان أن بناء الثقة مطلب أساس كونه يولد الاحترام المتبادل الذي يساعد على تحكيم العقل وتغليب المصلحة. لافتاً إلى أن الحاجة ماسة إلى إعداد خطة ثقافية وطنية لخدمة الثقافة في جانبيها الإبداعي والجماهيري. وعزا إلى الإجراءات القانونية توفير الجانب الوقائي الذي يحفظ مكانة الثقافة والمثقفين ويمنع ويحد من الاعتداء أو التجاوز. مشيراً إلى أن البعض يتوارث السلوك القمعي مع المخالف ما يجعل الآخر يظن أن التسلط سمة وطبيعة متأصلة في ثقافتنا وحضارتنا. وأضاف أنه كلما ارتقى الإنسان درجات على سلم التطور الحضاري وسار خطوات في طريق التقدم المعرفي زادت ثقافته تشعبا وتعقيدا. فيما يرى الكاتب صالح سالم أن الثقافة من طبيعتها أن تتصارع مع ذاتها. ويؤكد أن منشأ صراع الثقافة ينطلق من أذهان المثقفين ورؤيتهم وتوجههم. مشيراً إلى التباين الكبير بين المثقف العضوي المنتمي. وبين المثقف التنويري، والمثقف الشبكي الذي ينطلق من مواقع التواصل بحرية ليعبر عن أفكاره ووجهات نظره بروح تحمل الخلاص له بالتنفيس عن ما يحتقن بداخله. الباحث عبدالله المطيري قال من الضروري الحديث عن طبيعة تفكير الإنسان حين يشعر بالغيرة. كون مشاعر الغيرة تعطي طاقة مهمة للتفكير في القضية التي أثارتها الغيرة، باعتبار أنها تجعل هذه القضية موضوع التفكير والاهتمام ولكنها في ذات الوقت تمدها بطاقة غير متوازنة ومدفوعة برغبات ذاتية تطغى على حضور الأطراف الباقية في العلاقة.
مشاركة :