تضرب الغيرة في جدار العلاقات الزوجية، وتحدث تصدعات كبيرة فيه، وعلى الرغم من أن البعض يرى أن الغيرة العاطفية بين الزوجين كالملح، تضفي كثيرا من اللذة على حياتهما، إلا أنها حين تزيد تتحول إلى وبال، وتفسد العلاقة بينها. «عكاظ» تناولت موضوع الغيرة مع عدد من المواطنين والاختصاصيين الذين رأوا أن الإقبال الكثيف على وسائل التواصل الاجتماعي أجج الغيرة بين الأزواج، وتسبب في صراعات نفسية متعددة، مطالبين المرأة بضبط أعصابها في حال اكتشفت خيانه زوجها لها، والتعامل مع الموقف بحكمة. وأشاروا إلى أن إهمال الزوجة واجباتها قد تدفع الزوج إلى امرأة آخرى، موضحين أن الرجل قد يلجأ إلى علاقات نسائية لمعالجة نقص يعاني منه. وتروي سحر أسباب شكوكها في تصرفات زوجها التي وصفتها بالمراهقة المتأخرة، على رجل بقدره وعمره الملامس للخمسين، قائلة « أعاني أنا وأبنائي من سوء مزاجيته وعصبيته الزائدة عن حدها، فبالكاد يجلس معنا أو يهتم لأمرنا، فكل حياته محصورة في غرفة عزل نفسها بها؛ بحجة أننا لا نطاق ولا يمكنه احتمال ضجيجنا، أثار فضولي سلوكه الوديع عندما يعتزلنا ويمضي ساعات طويلة خلف محمولة الصغير، والغريب أنه لم يترك أي جهاز يصله بالإنترنت لم يقتنه، حتى يظل على تواصل مستمر مع هذا العالم المولع به، مشيرة إلى أنه خطر ببالها فكرة أيدتها عليها بعض صديقاتها بالتجسس عليه، ومعرفة ما الذي يشغله عنهم، خاصة أنها تعلم ما يدور في هذه التقنية من عجائب وغرائب، عندها قررت «القبض عليه بالجرم المشهود» ومررت بريده الإلكتروني المدون في بطاقة أعماله إلى صديقتها التي تعرفت عليه عبر أحد مواقع التواصل الاجتماعي، وكونت معه علاقة وصلت لحد تحويل مبالغ ماليه إليها من حسابه البنكي، حتى يضمن تواصلها واستمرار علاقتها به. قالت سحر « لم أصدق أن الذي يتصل على جوال صديقتي بين الساعة والأخرى ويراسلها بعبارات الغرام والوله هو زوجي، أسمعتني عذب حديثه الذي افتقدته بعد ولادة ابننا البكر منذ(25)عاما، ولم يخجل أو ينكر عندما واجهته بفعلته، بل قال إن عمره اندثر معي وهذه التقنية هي عزاؤه ، وليس من حقي التجسس عليه، وأفلح بقلب الخطأ علي ووصمي بإثم التجسس وعار أفعاله. ولم تقل مأساة عبير عن سابقتها حينما تأكدت من ظنونها وواجهت زوجها بعلاقاته المتعددة مع النساء عبر الإنترنت لتتفاجأ برده بأنها امرأة تعيش في سراديب الماضي الذي يؤثم ويجرم علاقات غير الأقارب ويصمونها بعدم البراءة والشبهة، مبرهنا أفعاله بأن علاقته بالنساء في مواقع التواصل الاجتماعي لا تخرج عن فضاء الإنترنت وشاشة الجوال، حيث يلتقون لمناقشة أفكارهم وهمومهم في مجاميع أو في أحاديث منفردة، لا للشبهة علاقة بها. في حين لم يترك حسن سبيلا لتتبع زوجته التي تقضي وقتا طويلا على الحاسوب بسبب عملها، فكيف يقتنع أنها لا تمارس غير واجباتها العملية، وهو لم يتخلص من هواجس الشك وفقد الثقة بنفسه والآخرين، فأجبرها على ترك صفحاتها متاحة له حتى يتمكن من مراقبتها وتعقب مشاركتها بمواقع التواصل الاجتماعي، بل وصل به الحال إلى حظر أي شخص يشك بأنه رجل من قائمة أصدقائها. تقول أم هاشم: دام زواجنا أكثر من عشر سنوات وفي يوم كنت بصحبة زوجي في سيارته فنزل لشراء بعض لوازمنا من المتجر ففتحت درج السيارة ووجدت المفاجأة التي أدهشتني وأخرستني عثرت على عدد من الرسائل التي تحمل عبارات رومانسية من عدد من البنات كما تحتوي على رسومات مناسبة للمراهقين من قلوب وورود وغيرها وتفوح منها رائحة العطور، أعدتها لمكانها ومن تلك اللحظة بدأت أراقبه فتبين لي أنه فعلا يخونني ولكنني كنت غافلة عن ذلك، كم تمنيت أنني لم أطلع على هذه الأشياء ولكن هذا ما حصل وأكون كالمغفلة، نصحتني إحدى صديقاتي بالتغاضي عن ذلك، ولكنه تمادى في علاقاته حتى أصبح في اليوم تأتيه مابين 12 ــ 15 رسالة جوال و إحساسي يقول إنها رسائل غرامية، وواجهته بالحقيقة فأنكر ذلك وغضب مني لأنني ظننت فيه ظن السوء، حتى أنه امتنع عن مخاطبتي أو التحدث معي لمدة أسبوع تقريبا، ومع ذلك اعتذرت منه.. كل هذا خوفا على أطفالي من الشتات . من جهتها روت أم جميل موقفا اشتعل في نفسها كثيرا من الغيرة والغضب من زوجها، حين رن جهازه الجوال في آخر الليل وهو نائم وحين فتشته صدمت بمحادثة عبر الواتس آب، لافتة إلى أن تلك الفتاة أرسلت له صورتها. وقالت: ما آلمني أن زوجي أخبرها أنه أعزب، حينها لم أنتظره حتى يفيق من نومه أخذت أغراضي وذهبت إلى بيت أهلي وبعدها جاء إلى وصالحني، ولكن مازالت صورة تلك الفتاة وتلك المحادثة عالقة في ذهني، وبين فترة وأخرى نتجادل على هذا الموضوع وأقحم تلك القصة. بدورها، أوضحت التربوية نوال شوعي أن الغيرة بأنها شعور إنساني طبيعي، تدفع الفرد إلى مقارنة نفسه مع الآخرين. فالقليل منها يفيد الإنسان، ويشكل له دافعية نحو العمل والإنجاز الأفضل إلا أن كثيرها يفسد الحياة، ويؤدي إلى أضرار بالغة كالعدوان والمكيدة والرغبة في إفشال جهود الآخرين، مبينة أن الغيرة هي انفعال مركب، يجمع بين حب التملك والشعور بالغضب نحو الآخرين الذين تمكنوا من تحقيق أهدافهم التي لم يستطع الشخص الغيور تحقيقها، مما ينجم عنها أحيانا التشهير بالآخرين أو مضايقتهم أو تخريب أعمالهم وإنجازاتهم، وقد تصاحبها مظاهر اللامبالاة، أو شدة الحساسية أو الإحساس بالعجز، أو فقدان الدافعية للعمل أو النظرة القاتمة للحياة. فالغيرة تسبب صراعات نفسية متعددة وخطرا على التوافق الشخصي والاجتماعي، ويصاحبها القلق والتوتر من صاحبها أثناء تفاعله مع الأشخاص الذين توجه الغيرة نحوهم. واعتبرت الغيرة العاطفية بين الزوجين انعكاسا لحب كل طرف نحو الآخر، والرغبة في امتلاكه، وعدم مقاسمة حبه مع الآخرين، وهذا النوع من الغيرة هو ملح الحياة الزوجية، إلا أن الكثير منها يفسدها ويقود إلى تسرب الشك، وعدم الثقة بالآخر، الأمر الذي يهدد استقرار الحياة الزوجية. ومن جانبها، ترى مديرة مركز استشارة للتطوير الذاتي والاستشارية النفسية الدكتورة فوزية أشماخ أن على المرأة عندما تلاحظ بعض العلامات أو الدلائل على خيانة الزوج أن تتماسك وتضبط أعصابها حتى تتأكد من ذلك فعلا، وأن تعمل خطة محكمة بينها وبين نفسها بالكيفية التي تواجه بها زوجها بفعلته وخيانته دون الدخول معه في صراعات تزيد المشكلة تعقيدا، وتتبع أسلوبا مناسبا، حيث تختار الجهة التي يتأثر منها الزوج كأن تذكره بأطفاله وأنه بهذه العلاقة يدمر علاقته بزوجته فتتأثر نفسية الأطفال وتختل تربيتهم، أو إن كان يتأثر بالدعوة والنصائح الدينية تذكره بالله وبحرمة ما يفعله، أو إن كان من النوع الذي يخاف من الأمراض تحسسه أن علاقته بها ربما يقع في الحرام الجالب للأمراض ( ولا بأس أن تلجأ لمن تثق فيها من صديقاتها أو أخواتها تأمن كتمانها للأمر كنوع من التنفيس، وتخفيف الضغط المصاحب لذلك . مشيرة إلى أن ميل الزوج للمرأة الأخرى ربما يكون بسبب إهمال الزوجة في كثير من واجباتها تجاه الزوج، على الرغم من أن ذلك لا يعطي الزوج الحق في بناء علاقة في الظلام أو صداقة مع امرأة أخرى بغير شرع الله، ولكن هذه هي الأسباب التي تدعوه لذلك مثل: إهمال الزوجة في بيتها أو نفسها أو أطفالها وعدم تهيئ الجو المناسب للزوج أو امتناعها عنه في الفراش أو مساومتها على ذلك بأن تحرمه من حقه الشرعي لو لم يلب لها أي طلب من طلباتها الخاصة أو لا تراعي مشاعره في علاقتها مع أهله وأسرته بالدخول في مشاكل معهم تجعله يبحث عن علاقة أخرى رومانسية يعيش فيها بعيدا عن قلق الزوجة. وأكدت أشماخ أن القنوات الفضائية غيرت من أفكار كثير من الأزواج، بحيث يظن أن السعادة في المسلسلات أو الأفلام هي بسبب ذلك النموذج النسائي والذي يجده مغاير عن زوجته فيظل يبحث عنه فيقع في الخيانة، مبينة أن الغيرة المرضية والشك غير المبرر من الزوجة تجاه الزوج من أسباب انعدام الاستقرار النفسي للزوج، وكذلك عدم ثقة الزوجة في الزوج بأن لا تعتمد عليه في إدارة أمورها الخاصة أو العائلية ولا تشعره برجولته وقوامته عليها وهو بذلك يضعف أمام أي سيدة تشعره برجولته وتوليه الثقة فيقع في هذا المنزلق وهو الخيانة ظنا منه أن معها سيجد راحة البال والاستقرار العاطفي . وأوصت أشماخ الزوجة بالحوار مع الزوج بهدوء على أن تختار الوقت المناسب والمكان المناسب وتصارحه بأحاسيسها ودلائلها وتحاول أن تجذبه مرة أخرى لها مخلفة كل سلوك أو تصرف تأذت منه وراءها حتى تضمن عودة زوجها ولا يتم ذلك أيضا إلا بالدعاء له بالهداية واتباع طريق الحق، وأن تنظر إلى المجال الذي هي مقصرة فيه وتكمله من أجل عودة الزوج لها والفوز الدائم بقلبه، بحيث لا تكون هناك مساحة لغيرها. ونبهت أشماخ إلى أن الخيانة ليست دائما بسبب الزوجة، بل أحيانا كثيرة يكون الزوج لا يشعر برجولته وجاذبيته إلا بكثرة العلاقات النسائية وهذا بسبب إحساسه بالنقص الذي لا يكمل إلا بعلاقاته أو خياناته، أو شخصية مريضة باضطرابات عصبية أو نفسية غير متفهم لزوجته فيتجه إلى امرأة أخرى يبحث عندها عن الاستقرار. ونصحت الأزواج بالتورع عن الخيانة الزوجية، وتوجيه الزوجة للنقص الذي وقعت فيه، وإصلاح الحال والإرشاد لها بإخلاص وهذا أفضل له من الخيانة التي ربما تودي به إلى واد سحيق من الانحراف والضياع. وبالتالي تنهار ركائز أسرة بسبب البحث عن الأوهام .
مشاركة :