بين صفوى وحائل.. وتبقى المواطنة أقوى من الطائفية

  • 9/8/2016
  • 00:00
  • 39
  • 0
  • 0
news-picture

لا المسافة، ولا السنوات البعيدة استطاعتْ أن تمحو ذاكرة الأربعين عاما، التي أمضاها الحائلي «أبو رشيد» فريح رشيد الشرطان مديرا لابتدائية علي بن أبي طالب في مدينة صفوى بالمنطقة الشرقية، فقد ظل الرجل يحتفظ لهذه المدينة وأهلها بأجمل وأنبل الذكريات، في المقابل، وبدافع الوفاء لم يوفر ابن صفوى، وتلميذ تلك الابتدائية «علوي الهاشم» الذي وجد نفسه موفداً في مهمة رسمية إلى جامعة حائل لمدة ثلاثة أيام، لم يوفر فرصة وجوده القصير هناك ليبحث عن أستاذه ومدير مدرسته أبو رشيد عرفانا منه بفضله وأستاذيته. اجتهد الرجل ـ وفق رواية ابنته إسراء الهاشم ـ في البحث عن المدير «أبو رشيد» إلى أن اهتدى إليه في منزله، حيث فُتحتْ عندئذ كل حقائب الذكريات، وفاح منها طيب العشرة الكريمة، وقصص العرفان والوفاء المتبادل بين المدير الذي تقاعد وعاد إلى مسقط رأسه، لكنه لم يُغادر ذكريات (40) عاما عاشها بين أبناء صفوى محاطاً بالحب والود والاحترام، والتلميذ الوفي الذي لم تمح السنوات الطويلة من رأسه ذكرى مدير مدرسته، فما أن وصل إلى حائل حتى استدعته ذكرى ذلك الأستاذ الفاضل بقوة ليقرر البحث عنه والوصول إليه، فقط ليطبع على جبينه قبلة عرفان، وليقدّم الرجلان معاً وفي مشهد حميمي الإجابة الناصعة بدموع الحب الأكيد عن كيفية نسج العلاقات النقية بين مفردات هذا الوطن مشدودةً بكل أواصر الأخوّة بعيدا عن الطائفية وأوضارها، قبل أن يعبث البعض بهذه المشاعر في الآونة الأخيرة في لعبة السياسات القذرة، لتمزيق لحمة الأمة، والعزف على أوتار المذهبية فيما بين السنة والشيعة، في تجاهل لكل ذلك التاريخ المؤزر بالود والأخوّة المتبادلة. وطالما أن حائل قد جاءتْ في سياق هذه القصة، التي تعكس روح العلاقة بين المواطنين بصرف النظر عن طوائفهم، وللتأكيد على أن ما يحدث الآن من محاولات غير مسؤولة لإذكاء نار الطائفية هو الاستثناء، فإن التاريخ يشهد لهذه المدينة أنها قد استقبلتْ منذ زمن بعيد مَنْ كان يُطلق عليهم (المشاهدة) من أهالي النجف، الذين عاشوا فيها مع أبنائها كالإخوة، وأقاموا هناك واحداً من أشهر أسواقها، فيما لا تزال قبور موتاهم إلى جانب اخوانهم من مواطني المدينة في مقبرة (مغيضة) في مدينة حائل شاهدا على طول إقامتهم هناك، ولعل من أبرز الأسماء التي عاشتْ لفترة من الزمن في حائل الأستاذ محمد سعيد الحبوبي أستاذ شاعر الفراتين محمد مهدي الجواهري، كما أكّد لي ذلك أستاذي «أبو عبدالعزيز» فهد العلي العريفي تغمده الله بواسع رحمته. وإذا ما كان الأستاذ علوي الهاشم، والأستاذ فريح الشرطان قد قدّما بهذه الواقعة الأنموذج الطبيعي لسمو العلاقات بين المواطنين بعيدا عن كل عوامل الفرقة، فإن النبش بالاختلافات المذهبية اليوم ليس هو باب الشرور الوحيد، بل إنّ العبث بالبحث في التفاصيل بين الفِرقْ في المذهب الواحد قد يكون بابا آخر للتفتيت، وتفريق الصف، وتمكين العدو، وها هي مخرجات مؤتمر جروزني ماثلة أمامنا بأسوأ النذر، فهل نعي كمواطنين ما يُحاك ضدنا بهذا التأجيج المفضوح، الذي يريد أن يقسم الناس على مذاهبهم، وعلى تفاصيل تفاصيل مذاهبهم؟.

مشاركة :