تحقيق: محمد إبراهيم لا شك أن ثنائية اللغة في التعليم، باتت أحد المرتكزات التي تعول عليها النظم التعليمية عالمياً، في بناء قدرات أجيالها اللغوية، إذ تمنح المتعلم مرونة في التفكير، وفاعلية في التعامل مع مفاهيم اللغة، والارتقاء بمهاراته الإبداعية والابتكارية، فضلاً عن مهارات الاتصال والتواصل مع العالم الآخر والاطلاع على ثقافات الشعوب الأخرى المتنوعة، ما ينعكس إيجابياً على المستويين الثقافي والعلمي للمتعلمين. في وقت أثبتت الأبحاث والتجارب العلمية، أن تعليم الأبناء لغة أجنبية، منذ الصغر في سن 4 - 5 سنوات، يفيد الطفل في القراءة والكتابة بلغته الأولى، فضلاً عن أن هذا الاتجاه يعود على المجتمع وأفراده بفوائد متعدده، تشمل جوانب تربوية وثقافية وشخصية واقتصادية. ونظراً لأهمية هذا التوجه، وضرورة إيجاد قنوات متنوعة لتبادل الثقافات والعلوم بين شعوب العالم في ساحات العلم، حرصت المدرسة الإماراتية، من خلال خطة تطوير التعليم الشاملة، التي اعتمدها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رعاه الله أخيراً، على مواكبة التطورات العالمية في هذا الجانب، وجعل التعليم ثنائي اللغة في المرحلة المقبلة، تدريجياً، في مادتي اللغة العربية والإنجليزية، لتمكين الطلبة من توظيف اللغة وفنونها ومهاراتها في التحليل العلمي، وحل المشكلات والتفكير الناقد، الذي يؤدي إلى تعزيز مهارات الاتصال والتواصل اجتماعياً وأكاديمياً. يرى الخبراء والتربويون، أن تعلم لغة إلى جانب اللغة الأولى الأم، بات إحدى ضرورات العصر، ما جعل أنظار التربويين وأولياء الأمور، تتجه إلى تعليم الأبناء لغات مختلفة، لاسيما الأطفال في سن مبكر لسهولة تشكيلهم ومرونة اكتسابهم للمعلومات، فضلاً عن أن السياسات التربوية في بلدان مختلفة حول العالم، أولت تعليم اللغات ضمن برامجها التعليمية، اهتماماً متزايداً في مراحل عمرية مختلفة، كما هو الحال في دول الاتحاد الأوروبي التي تدريس لغتين أجنبيتين، إلى جانب اللغة الأم منذ مراحل عمرية مبكرة. وأمام التطور المتسارع في وسائل الاتصال والتكنولوجيا، وتلاشي الحدود بين المجتمعات والثقافات، اختار الآباء تعليم أبنائهم منذ الصغر أكثر من لغة، إعداداً للمستقبل، الذي ربما لن يكون فيه مكان لمن يتحدثون لغة واحدة (الأم)، مع السعي الحثيث للاحتفاظ بالهوية الوطنية وتعزيز اللغة الأم، فضلاً عن ضرورة تنوع مصادر المعرفة. وفي حلقة جديدة من سلسلة تطوير التعليم تحت مجهر الخليج، نناقش ماهية وأهمية التعليم ثنائي اللغة، وأثره في المخرجات، وإلى أي مدى يقلص الحدود بين المجتمعات والثقافات المختلفة، وكيف يفيد الطلبة في تعزيز مفاهيم القراءة والكتابة بلغتهم الأولى الأم، ومدى قدرة المنتج التعليمي للمدرسة الإماراتية على الاستفادة من هذا النوع من التعليم. يقلص الحدود في مطلع حديثه أكد الدكتور سعيد الكعبي رئيس مجلس الشارقة التعليمي رئيس جمعية المعلمين، أهمية مسار التعليم ثنائي اللغة، الذي يقلص الحدود بين المجتمعات والثقافات، ويرتقي بمهارات متنوعة لدى الطالب، فمن الناحية التربوية، تعلم لغة أجنبية للأبناء منذ الصغر، يفيد الطفل في القراءة والكتابة بلغته الأولى، ويسهم على نحو فعال في تطور ذكائه وفهمه، ويطور نتائجه الدراسية على نحو ملموس. وقال إن هناك ارتباطاً وثيقاً بين ثنائية اللغة والقدرات اللغوية والمكانية للطفل، إذ إنها تعطي الطفل مرونة في التفكير وحساسية أكبر للغة وقدرة أفضل على الاستماع، مضيفاً أن اللغة الجديدة، تفتح للفرد أبواب ثقافات وحضارات لم يعرف عنها من قبل، وتعد وسيلة تسمح للفرد الوصول إلى الثقافات الأخرى، وبالتالي تأخذ الحياة بعداً جديداً، فالشعوب تعرف عن نفسها وثقافاتها عن طريق اللغة. توظيف اللغة وأضاف الكعبي أن توجه المدرسة الإماراتية إلى التعليم ثنائي اللغة، يهدف إلى الوصول إلى مخرجات تستطيع توظيف اللغة في التحليل والنقد وحل المشكلات، فضلاً عن الاستفادة منها مستقبلاً في المجتمع، للاتصال والتشاور مع مجتمعات أخرى، لتحقيق تفاهم اقتصادي أو سياسي يعود على الفرد والمجتمع بأوجه عديدة من النفع، ما يسهم في رفع مكانة المجتمع الإماراتي بين دول العالم. وأوضح أن ثنائية اللغة في التعليم ترتقي بقدرة الطالب على الاتصال والتواصل مع الطلبة في المجتمعات الأخرى، فضلاً عن أنها تفتح له أبواباً مختلفة من فرص الدراسة والعمل في دول مختلفة، في وقت أصبح العالم قرية صغيرة، يسهل الانتقال من خلالها بسهولة ويسر. وأكد الكعبي أهمية التركيز على ترسيخ مفاهيم لغتنا الأم، في عقول ونفوس الأبناء في مختلف المراحل التعليمية، للمحافظة على ديننا وثقافتنا وهويتنا الوطنية، ومرتكزات مجتمعنا، على أن يتم هذا في مسار موازٍ لثنائية اللغة في التعليم، مع مراعاة نشر الوعي التربوي بشكل مستمر في المجتمع المدرسي بفئاته كافة. تخطو بنجاح وترى سمر أبو مرسه مديرة مدرسة نبراس الإيمان، أن المدرسة الإماراتية تخطو بنجاح نحو مجتمع المعرفة، إذ تستند إلى دراسة وتعدد اللغات وتوظيفها في المناهج، وفق معايير تبني قدرات الطلبة الفكرية على استيعاب ثقافات الغير، مؤكدة أن المدارس ثنائية اللغة، تجربة متميزة، يتعلم الطلبةُ في صفوفها التي تجمع مختلف الجنسيات، وكذلك معلمين من جنسيات متعددة، وجميعاً تحت مظلة منظومة تعليمية تهدف إلى إيصال رسالة العلم بمنهجية تحاكي جميع المجتمعات، لذلك فإن هذا النوع من التعليم يعمل على تجسير الفواصل والحدود بين المجتمعات والثقافات المختلفة بين شعوب العالم. وأكدت أن معظم الدروس تدار باللغتين العربية والإنجليزية، ما عدا دروس اللغة، إذ تدرس اللغةُ الأمِ لجميع الفئات، حيث يستطيع الطلبة الأجانب تعلم اللغة العربية ومفاهيمها، فضلاً عن أن العرب منهم يتعلمون اللغة الإنجليزية من خلال عدد من المواد، الأمر الذي يسهم في تنمية مهارات وقدرات الطلبة على تبادل الثقافات داخل وخارج الصفوف الدراسية. ضرورة ملحة أما بيت سومر، مدير المدرسة السويسرية، المطبقة لنظامثنائية اللغة في دبي، فقد أكد أن المناهج التعليمية ثنائية اللغة، باتت ضرورة ملحة في ظل التطورات الذي يشهدها التعليم، فضلاً عن أهمية تبادل الثقافات والعلوم والمواد بين مختلف الطلبة حول العالم، تحت مظلة ثورة التكنولوجيا وعلوم الحاسوب والبرمجة، موضحاً أنه تم توظيف معلم لكل سبعة طلاب في مدرسته، نظراً لمتطلبات المناهج التعليمية ثنائية اللغة، إذ إن الطاقة الاستيعابية القصوى للصفوف الدراسية 22 طالباً، مؤكداً أن المدرسة تساهم في إضفاء المزيد من التنوع على قطاع التعليم، وتعزيز مكانة دبي كوجهة رائدة للتعليم، فضلاً عن تجسير الفجوة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل. وأكد أن التعليم متعدد اللغات يشهد إقبالاً متزايداً من أولياء الأمور، الذين يدركون المزايا العديدة لهذا النوع من التعليم، مشيراً إلى أن برنامج البكالوريا الدولية سيكون انعكاساً للبرنامج التعليمي المتطور والشامل في سويسرا، وابتداء من الصف الأول الابتدائي وحتى الثانوية، سيتم دمج طلبة المنهاج ثنائي اللغة في بيئة تعليمية متقدمة، حيث سيقضون 50% من وقتهم في التعلم باللغة الإنجليزية، و50% في التعلم بلغة أخرى سواء الألمانية أو الفرنسية أو العربية. وأوضح ضرورة إيجاد مجتمع مزدهر متعدد الثقافات، يضم أفراداً يمتازون بحب الاطلاع والحيوية والتفهم للآخرين، ويسعون للتعلم مدى الحياة ويرغبون بالمساهمة في إيجاد عالم متسامح، من خلال احترام وتفهم الثقافات المختلفة. الاحتياجات الحياتية من جانبه قال المعلم محمد سلطان، إن تعلم أكثر من لغة واحدة في سنٍ مبكرة يسهم بشكلٍ فاعلٍ في تلبية الكثير من الاحتياجات الحياتية، وله أثر مباشر في تعزيز القدرة التنافسية على مستوى الفرد والمجتمع. وشرح أن التعليم ثنائي اللغة، يعد نظرية تعليمية تنص على أن الأطفال يمكنهم بسهولة اكتساب الطلاقة اللغوية في اللغة الثانية من خلال اكتساب الطلاقة أولاً في لغتهم الأم، ومعرفة القراءة والكتابة، موضحاً أن الهدف من هذا النوع من التعليم مساعدة الطالب على الانتقال إلى الفصل الدراسي الذي تُستخدم فيه اللغة الإنجليزية فقط في أسرع وقت ممكن. وأوضح أن المعلم ثنائي اللغة، يركز في تعليم الطلبة على موضوعات مثل الرياضيات والعلوم والدراسات الاجتماعية بلغتهم الأم، بحيث عندما ينتقل الطالب إلى الفصل الدراسي الذي تستخدم فيه اللغة الإنجليزية فقط، تكون لديه المعرفة الضرورية للتنافس مع أقرانه، في جميع الموضوعات الدراسية، وعادة ما يكون طول المدة الدراسية اللازمة لتعلم الطالب اللغة الإنجليزية أثناء دراسته للمواد الأخرى بلغته الأم ثلاث سنوات، مؤكداً أن العديد من المهارات المكتسبة في لغته الأصلية يمكن نقلها بسهولة إلى لغة ثانية في وقت لاحق. يتنافى مع الواقع من جانبها أكدت نهلة يوسف، أخصائية اجتماعية، أهمية تواصل الأهل مع أطفالهم بلغتهم الأصلية، كذلك يجب على المتخصصين أن يبذلوا أقصى ما في وسعهم لتقديم المساعدة التي تدعم تطوير مهارات اللغة الأم عند الطفل، تحت مظلة نظام التعليم ثنائي اللغة. وقالت إن الأطفال ثنائيي اللغة، الذين يعانون تأخراً في نمو مهارات اللغة والكلام، يحتاجون لدعم كامل للغتين؛ لضمان اكتسابهما بشكل متوافق مع أعمارهم، أما الاعتقاد الخاطئ بأن ثنائية اللغة مسؤولة عن تأخر الأطفال، أو تحد من إمكانية تطورهم على المستوى اللغوي، فيجب عدم إعطائه أي اهتمام، لأنه يتنافى مع الواقع. كما أكدت أن تعلم لغة إلى جانب اللغة الأولى/الأم، أصبح ضرورة من ضرورات هذا العصر، لهذا اتجهت أنظار التربويين والإداريين، وأولياء الأمور إلى تعليم اللغات لأبنائهم في مراحل عمرية مبكرة، موضحة أن المهاراتِ اللغوية هي أساسُ تصور الطفل لنفسه، ولهويته، ولانتمائه الثقافي، وتسهم بالتالي في جميع التفاعلات، وكونه قادراً على التواصل فإن هذا يسهم في سعادته. وأوضحت أن تعلمَ لغاتٍ متعددة، يمكن الطفل من الشعور بالمشاركة، واكتشاف العالم الذي يحيط به، بطريقةٍ مرحة وطبيعية، فضلاً عن الآثار الإيجابية لإجادة لغتين على التطور اللغوي والدراسي للطفل، فمعالجة المعلومات باللغتين تسمح له بالحصول على قدرٍ أكبرَ من المرونة في التفكير، لذلك، من المهم أن ينشأ الطفل في بيئةٍ محفزة، تشجعه على استيعاب اللغتين والتوازن بينهما. مسار جديد من جهته أكد ولي الأمر حميدان عبد الله، اهتمامه بتدريس اللغة الإنجليزية لأبنائه منذ الصغر، إذ تعد مساراً جديداً يخدمهم في المستقبل، وخلال الدراسة الجامعية، وفضلاً عن فرص عمل جيدة تواكب متطلبات سوق العمل المستقبلي، مشيراً إلى التغيرات والتطورات التي يشهدها التعليم عالمياً، فضلاً عن تجسير الفجوة في التواصل وتبادل الخبرات والعلوم مع شعوب الدول الأخرى. المجال الإدراكي أظهرت نتائج دراسة كندية حديثة، أجريت على 63 طفلاً، مقسمين إلى مجموعتين، الأولى يتحدث فريقها لغة واحدة، والثانية كانت ثنائية اللغة، أن المجموعة التي يتحدث أطفالها بلغتين سجلت تقدماً في المجال الإدراكي، متمثلاً في تطور أعلى لمهارات السيطرة على الذات، ما يؤثر مباشرة في مستقبلهم الأكاديمي وتطور المهارات الاجتماعية، فضلاً عن أن لديهم فاعلية في الانتباه الاختياري والمرونة الإدراكية، ولديهم مهارات متقدمة في السيطرة على الذات، ويسهل عليهم تركيز الانتباه على النقاط المهمة. فترة مثالية قالت الأخصائية الاجتماعية نهلة يوسف، إن السنواتِ الأولى من عمر الطفل هي فترةٌ مثالية لاكتساب اللغات، لأن الرضع والأطفال الصغار لديهم قدراتٌ كبيرة على استيعاب الأصوات التي يسمعونها، وتنخفض هذه القدرات تدريجياً بمرور الوقت، فلنبدأ إذاً بتعليم أبنائنا وفق نظام ثنائي اللغة في أسرع وقتٍ ممكن! التطبيق التدريجي ركزت فكرة التعليم ثنائي اللغة في المدرسة الإماراتية، على التطبيق التدريجي في المرحلة المقبلة، وعلى الهوية الوطنية، ويبني شخصية إماراتية منفتحة ومتسامحة ومواكبة للتطور العلمي والتقني، وسيتم التركيز على بناء مهارات التفكير النقدي، وتطوير مهارات العمل الجماعي والابتكار وحل المشكلات باستخدام تكنولوجيا الاتصال والمعلومات. فهم أعمق أثبتت دراسات حديثة أن من ضمن فوائد التعليم ثنائي اللغة، ابتعاد المرء عن التوجه العقلي والفكري المتشدد، فضلاً عن تعرفه إلى عادات وتقاليد مختلفة، ما يؤدي إلى اتساع آراء المرء عن العالم لتضم فهماً أعمق لكيفية تفكير الآخرين، ويوسع فهم الفرد للثقافات الأخرى، ويكون أداة قوية لمواجهة النمطية والتعصب.
مشاركة :