يعتبر الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو من أشد منتقدي الولايات المتحدة، لكن بلاده تعاني بشدة الأزمة الاقتصادية وباتت تبذل كل الجهود لجذب أموال السياح من الدولارات حتى تعوض النقص الحاد لديها في العملات الصعبة. وكان السياح القلائل قد اعتادوا حتى الآن على التعامل بالبوليفار، العملة المحلية التي تنخفض قيمتها باستمرار، من أجل نفقاتهم في فنزويلا، وقد منع فيها الدولار رسميا باعتباره عملة للدفع، فيما تتهم الحكومة الاشتراكية واشنطن بشن "حرب اقتصادية" عليها وتمارس رقابة صارمة على العملات الأجنبية. وبحسب "الفرنسية"، فإن هذا البلد الذي يستورد تقريبا كل ما يستهلكه، يحتاج إلى دولارات لتمويل عمليات الاستيراد، وقال آسدروبال اوليفيروس مدير مكتب "إيكوناناليتيكا" للاستشارات، "إن الحكومة تحتاج إلى العملات الصعبة، وتنظر في كل الوسائل لزيادة احتياطاتها بالدولار". ويوفر فندق أوروبيلدينج الراقي في كراكاس، منذ حزيران (يونيو)، لزبائنه إمكانية تسوية حسابات غرفهم عبر بطاقات بالدولار، وفي جزيرة مرجريتا (شمال) التي تجتذب أكبر عدد من السياح، تستعد الفنادق الكبرى بسرعة للاقتداء به. وأوضح مارتن اسبينوزا رئيس اتحاد الفنادق في جزيرة مرجريتا أنه من الضروري أن يتأمن في فنزويلا هذا النوع من المعاملات التي تتيح للسياح الدفع ببطاقات الاعتماد وللفنادق الحصول على الدولار لتأمين ما يحتاجون إلى استيراده. ونظريا، يطبق هذا التدبير منذ ستة أشهر، لكن الإجراءات المصرفية المعقدة للحصول على الحق بوضع الفاتورة بالدولار، تستغرق وقتا، إلا أن الصورة ليست بسيطة إلى هذا الحد، فالفنادق لا تستطيع الاحتفاظ إلا بـ 40 في المائة من المبالغ التي تحصل عليها، ويتعين عليها أن تعيد بيع المبلغ المتبقي للبنك المركزي، الذي يتطلع بدوره إلى الدولارات في بلد يطاول النقص 80 في المائة من المواد الغذائية والأدوية. من جهتهم، يبدي المحللون شكوكا، فقد استقبلت فنزويلا نحو مليون سائح أجنبي في 2014، قبيل تفاقم الأزمة الاقتصادية، واذا أمضى كل شخص أسبوعا في البلاد وأنفق فيها 100 دولار يوميا، كما تعتبر الحكومة، فإن ذلك يؤمن للبلاد 700 مليون دولار سنويا، وهي نقطة في بحر بالنسبة إلى الديون التجارية التي تبلغ 12.5 مليار. ورغم الشواطئ الرائعة والمناظر الجبلية الخلابة، من المتوقع أن يتضاءل عدد السياح، فيما تنزلق البلاد إلى الاضطراب الاقتصادي والسياسي الذي يحمل في طياته بذور أعمال عنف. وقال أسدروبال أوليفيروس، "إن السياحة ليست واحدا من القطاعات التي تؤمن أكبر قدر من العملات الصعبة في كراكاس، لذلك لن يؤمن هذا الإصلاح حلا على المدى البعيد". وقد اعتاد المسافرون الأجانب على أن يعيشوا مثل ملوك في فنزويلا، إذ كانوا يبدلون دولاراتهم الثمينة بالبوليفار في السوق السوداء التي تمنح سعرا مغريا جدا. لكن التضخم المتصاعد الذي بلغ 180 في المائة في 2015 بحسب السلطات و720 في المائة هذه السنة كما يقول صندوق النقد الدولي، قضى في شكل تدريجي على هذه الإيجابية وأدى إلى ارتفاع جنوني للأسعار في المتاجر والمطاعم. والسياح الذين سيدفعون ببطاقاتهم المصرفية، سيفرض عليهم معدل الصرف الرسمي، الأقل إثارة للاهتمام، وأشار أوليفيروس إلى أن ذلك سيشكل بالنسبة إلى السائح إجحافا، لأنه كان يستفيد بطريقة ما من هذا الفارق بين السعر الرسمي وسعر السوق السوداء، ولذلك سيفكر كثيرون مرتين على الأرجح قبل أن يأتوا. ويرى المحللون في التدبير انعكاسا لسياسة اقتصادية مأزومة، وأوضح أنخيل جارسيا بانشز مدير مكتب "ايكونومتريكا" أن مراقبة أسعار الصرف باتت حاضرة بقوة، فلم يعد ممكنا الدفاع الآن عن هذا الأمر، وما نراه في هذا المجال هو بمثابة اختبار، لكنه اعتبر أن ذلك لن يؤدي إلى تغييرات جوهرية.
مشاركة :