اختتمت مؤخراً في مكة المكرمة أعمال ندوة الحج الكبرى في دورتها الحادية والأربعين، التي استضافت أكثر من ٢٠٠ شخصية علمية وفكرية من مختلف أنحاء العالم، وذلك برعاية وزير الحج والعمرة، د.محمد صالح بنتن. وكان عنوان الندوة لهذا العام: «الحج بين الماضي والحاضر، التطورات والتنظيمات في الحج وأثرها في تحقيق مقاصد الحج الكبرى». وقد انعقدت الندوة لمدة ثلاثة أيام مشتملة على عدد من الجلسات والمحاضرات العلمية، تحدث في إحداها د.عبدالرحمن السديس، الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، الذي تحدث عن عمارة المسجد الحرام، وعن التوسعات التي قامت بها المملكة العربية السعودية للمسجد الحرام والمطاف والمسعى، وعن أثر ذلك في تحقيق مقاصد الحج الكبرى. وحظيت الندوة بمشاركة عدد من الشخصيات العلمية والفكرية من داخل المملكة وخارجها، ومنهم إمام وخطيب المسجد الحرام والمستشار بالديوان الملكي د.صالح بن حميد، وعضو هيئة مبار العلماء د.عبدالوهاب أبو سليمان، ومفتي جمهورية مصر العربية شوقي علام، والعالم السوداني د.عصام البشير، والداعية التونسي عبدالفتاح مورو، والعشرات من العلماء والمفكرين والأكاديميين والإعلاميين من مختلف أنحاء العالم. وتنوعت محاور الحديث والنقاش في الندوة، فناقشت إحدى الجلسات: تنظيم حركة الحجاج منذ وصولهم إلى الأراضي المقدسة وأثناء تنقلهم ببن المشاعر، وتنظيم مغادرتهم للبلاد المقدسة بين الماضي والحاضر، وخصص لإحدى الجلسات موضوع حماية الحجاج من الكوارث والمخاطر والحرص على سلامتهم. كما تناولت الندوة محور الطوافة وآليات عمل المطوفين بين الماضي البعيد كأفراد، والماضي القريب كمؤسسات أهلية تجريبية للمطوفين، والحاضر، كمؤسسات طوافة تختص كل واحدة منها بالحجاج القادمين للحج من بلدان معينة. وناقشت إحدى جلسات الندوة الجانب الإعلامي للحج، وآليات حضور الإعلام في الحج من أجل التوعية بمناسك الحج وأحكامه وغاياته الكبرى، وتطرقت بعض أوراق العمل إلى الإعلام الجديد والدور المناط به في خدمة الحج وبث أهدافه وغاياته الكبرى. كما عرضت في الندوة بعض تجارب الدول الإسلامية في توعية الحجاج بأحكام الحج، وإرشادهم إلى التصرف السليم أثناء زيارتهم للأراضي المقدسة.. وأثر ذلك في تحقيق مقاصد الحج الكبرى. ولم يغب عن الندوة الحديث عن مراعاة الضرورات واحتياج الحجاج إلى التيسير عند أدائهم لمناسك الحج، حيث تحدث د.عبدالله المطلق، عضو هيئة كبار العلماء عن القاعدة الفقهية: المشقة تجلب التيسير، وعن تطبيقاتها في الحج الذي تشتد فيه حاجة بعض الزوار إلى التيسير ورفع الحرج والمشقة عنهم. وباعتبار الندوة لوناً من النشاط الثقافي في موسم الحج، فقد تطرق د.محمد الحافظ النحوي، رئيس التجمع الثقافي في موريتانيا إلى النشاط العلمي والثقافي في الحج بين الماضي والحاضر. المركز الإعلامي بوزارة الحج والعمرة أكد أن الندوة تنطلق من اهتمام وحرص المملكة على تعزيز التواصل والتلاحم بين علماء العالم الإسلامي في موسم الحج وفي غيره. وشهدت الندوة حضوراً من سكان مكة المكرمة، ومن الحجاج القادمين إليها، ومن عدد من العاملين في خدمة الحجاج، من مؤسسات ومكاتب الطوافة وغيرها. وفي البيان الختامي للندوة، دعت الندوة العلماء والمسؤولين إلى توعية الحجيج بكل ما يتعلق بالحج من أحكام شرعية ومسائل تنظيمية تعنى بتحقيق رسالة الحج وتؤدي إلى تحقيق مقاصده مع الحفاظ على سلامة الحجيج وراحتهم، والحرص على تفادي التدافع والتزاحم والظواهر السلبية الأخرى في الحج. مشيدةً بالتجربة الماليزية الفرسدة في توعية الحجاج بمناسك الحج وتدريبهم على التصرف في مواجهة مختلف المواقف التي يواجهونها في الحج وذلك قبل انطلاقهم من ديارهم لأداء المناسك. كما أوصت الندوة في بيانها الختامي بإنشاء وحدات متخصصة في رصد مستجدات الحج والعمرة على النحو الذي يكفل بتحقيق المقاصد الشرعية الكبرى من وراء هذه المناسك. كما أوصت الندوة بإصدار موسوعة علمية شاملة للحرمين الشريفين، يوثق فيها كل ما يتعلق بالمسجد الحرام والمسجد النبوي من مختلف الجوانب: التاريخية، والعمرانية، والعلمية، وغيرها. وتعدّ ندوة الحج الكبرى تقليداً سنوياً دأبت وزارة الحج والعمرة على تنظيمه منذ أكثر من أربعين عاماً، حيث يجري استثمار موسم الحج الذي تجتمع فيه النخب العلمية والفكرية الإسلامية من شتى أنحاء العالم، وتصدر أبحاث الندوة في كتابٍ يطبع دورياً.
مشاركة :