تقارب أميركي مع الخصوم وتباعد عن الحلفاء!

  • 9/15/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

في تشرين الأول (أكتوبر) 2014، قال نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، خلال محاضرة في جامعة هارفرد، الكلمات التالية: «مشكلتنا الكبرى هي حلفاؤنا في المنطقة». كان هناك أربعة أشهر تفصل كلام بايدن عن سقوط الموصل بيد «داعش» وما أدى إليه ذلك الحدث من إنعاش التحالف الأميركي- الإيراني في العراق بعد تأزم استغرق تسع سنوات، ثم اقتراب أميركي- روسي تجسّد في قرار مجلس الأمن 2170 الذي يسمي «داعش» و «النصرة» تنظيمين إرهابيين، ثم اعتماد واشنطن على أكراد «حزب الاتحاد الديموقراطي- PYD» في معركة عين العرب ضد «داعش». قادت التقاربات الأميركية مع موسكو وطهران والفرع السوري لـ «حزب العمال الكردستاني- pkk» إلى تباعدات أميركية مع أنقرة والرياض: كان هناك تقارب أميركي- روسي حول سورية تجسد في اتفاق 7 أيار (مايو) 2013 بين كيري ولافروف لتنفيذ «بيان جنيف1»، ولكن لم يقد ذلك إلى تباعد أميركي عن الحلفاء أو إلى تصادم، فيما كان القرار 2170 يعني تغييراً أميركياً في السياسة السورية باتجاه إعطاء الأولوية لمكافحة «داعش» وليس لتغيير السلطة السورية، في تباعد أميركي عن أولويات أنقرة والرياض، وفي تقارب أميركي مع موسكو في سورية ومع طهران في العراق، وفي تعامل تحالفي أميركي مع حزب كردي سوري هو امتداد لحزب كردي تركي يحارب أنقرة منذ عام 1984. بالتوازي مع هذا لم يحظ سقوط صنعاء في 20 أيلول (سبتمبر) 2014 بيد الحوثيين، حلفاء ايران، بأي مظاهر من الرفض الأميركي، فيما راجت تحليلات بأن واشنطن تحتاج إلى حاجز الحوثي- علي عبدالله صالح لوقف امتداد «القاعدة» و «داعش» في اليمن بعد أن فشلت سلطة الرئيس عبدربه منصور هادي في ذلك، في السنتين السابقتين. قام جو بايدن في هارفرد بتظهير لوحة شرق أوسطية جديدة: تقارب أميركي مع الخصوم وتباعد مع الحلفاء. زاد هذا وتشرعن مع اتفاق فيينا (14 تموز- يوليو 2015) حول البرنامج النووي الإيراني ثم في الغطاء الأميركي للدخول العسكري الروسي إلى سورية بدءاً من 30 أيلول 2015 وما أعقبه من تفاهمات أميركية- روسية حول سورية في لقاءي فيينا ثم في القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن. قاد التقارب الأميركي مع طهران إلى تقارب سعودي– روسي، فيما أدى الدخول الروسي العسكري إلى تصادم مسلح روسي- تركي مع تفرُّج أميركي. غطاء أميركي عسكري وسياسي لـ «قوات الحشد الشعبي» الموالية لإيران في العراق، فيما رفض أوباما علناً وجود خبراء عسكريين أتراك استدعاهم مسعود بارزاني لتدريب البيشمركة في خريف 2015. في المقابل، هناك الكثير من الكلام في الأوساط الديبلوماسية حول عملية «التحالف العربي» التي قادتها السعودية في اليمن بدءاً من 26 آذار (مارس) 2015 كانت من دون رضا أميركي حقيقي، وليس صدفة أن يكون الكثير من تقارير الأمم المتحدة لمصلحة الحوثيين أو فيها الكثير من المحاباة لهم. أيضاً هناك الكثير من الكلام في أوساط ديبلوماسية وصحافية بأن العملية العسكرية التركية في الشمال السوري بدءاً من 24 آب (أغسطس) 2016 كانت من دون رضا أميركي حقيقي وتم فرضها وتبليغها لجو بايدن يوم زيارته لأنقرة، فيما حظيت تلك العملية بتأييد روسي- إيراني ضمني، في مشهد يجب ربطه مع الصمت الأميركي قبل أربعين يوماً من محاولة الانقلاب التركية في ساعاتها الثلاث الأولى ثم التأييد الروسي- الإيراني لأردوغان بعد فشل تلك المحاولة. ليس السلوك الأميركي ناتجاً من خطأ في الحسابات بل عن رؤية شرق أوسطية جديدة عند واشنطن، لا يمكن أن تتغير رغم التوترات الأميركية– الروسية في تموز وآب وأيلول 2016 بسبب حلب: اتبع باراك أوباما منذ دخوله البيت الأبيض في 20 كانون الثاني (يناير) 2009 استراتيجية خروج من الشرق الأوسط مع انزياح تركيزي على الشرق الأقصى، حيث من الواضح أن الثقل الاقتصادي العالمي قد بدأ بالانتقال مع الألفية الجديدة إلى هناك بعيداً من الأطلسي. الشرق الأوسط لم يعد بتلك الأهمية التي كانها في زمن الحرب الباردة كجدار شمالي ضد جنوب الاتحاد السوفياتي وفق تعبير وزير الخارجية الأميركي جون فوستر دالاس في الخمسينيات، ولولا عملية صدام حسين في الكويت في 2 آب 1990 لما التفت الأميركيون إلى المنطقة. في الشرق الأوسط يقوم أوباما بسحب جنوده من العراق وأفغانستان، فيما يعمل على تزنير تطويقي للصين بقواعد عسكرية أميركية في شمال استراليا والفيليبين وفييتنام مع عقد اتفاقيات عسكرية مع اليابان وكوريا الجنوبية والهند. عند أوباما، الصين هي في مكان الاتحاد السوفياتي في الحرب الباردة 1947- 1989. تقاربه مع روسيا كان من أجل تحطيم «مجموعة دول البريكس» عبر إبعاد موسكو عن بكين، وهو ما يفعله مع الهند أيضاً مستغلاً خلافاتها مع الصين منذ حرب 1962، كما أن تقاربه مع إيران يمنع في حساباته تقاربها مع روسيا والصين أو يلغمه. إذا كانت (2 آب 1990 و11 أيلول 2001) قد جعلتا بوش الأب والابن يأتيان إلى الشرق الأوسط، فإن (10 حزيران 2014) دفعت باراك أوباما لكي يعتمد على موسكو وطهران والأكراد من أجل مجابهة «داعش» التي يدرك هو والأوروبيون بأن عود ثقاب عمليات باريس وبروكسيل قد كان في الرقة والموصل. هناك حالات مشابهة لذلك في السلوك الأميركي مع الحلفاء، وأيضاً كان هذا ناتجاً من رؤية أميركية جديدة للمنطقة المعنية آلت فيها مجريات الوقائع إلى مصلحة الخصوم، الأمر الذي كان الأميركي واعياً له، وهو ما لم يلتفت له أو يقم له الاعتبار لأن التركيز هو على الأولويات من دون التفات إلى مصالح الحلفاء: عندما اتبعت إدارة نيكسون- كيسنجر سياسة (فتنمة الحرب)، كطريق للخروج العسكري الأميركي من فييتنام ومنطقة الهند الصينية، فإنها كانت مدركة بأن ذلك سيقود إلى غير مصلحة حلفائها في فييتنام الجنوبية وكمبوديا ولاوس. صحيح أن اتفاقية باريس في كانون الثاني 1973 مع فييتنام الشمالية و (جبهة الفييتكونغ) الموالية للشماليين قادت إلى حكومة ائتلافية بين الأخيرين وحكومة فييتنام الجنوبية، مع مثيل لذلك في لاوس، إلا أن واشنطن كانت مدركة أن الأمر لن يطول قبل أن تشتعل ساحات المعارك وينتصر الشيوعيون في الجنوب الفييتنامي وكمبوديا ولاوس، الأمر الذي حصل في شهري نيسان وأيار 1975. أيضاً، يمكن الحديث عن حالات أخرى من تخلي واشنطن عن الحلفاء، ولكن كان السبب هو تغير ميزان اللوحة العالمية لمصلحة واشنطن في الثمانينات، وبالتالي لم تعد في حاجة إلى حلفاء كانوا في شكل ديكتاتوري عسكري مرغوب ضد اليسار الشيوعي، ولم يعد مرغوباً مع ميل ميزان القوى ضد موسكو ومع تلاشي المد اليساري الشيوعي العالمي: ظهر هذا أولاً في أميركا اللاتينية: الأرجنتين 1983 والبرازيل 1985 وتشيلي 1989، ثم في آسيا الشرقية مع الفيليبين 1986 وكوريا الجنوبية 1987 وإندونيسيا 1998، مع استثناء شرق أوسطي ظهر في تأييد أميركي للعسكر ضد الإسلاميين في تونس 1991 والجزائر 1992 وقمع حسني مبارك الجماعات الإسلامية في فترة 1992- 1997.     * كاتب سوري

مشاركة :