بعد الأزمة المالية الكارثية التي أغرقت العالم في الركود قبل خمس سنوات، تعرض مختصو الاقتصاد المالي للتشهير والفضيحة، لاستخدامهم نماذج معقدة قائمة على افتراضات خاطئة، لتقييم مخاطر القروض العقارية لضعاف الملاءة. استغرق الأمر بضع سنوات فحسب لفضح الخطأ، مع عواقب وخيمة، ولكن هناك عيوب مماثلة كامنة في النماذج الاقتصادية الخاصة يكمن فيها تهديد أكبر بكثير – أي التغيرات المناخية – التي تستخف أيضاً بالخطر الذي نتعرض له. جلبت الفيضانات في إنجلترا والجفاف في ولاية كاليفورنيا جولة أخرى من الحجج العقيمة، حول ما إذا كانت التغيرات المناخية هي السبب. وتماماً، مثلما أن نماذج التزامات السندات المضمونة افترضت جميعاً استحالة التخلف عن الدفع، فإن نماذج التغيرات المناخية تفترض جميعاً أنه لا يمكن أن تكون لها آثار كارثية في الاقتصاد، بغض النظر عن مدى السوء الذي يمكن أن تصبح عليه ظاهرة الاحتباس. بدلاً من المبالغة في التهديد، يغلب على الاقتصاديين التهوين من شأنه. الأزمة المالية – وتزايد الأدلة العلمية حول وجود مخاطر صغيرة - لكنها حقيقية - بسبب التغير الشديد للمناخ – تشير إلى الطريق قدماً. بدلاً من محاولة التحديد الدقيق لسعر أمر لا سبيل لمعرفته، ينبغي أن ننظر في احتمالات غير مؤكدة، فوقوعها يعني كارثة لها تكاليف مرتفعة بشكل مخيف، ثم نسأل ما التكاليف التي سندفعها للتأمين ضدها. قد يكون ذلك حتى أسهل طريقة لتسويق الإجراءات المتعطلة بشأن انبعاثات الكربون. الحكم الصادر عن الأكاديميين، القائم على نماذجهم الحالية، يعتبر حكما قوياً إلى حد كبير*. ما يسمى بنماذج التقييم المتكامل للتغيرات المناخية، كما يكتب نيكولاس ستيرن، تأتي "قريبة من الافتراض المباشر بأن الآثار والتكاليف ستكون متواضعة، وقريبة من استبعاد إمكانية وقوع نتائج كارثية". ووفقاً لروبرت بنديك من معهد ماساتشيوستس للتكنولوجيا "بيت القصيد هنا هو أن متغيرات الدمار المدرجة في معظم نماذج التقييم المتكامل مفتعلة تماماً، وليس لها أساس نظري أو تجريبي". هذه النماذج مهمة. إنها تكمن وراء التقديرات التي تشير إلى أن للكربون تكلفة اجتماعية تبلغ 36 دولاراً للطن، وتستخدمها إدارة أوباما لتنظيم الفحم. علينا أن نعترف بأن هذا أفضل من لا شيء، وتصميم العالم على تجاهل التغيرات المناخية، يعني أنه في حالة وجود تقدير أعلى، فلن يكون له تأثير كبير على الفور. لقد اصطفت جماعات الضغط منذ الآن للادعاء بأن ما قيمته 36 دولاراً يعتبر تكلفة أكثر من اللازم. الدروس المستفادة من الأزمة المالية واضحة: يجب على الاقتصاديين أن يسعوا جاهدين لقول الحقيقة كما هي، ثم السماح للحمقى والأشرار والسياسيين بمحاولة تبرير تقاعسهم عن العمل بأفضل ما لديهم. سيحكم التاريخ بقسوة على أي شخص يستخف بقيمة ظاهرة الاحتباس الحراري. عوامل النقص في النماذج الاقتصادية أمر لا مفر منه. في البداية، نقول إنها فقط جيدة بقدر النماذج المناخية التي تتم تغذيتها بها. هناك جدل يجري الآن حول المقدار الذي ينبغي لنا أن نضحي به، لتحسين حياة الأجيال الذين لم يولدوا بعد. بيد أن افتراضهم المتفائل والمنشرح بأنه ستكون للاحتباس الحراري آثار متواضعة في الناتج الاقتصادي، هو أمر ليس مبرراً. ينشأ هذا الافتراض عبر عدة طرق: في معظم النماذج لا تستطيع التغيرات المناخية ببساطة إبطاء النمو الاقتصادي، بشكل جوهري، فالناتج يظل في ازدياد، ولكن بعد ذلك يتم طرح قدر من الضرر، اعتماداً على الحرارة التي يصبح عليها المناخ. المشكلة هي أن النمو المركب في الناتج، يبلغ من القوة درجة تجعله يفوق الضرر بشكل تلقائي تقريباً. على سبيل المثال، إذا كان الاقتصاد العالمي ينمو بنسبة 2 في المائة سنوياً على مدى القرن المقبل، فإن حجمه سيزيد أكثر من سبع مرات. حتى لو كان تقدير الضرر سيؤدي إلى فقدان نصف هذا النمو، سيظل الاقتصاد أكبر بثلاث مرات ونصف. هناك نهج آخر لهذه المشكلة، يستكشفه بعض الاقتصاديين الآن، وهو تأثير التغيرات المناخية في معدل النمو. يغلب على تقديرات الأضرار المترتبة أن تكون متواضعة، لأنه يتم تعيين النماذج حتى للدرجات القليلة الأولى من ارتفاع الحرارة، وذلك استناداً إلى الدراسات التجريبية للتقلبات الصغيرة. إنها مثل تحليلات مرونة الاقتصاد حيال حدوث انخفاض بسيط في أسعار المساكن. حين نحاول استقراء ذلك والتوصل منه إلى حالة قصوى من التغيرات المناخية – التي يجعلها المسار الحالي للانبعاثات معقولة – يمكن أن تكون النتائج مثيرة للسخرية. على سبيل المثال، أحد النماذج القياسية يعطي ضرراً أكبر من 50 في المائة على الناتج، حين ترتفع الحرارة بمعدل 20 درجة مئوية. حين تجمع ذلك مع الافتراض القائل بأن الاقتصاد سيكون أكبر عدة مرات في المستقبل، ستصبح المشكلة واضحة. صحيح أن مثل هذه التقديرات تشير إلى أن أحفادك سيتعرضون للقلي بفعل الحرارة العالية الموجودة في دهونهم، وهم ركوب في مترو الأنفاق في لندن، إلا أن هذه النماذج الاقتصادية - بدلاً من اعتبارهم في عداد الأموات - تعتبر أن مستواهم المالي أعلى من مستواك. الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فالسبب في أن أكثر النماذج لديها هذه التقديرات، هو أنها تحتسب بالكاد حتى إمكانية الحالات الشديدة من الاحتباس الحراري. إنها تأخذ التغيرات المناخية باعتبارها من المعطيات، ثم تحولها إلى أثر اقتصادي وتحدد سعر الكربون اليوم. إذا كانت درجة الحرارة المقدرة للاحتباس الحراري هي درجتان مئويتان، على سبيل المثال، فإن عملية تسعير الكربون تتم على هذا الأساس. إنه مثل تحليل من حقبة القروض لضعاف الملاءة، تتجاهل إمكانية إعسار جميع القروض العقارية في نفس الوقت. قد يكون أفضل نهج يتم اتّباعه هو التركيز على مخاطر الكارثة، ومن ثم تحديث النماذج كلما يظهر مزيد من المعلومات. يستند بنديك إلى وجود قياس في الحرب الباردة، عندما درس المحللون عواقب الحرب النووية – وهي نتائج استخدموها عند التفاوض في معاهدات الحد من التسلح. بعد الأزمة المالية، لم يشيد العالم نماذج معقدة إلى حد كبير لتقدير فرص انهيار آخر، والضرر الذي من شأنه أن يسببه. يعترف صناع السياسات ببساطة بأن القوانين التنظيمية مثل قانون دود فرانك الأمريكي لها ثمن قليل يدفع لمنع تكرار هذا الأداء. لقد حان الوقت لاتخاذ نهج مماثل قائم على أساس المخاطر لحل مشكلة أكبر، هي التغيرات المناخية. * كيف ينبغي أن نضع نماذج للتغيرات المناخية؟ مجلة الأدبيات الاقتصادية، سبتمبر 2013
مشاركة :