أنا مش محجبة.. أنا بصلي

  • 9/15/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

"أنا مش محجبة أنا بصلي"، وكانت الردود: "بتجاهري بالذنب"، "الحجاب فرض على فكرة"، "إيه علاقة ده بده؟"، "على فكرة اللي هتقلع الحجاب/ هتفضل مش محجبة هتاخدي ذنبها"، "صلاتك مش مقبولة وانتي مش محجبة". ولم يحاول أحد من هؤلاء سؤال الفتاة عن معنى هذه اللافتة، بل انهالوا عليها بالهجوم الذي وصل إلى حد السخرية والألفاظ البذيئة والتكفير أيضاً دون أن يضع أحد في اعتباره ما تقصده، أو أن يتواصل مع مؤسسي الحملة، أو أن ينصح على الأقل بأسلوب حسن، كما أمرنا الله ورسوله. "بتجاهري بالذنب": لا أعلم كيف فسر البعض هذا على أنه مجاهرة بالذنب، بل أنا لم أرَ تفسيراً لها، فالبعض وضع هذا التعليق وقام بالهرب دون أن نفهم ما يريده، الفتاة لم تمسك لافتة وتقول "صفقوا لي أنا غير محجبة"، ولم تفعل ذنباً في السر وقامت بالافتخار به علانية، أو جلست مع صديقات لها يفتخرن بذنوبهن، الفتاة قالت "أنا محجبة، أنا بصلي"، مما يعني أن عدم أدائي لفرض لا يعني أنني لا أؤدي الفروض الأخرى، أو أنني لا أقرأ في ديني ولا أفقه فيه شيئاً، أنا إنسانة مثلي مثلكم أحاول جاهدةً التقرب إلى الله، ولدي السيئ والحسن، فلا تحكموا عليّ بما يظهر لكم فقط. "الحجاب فرض على فكرة": لا أعلم كيف فسر البعض اللافتة على أنها دعوى لعدم الحجاب، أو نفي أن الحجاب فريضة، الفتاة تقول إنها مثل سائر البشر تخطئ وتصيب فلا تحكم عليّ من جانب واحد فقط، لا يوجد شخص يؤدي جميع الفرائض مائة في المائة، ولا يوجد شخص خالٍ من الذنوب والمعاصي، ولا يوجد شخص كامل، ومهما حاول الشخص تجنب الذنوب فهو يقع في بعضها دون أن يشعر مثل "الغيبة" و"النميمة"، فالفتاة لم تقل إنها لا تؤمن بفرضية الحجاب إطلاقاً ولم تتطرق إلى ذلك، ولكنها تريد أن تقول عدم أدائي لفريضة لا يعني أننا أقطع كل ما يقربني إلى الله سبحانه وتعالى. "إيه علاقة ده بده؟": معك حق يا عزيزي، وهذا هو معنى الحملة، نحن نربط بين أشياء لا علاقة لبعضها ببعض البعض يرى: (المنقبة = مقفلة)، (الملتحي= إخوان)، (غير المحجبة: بعيدة عن دينها)، (المطلقة: فيها عيب)، (ساقط = فاشل) إلى آخره من الأشياء التي لا حصر لها، فإذا لم توجه إليك أحد الاتهامات بسبب مظهرك أو حالتك الاجتماعية أو تصرفاتك، فهنيئاً لك عزيزي، ولكن دع هؤلاء الشباب يعبرون عما تم توجيهه إليهم. "على فكرة اللي هتقلع الحجاب/ هتفضل مش محجبة هتاخدي ذنبها": وربما هذا من أكثر الردود التي تثير انبهاري حتى هذه اللحظة، فمع زيادة الكتب الدينية، والبرامج، والقنوات، والشيوخ، ووسائل التواصل، ووسائل السؤال عن فتوى، والمواقع الدينية ما زلنا نقول: "لو حد عمل زيك هتاخد ذنبه". عزيزي: ألا يوجد لديك عقل تفكر به؟ ألا يوجد لديك وسائل للتأكد من المعلومة، ألا يوجد لديك الكثير والكثير من المشايخ الذين يمكن أن تصل إليهم بسهولة، ألا توجد مؤسسات دينية تفتح باب الاتصال، هل تنتظر شيئاً تقرأه/ تسمعه/ تشاهده لتتبعه وأنت مغمض العينين، وهل تنتظر فتاة في مقتبل العشرينات من عمرها لتقول لكِ ارتدي الحجاب أو لا ترتدي الحجاب، أمركم غريب، سيقول لي البعض: "فيه ناس ما يعرفوش يوصلوا للمعلومة مش كل الناس متعلمة"، وأعتقد أن من وصلته هذه الحملة لديه أدنى طرق الوصول للمعلومة. "صلاتك مش مقبولة وانتي مش محجبة": لا أعلم كيف استطاع البعض التدخل في علاقة بين فتاة وخالقها دون سند ديني وبموروثات لا أساس لها من الصحة، هذه تحديداً يرددها الكثير في كل المواسم، في رمضان يقولون: "صيامك مش مقبول وانتِ مش محجبة"، وفي الأحوال العادية: "صلاتك مش مقبولة وانتِ مش محجبة"، وباتصال بسيط بأحد المشايخ سيقول لك إنها ستأخذ ذنب هذا وثواب ذاك. بالنسبة للافتة التي تحمل عنوان "أنا عندي صحاب ولاد.. أنا مش قليلة الأدب". عزيزي، هذه بالتحديد مشكلة مجتمعية وليست دينية، أخبرني، هل وجدت أحد أصدقائك قد تم حبسه في المنزل؛ لأنه يعرف فتاة، بالطبع لا، أو أنا لم أقابل أحداً في حياتي من هذا سواء على المستوى الشخصي أو مستوى القصص التي يتم نشرها، إذا سألتك سؤالاً آخر: هل وجدت إحدى الفتيات قد تم حبسها أو حرمانها من التعليم أو مراقبتها ليل نهار؛ لأنها تعرف زميلاً في الجامعة تحتاج منه بعض الأشياء، بالطبع ستجد ذلك، يمكن ألا يكون على المستوى الشخصي، ولكن القصص مثل هذه ليست بجديدة، ستجد المجتمع يقبل أن يصادق الشاب فتاة أما هي فلا؛ لأنه "حرام"! ولا أعلم هل سنقف أما الله سبحانه وتعالى ونقول: "أنا شاب وهذه فتاة"، نحن جميعنا متساوون أمام الله، وما هو "حرام" هنا "حرام" هناك، لكننا في مجتمعنا نقوم غالباً باتهام الفتيات تحت مسمى الدين بينما لا أحد يتحدث مع الشباب إلا من رحم ربي، وإذا كنت تتفق معي أن هذا لا يصح، فهنيئاً لك! هذه اللافتة غير موجهة إليك. ما أصابني حقاً بالحزن هو طريقة التعبير عن الرفض بالألفاظ البذيئة والشتائم والتكفير، فعلى سبيل المثال انتشر هاشتاغ "#الكلاب_الضالو_اللي_بتحلل_الحرام"، وقام أحدهم بالسخرية مثل "أيوة انتي محجبة وبتصلي أعملك إيه يعني!"، وآخرون قاموا برمي الاتهامات مثل "حملة تافهة وناس تافهة"، وهذه أبسط التعليقات التي تم تداولها، وهذه الألفاظ وغيرها صدرت من أشخاص للدفاع عن دينهم ضد الحملة التي وصفوها بـ"التكفير" دون التبين والرجوع للمصدر. لا أعلم لماذا لم نتذكر هذه الآية قبل أن نسخر من بعضنا البعض: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسوق بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ"؟! ولا أعلم لماذا لم نتذكر آداب النصح قبل أن نتحدث بهذا الأسلوب العنيف في إبداء النصائح، أو نتذكر ثواب الكلمة الطيبة، أو نتذكر كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصح المسلمين والكافرين أيضاً بالأسلوب الحسن؟! ولا أعلم لماذا لم نتبين ونتأكد قبل أن نقوم برمي الاتهامات؟ والأهم من كل ذلك: لا أعلم لماذا لم نتبع هذا الحديث قبل أن نبدأ بالسباب: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتدرون من المفلس؟"، قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: "إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أُخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار". هل تعلم أن كل فتاة من أصحاب هذه الحملة قمت بسبها وشتمها وإخراجها من الملة ستقتص منك يوم القيامة؟ أم أنك نتذكر فقط الصلاة والصيام والحجاب وتنسى الأسلوب الحسن وعدم الخوض في أعراض الآخرين والأهم من ذلك التأكد قبل إصدار الأحكام. لا أعلم لماذا قمت بكتابة هذه المدونة، ربما بسبب شعوري بالحزن الشديد على ديني مثلكم! شعوري بالحزن على ما وصل إليه حال المسلمين! شعوري بالحزن أننا أصبحنا نسب ونلعن ونخوض في أعراض بعضنا البعض تحت مسمى "الدفاع عن الدين"! شعوري بالحزن أننا أصبحنا نضع الآية القرآنية وجانبها وابل من الألفاظ البذيئة، ثم نقول بكل فخر: "أنا دافعت عن ديني"، شعوري بالحزن أننا أصبحنا نستخدم بعض الآيات دون موضعها الصحيح. فأصحاب هذه الحملة حاولوا تغيير مفهوم بسيط، وهو القضاء على التصنيف والعنصرية، وكانت النتيجة هي الخوض في أعراضهم وإخراجهم من الملة أيضاً. عزيزي، الألفاظ البذيئة ليست من الدين، وتنصيب نفسك قاضياً على الآخرين ليس من الدين، والخوض في عِرض البشر ليس أيضاً من الدين. وأخيراً تنويه بسيط: هذه حملة قام بها مجموعة من الشباب لمحاربة الـ stereotyping، ومعنى هذه الكلمة هو وضع البشر في قوالب معينة بناءً على شكلهم الخارجي، تصرفاتهم حالتهم الاجتماعية.. إلخ، ولكن تمت سرقة بعض الصور وترك البعض الآخر، كما لم يتم نشر تعريف الحملة، مما أدى إلى تشويهها كُلياً وتحويلها إلى حملة ضد الدين، ويمكنكم العثور على صور الحملة كاملةً من خلال هذا : ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :