أن تتصدر مسألة الاختراقات الإلكترونية وعمليات قرصنة المعلومات التي تعرضت لها الولايات المتحدة في الأشهر القليلة الأخيرة، جنباً إلى جنب المسألة السورية ومحاولة التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار يمهد لتسوية سياسية بين الأطراف المتصارعة في سورية، جدول أعمال القمة التي عقدها الرئيس الأميركي باراك أوباما مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة العشرين في الصين، فإن ذلك يؤشر على مدى الخطر الذي باتت تشكله عمليات التجسس الإلكترونية على العلاقات الثنائية الأميركية الروسية. والأرجح أن الرئيس الأميركي ما كان ليناقش هذه المسألة مع نظيره الروسي وأن تأخذ حيزاً كبيراً من الاهتمام الإعلامي، أقله في وسائل الإعلام الأميركية، لولا توافر معطيات جدية وأدلة موثقة في حوزة أجهزة الاستخبارات الأميركية ومكتب التحقيقات الفيديرالي عن دور ما للاستخبارات الروسية في عملية القرصنة التي تعرض لها البريد الإلكتروني للحزب الديموقراطي الأميركي قبل نحو شهرين. وقام موقع ويكيليكس عشية انعقاد المؤتمر الوطني للحزب بنشر 30 ألف إيميل من الوثائق المقرصنة بينها رسائل داخلية تؤكد انحياز رئيسته ديبي شولز للمرشحة هيلاري كلينتون ضد منافسها السيناتور بيرني ساندرز. دور روسي في الانتخابات الأميركية وفي مقابل البرودة الروسية في الرد على الاتهامات الأميركية حول الخروق الإلكترونية وقرصنة بريد الحزب الديموقراطي والنفي الروسي المتوقع لهذه الاتهامات، وجهت مرشحة الحزب الديموقراطي، المتضررة الأولى من تسريب الرسائل، أصابع الاتهام مباشرة للرئيس الروسي وأثارت شكوكاً حول دور يحاول لعبه في الانتخابات الرئاسية الأميركية لمصلحة صديقه دونالد ترامب، خصوصاً بعد طلب المرشح الجمهوري العلني من الروس إكمال مهمتهم وقرصنة الإيميلات التي اختفت عن الخادم الإلكتروني الخاص بكلينتون قبل تحقيقات «أف بي آي» في قضية استخدامها بريدها الإلكتروني الخاص خلال عملها في وزارة الخارجية الأميركية. ويرى الديموقراطيون أن عملية القرصنة الإلكترونية التي تعرضوا لها هذا العام هي أخطر بكثير من زرع أجهزة تنصت في مقر الحزب الديموقراطي خلال حملة الانتخابات الرئاسية عام 1970 والتي أجبرت الرئيس الجمهوري السابق ريتشارد نيكسون على الاستقالة من منصبه عام 1972 بعد انكشاف دوره في عملية التجسس على المرشح المنافس في ما عرف لاحقاً بفضيحة ووتر غيت. ولم يفت تيم كاين المرشح الديموقراطي لمنصب نائب الرئيس أن يقارن بين شخصيتي ترامب ونيكسون مع الأخذ في الاعتبار أن المرشح الجمهوري لعام 2016 يستجلب تدخلاً خارجياً في الشؤون الانتخابية الأميركية وتحديداً من روسيا العدو الأول للولايات المتحدة. حرب باردة في مؤتمره الصحافي الذي عقده بعد القمة مع الرئيس الروسي في الصين استخدم أوباما مقاربة مختلفة للاختراقات الإلكترونية، التي تقوم بها روسيا ودول أخرى، وتستهدف مؤسسات سياسية واقتصادية وأمنية أميركية، حكومية وخاصة. تحدث أوباما عن أننا نعيش عــصراً جــديداً هو عصر تكنولوجيا المعلومات وسهولة انتقالها والحصول عليها ما يستدعي نمطاً مختلفاً من العلاقات الدولية وقوانين جديدة ترسم الحدود والخطوط الحمر. وذكر الرئيس الأميركي روسيا وغيرها من الدول التي تملك القدرة على القيام باختراقات إلكترونية وقرصنة معلومات من دول أخرى أن بلاده قادرة على الرد الإلكتروني لا بل أنها ما زالت هي الأقوى على الإطلاق في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. اكتفى أوباما بتحذير موسكو من مغبة إشعال فتيل حرب إلكترونية باردة، ولم يذهب بعيداً في لهجة التصعيد على غرار وزيرة خارجيته السابقة التي اعتبرت الاختراق الإلكتروني للحزب الديموقراطي هو عمل عدائي من روسيا يستدعي رداً أميركياً مناسباً. مثلث بوتين ترامب أسانج لا تغفل وسائل الإعلام الأميركية التوقف عند الدور المناط بالناشط الأسترالي جوليان أسانج صاحب موقع ويكيليكس الذي نشر الرسائل المقرصنة من الحزب الديموقراطي مع ازدياد الشكوك الأميركية حول طبيعة هذا الدور ومدى ارتباطه بأجهزة الاستخبارات الروسية المتهمة بالاختراق الإلكتروني وسرقة الوثائق وتسريبها لاحقاً لأسانج الذي يدير موقعه الإلكتروني من مقر إقامته في سفارة الإكوادور في لندن. وأشار مقال نشرته الأسبوع الماضي صحيفة «نيويورك تايمز» إلى وجود خيوط خفية تربط أسانج بالكرملين. وتلاحظ الصحيفة أن جميع الوثائق والرسائل التي نشرتها ويكيليكس على مدى أعوام منذ تسريب الوثائق الديبلوماسية للخارجية الأميركية هدفت إلى النيل من المصالح الأميركية وخدمة المصالح الروسية وجهود موسكو للنيل من صورة الولايات المتحدة. ولا يخفي أسانج أن الهدف من نشر الوثائق المقرصنة من الحزب الديموقراطي هو النيل من صدقية هيلاري كلينتون ومنع وصولها إلى البيت الأبيض. وفي مقابلة أجرتها معه اخيراً محطة تلفزيون روسية هدد أسانج مرشحة الحزب الديموقراطي بنشر المزيد من الرسائل والوثائق السرية ستكون كفيلة بإسقاطها في الانتخابات الرئاسية الأميركية في الثامن من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. لم يقل أسانج في تصريحاته إنه يؤيد وصول ترامب إلى البيت الأبيض كما لم يتجرأ في العلن على الدفاع عن سيد الكرملين. لكن من وجهة نظر المؤيدين لكلينتون فإن الروابط المخفية والمعلنة التي تربط أسانج مع بوتين وترامب تجعلهم أركان المثلث الذي يخوض المعركة ضد المرشحة الديموقراطية. ولا تخفي وجهة النظر هذه مخاوفها الجدية من قيام مثلث ترامب بوتين أسانج برعاية اختراقات إلكترونية جديدة قد تستهدف في المرة المقبلة عملية اقتراع الناخبين في الثامن من تشرين الثاني من خلال قرصنة الداتا الانتخابية والعبث بنتائج الانتخابات الرئاسية.
مشاركة :