«جلسات بورتريه» يطرح تساؤلات وجودية حول ملامح الوقت

  • 9/16/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

دبي: زكية كردي اثنتان وعشرون لوحة لوجه واحد، لا تشبه إحداها الأخرى، لا تفاصيل ندقق بها هنا، إلا تلك التي تركتها الموهبة البدائية لفنان غير محترف، باع جزءاً من وقته للفنان فيكرام ديفيشا، بمبلغ 150 درهماً، فجاء هذا الوقت طويلاً تارة، ليروي عطش البياض إلى حرارة اللون، وإلى جمال الفكرة، أو منكمشاً حد استبدال الرسم بعبارة تسمي اللوحة فقط، وما بين هذا وذاك نستعرض تجارب عديدة للوحات، لم يسعفها الوقت لتكتمل، وكأن القدر كتب لها أن تولد مبتورة الأطراف لتعبر عن تلك النظرية التي وضعها الفنان وراح يبحث عن فنانين غير متخصصين، ليساعدوه في وضعها، طارحاً الأسئلة الوجودية عن الفن، القيمة، الوقت، المال، وعن تلك المواهب الفنية الكامنة في الشارع، في الحدائق، وفي كل مكان، حيث راح ينقب عنها في الطبقات الاجتماعية المختلفة، ليرصد مدى اختلاف قيمة الوقت المقرون بهذه المتغيرات، وليفاجئنا بالتنوع الفني الذي قدمه المعرض جلسات بورتريه. الفكرة التي استوقفتها في المعرض، هي التركيز على أهمية الوقت لتقديم عمل فني مبدع، وأيضاً القدرة الكبيرة للفن على إذابة الحدود والفوارق الاجتماعية، وتضيف ذهابية موتيوالا، مديرة الاتصالات في قنوات أو إس إن، أن تنوع الأعمال المعروضة والأساليب الفنية، أكبر دليل على أن الإبداع البشري، قادر على إنتاج صور مختلفة للشخص نفسه، أو الشيء في الوقت نفسه، بدليل أن ليس هناك لوحة تشبه الأخرى، فلكل لوحة خصوصيتها وجماليتها. وتؤكد أن أهمية المعرض تأتي من فكرة ربط الفن بالمجتمع، ليقبل الناس على حضور المعارض الفنية.ومن المعتاد أن تكون المعارض الفنية نتاج عمل أناس محترفين، لكن من الرائع أن يشارك أشخاص هواة لا علاقة لهم بالفن، بتشكيل معرض فني متكامل، ليخرجوا الفنان الذي في داخلهم، في رأي وودمان تايلور، أستاذ قسم التواصل البصري في الجامعة الأمريكية بدبي، الذي يقول: أكثر ما أعجبني أن كلاً منهم قدم البورتريه نفسه بطريقة مختلفة تماماً عن الآخر. ويشير إلى أن فكرة الفن مقابل الوقت، تستدعي الوقوف أمامها، إذ إن التركيز هنا على جزئية الوقت، الذي يلعب دوراً أساسياً في العمل الفني.وعما جذبها لحضور المعرض، تخبرنا رانيا جشي، فنانة تشكيلية، أن معرفتها بعمق الأعمال التي يقدمها الفنان فيكرام ديفيشا، هو العامل الأهم، فمعظم أعماله تتعلق عادة بأبحاث معينة، وفكرة التواصل مع أشخاص هواة، أو فنانين مبتدئين من خلفيات ثقافية متباينة، لينفذوا بورتريه له مقابل عملية حسابية، تعتمد على ثنائية الوقت والمال، ليقوم كل منهم بوضع تصوره للمبلغ الذي يستحقه وقته، ولهذا نرى أن هناك العديد من اللوحات غير المكتملة، مقابل أن هناك من قدم 9 ساعات عمل مقابل 150 درهماً فقط، لكن الفكرة في حد ذاتها تدعو للتفاؤل، كما تدعو إلى التساؤل عن قيمة العمل الفني وأهميته. إضافة إلى طرحه نظرية مهمة جداً في مجتمعنا المعاصر تتناول ثلاثية الوقت، المال، الفن، وأيضاً تساؤلاً مهماً عن مدى تقدير المجتمع للفن.ويبدو الفنان الياباني يوكي متحمساً لفكرة اكتشاف قدرات الأشخاص العاديين، أولئك الذين يتمتعون بالموهبة الفطرية، التي لم تصقل بعد. يقول: الكثير منهم لديه استعداد لتطوير هذه الموهبة، وتقديم عمل فني ناضج ومكتمل، إذا اهتم بالأمر، وحصل على بعض الإرشادات التي تساعده من الفنان صاحب المشروع.وعن سبب حماس معرض تشكيل لفكرة المعرض يخبرنا سليم أحمد، منظم برنامج التصميم في تشكيل، موضحاً أن فكرة قياس الفن بالمادة تنطوي على الكثير من الجرأة، وهي أشبه بمواجهة ما بين العالم الحالم والمثالي والجميل للفنان مع الواقع، الذي يفرض أرقامه كل يوم، على عقارب الساعة، وأوراق العملة. وعن اللوحات الـ 22 المشاركة في المعرض، يقول: هناك لوحات من الواضح أنها استغرقت ساعات عدة، وهناك لوحات لم يكملها أصحابها، لكن اللوحة الأكثر غرابة، تلك التي كتب عليها صاحبها هذا بورتريه للفنان فيكرام ديفيشا، ولم يرسم شيئاً، إذ يبدو أنه قدر قيمة هذا المبلغ في أقل من دقيقة من وقته.فكرة المشروع تقوم على التواصل مع فنانين غير محترفين، ليقوموا برسم صورة شخصية للفنان "فيكرام ديفيشا"، مقابل 150 درهماً فقط، فاتحة الأبواب أمام جميع الاحتمالات التي قد تضعها نظرية الوقت، مقابل المال، فيسألهم في كل مرة: كم تعطونني من الوقت مقابل 150 درهماً؟، منتظراً المنتج الإبداعي الذي سوف يقدم له بهذا المبلغ. ويقول فيكرام ديفيشا: من خلال عملي مع قطاعات مختلفة، أتواصل مع أناس من خلفيات اجتماعية وثقافية مختلفة، ولهذا فكرت أن أدعهم يشاركونني في العمل الفني من خلال هذه الفكرة. وعن هدفه من هذا المشروع الذي مازال قائماً حسب قوله، يوضح أن عدة أهداف، أهمها طرح الأسئلة حول مفاهيم الفن، الوقت، المال، القيمة، وكذلك إشراك أناس لا علاقة لهم بالفن في العملية الفنية. 150 درهماً لشراء الوقت بدأ العمل بمشروع الرسم جلسات بورتريه في 26 يوليو/تموز 2016، وسوف يستمر حتى نهاية المعرض في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2016، حيث قام ديفيشا بدعوة طيف واسع من الرسامين غير المحترفين، بحسب وصفه، ليكونوا فنانين في برنامجه، ويرسموا صورته، وتم تقدير المدة الزمنية لكل جلسة رسم بالمدة الزمنية التي يمكن لمبلغ 150 درهماً أن يشتريها، بحسب المعدل الاحترافي لكل فنان، وذلك مع الأخذ بالاعتبار خبرة ديفيشا في دفع هذا المبلغ للعمال كأجر عمل يومي لمدة 9 ساعات، والتي تم استخدامها كوحدة أساس لهذا المشروع. ويتمحور معطى المشروع حول سؤال: ما هي المدة الزمنية الاحترافية القياسية التي يمكن لمبلغ 150 درهماً أن يشتريها من الأفراد العاملين في الإمارات العربية المتحدة، ضمن مختلف الطبقات المهنية والاقتصادية؟ ومن خلال تزويد المشاركين بورق قماش مطبوع 65 سم 50 سم، وألوان أكريليك، وفرش وجميع المستلزمات الضرورية من المتجر الفني الخاص بمركز تشكيل، سيكون ديفيشا هو النموذج الوحيد المقدم للرسم خلال الجلسات، وسيتم اعتبار مجموعة الرسومات كعمل واحد، سيعرض من دون ذكر الفنانين الذين وقعوا عقداً للعمل مع ديفيشا في هذا المشروع، والذين سيدفع لهم مبلغ 150 درهماً مقابل عملهم.

مشاركة :