الوحدة الوطنية خط أحمر

  • 2/21/2014
  • 00:00
  • 25
  • 0
  • 0
news-picture

ما إن ننتقل إلى بعض دول الجوار حتى نرى ونلمس الضرر الهائل الذي أحدثه تبني النهج الطائفي في التعامل مع شريك الوطن. الشروخ التي ظهرت على التركيبة الاجتماعية لتلك الدول، التي أدت في مرحلة متقدمة منها إلى تصدع بناء الوطن الواحد، حدثت حينما بدأت الذات الجمعية خصومة بين مكوناتها الطائفية والمذهبية والمناطقية وانحازت كل منها إلى إرادة سياسية معينة تُدار وتوجه من المكاتب والغرف المكيفة، من الداخل والخارج. التعدد المجتمعي والتنوع الطائفي والمذهبي والعرقي سمة من سمات المجتمعات البشرية وقد كانت هذه السمة المجتمعية، على مر التاريخ، العلامة الفارقة والمميزة التي تؤكد على استقرار الدول الناشئ أساساً من سيادة مبدأ التسامح المجتمعي وقبول الآخر وانتماء الجميع إلى الكيان الواحد الذي يضمهم. لعل هناك من يعتقد باستحالة اجتماع الطوائف المختلفة تحت سماء الوطن الواحد ويدلل على ذلك بالأحداث في تلك الدول، ليس بوصفها نتيجة تبني منهج معين، بل على أساس أنها واقع لا مفر منه. هنا تكمن مغالطة خطيرة يجب الانتباه لها جيداً. التنوع الطائفي والمذهبي والعقدي ليس جديداً في تاريخنا الإسلامي ومع ذلك لم نسمع أو نقرأ على مدى التاريخ أن المسلمين قد هاجموا الأقباط وقتلوهم منذ فتح مصر، ولكننا سمعنا وقرأنا وشاهدنا عملاً مماثلاً من هذا الطرف أو ذاك في العقود الماضية. لن أستغرب أن يحدث العكس لفساد المعتقد، ولكن أن يحدث ذلك من أصحاب العقيدة الصحيحة فهذا مؤشر يؤكد أن الخلل ليس أصلياً بل مستحدثاً. هل ما زال هناك من يشكك في هذا الأمر! لا بأس، دعونا نأخذ مثالاً آخر حيث لا يوجد في الكيان الحاضن أي طوائف أو أعراق أو مذاهب كالصومال مثلاً التي تعاني صراعاً مسلحاً بين مختلف الفرقاء يثور ويهدأ من وقت لآخر. النتيجة واحدة، بل مؤكدة وهي أن جميع ما نراه من صراعات طائفية هي صراعات مستحدثة وتقوم نتيجة تدخلات سياسية خارجية لصناعة مخالب في الداخل وتفتيت المجتمع على المدى القريب. إن فقدان القيم والمبادئ التي تنظم العلاقات بين مكونات المجتمع الواحد تؤدي إلى تباعد المسافات بين الأوطان من ناحية ومكونات مجتمعاتها من ناحية أخرى. ولا شك أن على رأس منظومة القيم في المجتمع المسلم هو الدين الإسلامي الذي يحث على الوحدة وعدم التشرذم. هذه القيمة لا يختلف اثنان حول أهميتها وقدرتها على حفظ السلم الاجتماعي وقد أُشبعت الصحائف حديثاً عنها وعن أهميتها للتماسك المجتمعي وارتباط الطوائف المختلفة ببعضها وبالكيان الحاضن لها على حد سواء. مكمن الخطر هو في استغلال هذه القيمة وإساءة تفسير وتأويل جزيئياتها وتفصيلاتها وتحويلها إلى أدوات لصراع سياسي يستفيد منه الخارج على حساب الداخل وأمنه ووحدته. السعودية ولله الحمد ما زالت، وستظل بمشيئة الله، بعيدة عن خطر التشظي الناتج عن الاختلافات المذهبية لأن هذا المجتمع نشأ أهله على التنوع المذهبي وعاشوا عقوداً طويلة في تناغم كامل ووئام مذهبي وطائفي. إنما في ضوء وجود أكثر من ألف كيلومتر في كل من الحد الشمالي والجنوبي، وفي ضوء إمساك إيران بتلابيب العراق ونجاحها الكبير في خلق فتنة طائفية لم تهدأ حتى اللحظة، وفي ضوء دعم إحدى الجارات لحوثي اليمن والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، فنحن في حاجة ماسة أن نتعامل مع واقعنا المجتمعي بما تتطلبه هذه المرحلة الحساسة. الموضوع شائك ولا شك، ولكن من الأهمية بمكان ضرورة التأكيد على أن دولتين على الأقل تعمل منذ سنوات على خلخلة السّلْم الاجتماعي السعودي ومحاولة خلق حالة من الوهن الداخلي باستخدام جميع الوسائل المتاحة لبذر الخلاف على أكثر من صعيد اجتماعي. لذا فنحن في حاجة ماسة إلى تناول الآلية التي تتبعها الدولتان المشار إليهما واللتان نصبتا نفسيهما كأوصياء على الدول العربية فتتدخل إحداهما بحجة دعم الأقليات بينما تسحقهم لديها، وتتدخل الأخرى بحجة الحريات وتسجن الشعراء وتسحب جنسيات مواطنيها. ولعل من المهم هنا الإشارة إلى أن الاختلاف الظاهري بينهما لا يعني عدم اتفاقهما على الهدف واستخدام نفس الآلية ونفس طريقة اللعب على نقاط التماس الطائفي قدر الإمكان واستخدام الفضائيات والوعاظ من الطائفتين الأكبر في عالمنا الإسلامي والعربي والخليجي على وجه الخصوص. وفيما تقوم إيران ومنظروها باستدعاء المظلوميات التاريخية وتشجيع الرعاع والعامة على الفوضى لتمهيد الأرض لقدوم الغائب المنتظر، تقوم الجارة بدعم التنظيم الدولي الذي بدوره يتلاعب بحلم الخلافة الإسلامية ويجيش العامة لهذا الأمر. هذه الخطوط العريضة التي يتم بواسطتها عملية الشحن الجمعي ولنأخذ معركة القصير كمثال يوضح ذلك خاصة وأن هذه المعركة تعارضت فيها مصالح الدولتين مع اتفاق آلتيهما، ففي الوقت الذي استدعت فيه إيران مظلومية زينب وحشدت لذلك طائفتها من لبنان والعراق وإيران تولت الجارة وأبواقها تحريض الشباب العربي والدفع به إلى أتون المعركة بالربط بينها وبين وقائع ونبوءات معينة. بينما الحقيقة المُرة التي لا يريد المغرر بهم من الطائفتين الالتفات إليها أن القصير هي نقطة التقاء خطوط الغاز الروسية الإيرانية القطرية ومن يسيطر عليها تكون له اليد العليا في سوريا المستقبل، ولا علاقة للأمر بتمهيد الأرض للغائب المنتظر أو للدفاع عن زينب أو لإنشاء الخلافة، على الإطلاق. من خلال هذا المثال الواقعي والحقيقي يمكن استيعاب أبعاد اللعبة الطائفية واستحداثها بل وخلقها في نقاط عديدة من عالمنا العربي. نحن لسنا استثناءً من العالم العربي بل لعل مسألة استهداف اللحمة المجتمعية واضح جداً منذ منتصف التسعينات وازداد حدة بعد الفوضى التي عمت بعض الدول العربية كما اشتد الأمر بعد سقوط الحكم الإخواني في مصر. ولعل من حسن حظنا أننا مجتمع يعي تماماً أن التناحر والشقاق هو بداية لكل الشرور ولذلك تجد بعض القوى صعوبة بالغة في إيجاد منفذ مجتمعي للتغلغل من خلاله. وتبقى الحاجة ماسة في هذا الظرف إلى سن قوانين صارمة، أو تطبيقها بصرامة في حال وجودها، تمنع تكفير المعين وتعاقب عليه أياً كان مصدره وتمنع استغلال الفضاء لإثارة الفتنة داخل المجتمع، مع كفالة حق الرد على الرسائل القادمة من الخارج. ولا شك كذلك أن دور الإعلام والمثقفين وعلماء الطائفتين الحث على الانتماء والولاء للرابط المشترك بين الطائفتين والمتمثل في الوطن الواحد بوصفه الكيان الحاضن والجامع لأي مشتركات بينهما. الوحدة الوطنية خط أحمر وهي فوق كل الاعتبارات فالنماذج التي نراها في عالمنا العربي تتطلب منا جميعاً أن نضع نصب أعيننا مستقبل هذا الوطن الذي يتعرض لهجمة شرسة وغير مسبوقة. وليس لدي شك في أن الغالبية الساحقة تعي ذلك تماماً ولا عبرة بأفراد هنا أو هناك لا يمثلون إلا أنفسهم ومن يدفعهم لممارسات طائشة غير محسوبة، قد تحدث ذات يوم لا سمح الله.

مشاركة :