وكأن الكويت تنقصها المشاكل، فخرجت علينا سرقة الشعب للحكومة أو رشوة الحكومة للشعب، بعنوان «العلاج في الخارج». ولأهمية الموضوع وخطورته، رأيت أن أنقل لكم مقالة مهمة جدا للدكتور يوسف بهبهاني، ابن الكار، ومن داخل الجسد الصحي (مع بعض التصرف): «... في العادة يقصد المريض دولة أخرى للعلاج لأسباب عدة، منها سوء الخدمات أو قوائم الانتظار الطويلة أو ارتفاع تكلفة العلاج في بلده الأصلي، وهذه أمور مقبولة ومفهومة، حيث يتحمل المريض عناء وتكلفة السفر طلباً لعلاج أفضل أو أسرع. لكن الظاهرة التي نتكلم عنها هنا مختلفة، حيث ترسل الدولة مرضاها على نفقتها للعلاج. وهذا أمر يحدث أحيانا في بعض الدول من باب الاستثناء لا القاعدة، ويُقابل عادة بتذمر شديد من الرأي العام كونه يعني اعترافاً ضمنيا بفشل النظام الصحي في الدولة. ففي بريطانيا مثلاً، تعاقدت الحكومة مع بعض المستشفيات الفرنسية والألمانية لعلاج بعض الحالات المحددة، كعمليات تبديل المفاصل بسبب الضغط الهائل عليها، وقوائم الانتظار الطويلة في بريطانيا، وقد قوبلت هذه الخطوة بامتعاض شديد في الشارع البريطاني، حيث اعتبر ذلك فشلاً للنظام الصحي. وكذلك الحال في جمهورية أيرلندا التي لديها خطة للعلاج في الخارج على نفقة الدولة (ميزانيتها 7 مليون يورو فقط سنوياً)، لكن رغم هذه الميزانية المتواضعة وصف بعض السياسيين الأمر بالفضيحة. إرسال المرضى للعلاج في الخارج على نفقة الدولة، لا يخلو من مساوئ إلى جانب التكاليف الباهظة: منها أن يقلل الخبرة التراكمية للكادر الطبي الوطني، ويفقد المريض ميزة الرعاية المستديمة مع طبيبه، والأَمَرْ من ذلك، زعزعة ثقة الناس بالنظام الصحي الوطني، وهذا بالذات له نتائج كارثية مستقبلية لا يمكن محوها بجرة قلم في قرار وزاري. ناهيك عن نقل رؤوس الأموال للخارج وعدم استثمارها في تطوير النظام الصحي في البلد، فضلاً عن تحميل الدولة عبء تكاليف مهولة أصبحت تفوق طاقتها. وما دمنا تكلمنا عن التكلفة، فلنتأمل الأرقام التالية: بلغت ميزانية العلاج في الخارج في أوجها في البحرين، 20 مليون دينار كويتي في السنة، بينما بلغت في السعودية ما يعادل 80 مليون دينار كويتي في السنة، لعلاج أقل من 5000 مريض. أما في الكويت، ففي سنة 2011 كانت ميزانية العلاج في الخارج 175 مليون دينار سنويا (14 في المئة إجمالي ميزانية وزارة الصحة)، قفزت في السنوات التالية لتصل إلى 240 مليوناً (2012) ومن ثم إلى 441 مليوناً (2014) وهو ما يعادل ربع الإنفاق الحكومي على الصحة. هذا يعني أن بإمكاننا بهذا المبلغ، بناء نسخة من مستشفى جابر (مع السرقات) كل شهرين، ودار أوبرا كل شهر ونصف الشهر، وبناء مركز سرطان جديد كل شهر، وبرجين كالحمراء كل شهر و3 مطارات مساندة كل شهر، و33 مركزاً ضخماً لغسيل الكلى كالمركز الذي أعمل فيه كل يوم! ولمحبي «الكاش» يمكننا القول أنه لو وزعنا مصروف العلاج في الخارج (الذي يصرف على 2 في المئة من الشعب) على جميع المواطنين بالتساوي، فنصيب كل مواطن 135 ديناراً شهريا عداً ونقداً! وأخيرا وليس آخراً، فإن ما تنفقه الدولة على العلاج في الخارج في شهر واحد يفوق ما ستجنيه من الزيادة الجائرة على البنزين في سنة كاملة! مشكورين يا نواب على إنجازاتكم! hasabba@
مشاركة :