تتابع الفلسطينية عبير أبو يوسف بقلق وتوتر تطورات الحالة الصحية لطفلها عبد الله المصاب بالفشل الكلوي بعد خضوعه للعلاج في أحد مستشفيات دولة الإمارات العربية المتحدة. وتتواصل أبو يوسف مع طفلها وأطبائه عبر تطبيق ((واتساب)) لتطمئن على صحة نجلها وإن كان بدأ يتجاوب مع العلاج الذي يتلقاه. وتقول أبو يوسف، وهي أم لأربعة أبناء، لوكالة أنباء ((شينخوا)) "لا أستطيع تمالك نفسي وأنا أتابع حالة طفلي بينما تفرق بيننا مسافات بعيدة ولا يمكنني أن أتواجد معه في هذه الأوقات الصعبة". وتضيف أن طفلها "بحاجة لي ولا أحد يمكنه أن يعرف ما هي متطلباته الشخصية ولا كيفية التعامل معه .. إنهم (السلطات الإسرائيلية) اقتلعوا روحي من جسدي بعدما أجبروني على ترك طفلي يسافر بدوني للعلاج". وقبل الحرب الإسرائيلية على القطاع في السابع من أكتوبر 2023 كان يعاني عبد الله من الفشل الكلوي، ويخضع لجلسات غسيل الكلى ثلاث مرات أسبوعيا. ولكن منذ بدء الحرب، أصبح يعاني بسبب تدهور الوضع الصحي والمستشفيات في القطاع الساحلي بالإضافة إلى انخفاض عدد الجلسات الأسبوعية لتقتصر على واحدة فقط. وتشرح والدته "تدهورت صحة طفلي فبعد أن كان يعاني من الفشل الكلوي فقط أصبح يعاني من سوء التغذية الذي أثر بشكل كبير على صحته العامة وتم إدراجه ضمن قائمة المرضى الأكثر إلحاحا للسفر لإنقاذ حياته". وتمضى قائلة "كنت أموت في اليوم مائة مرة بسبب تدهور حالته وعدم قدرتي على تقديم أي مساعدة له، ولكنني تمسكت ببريق أمل أخيرا بعد أن تم إبلاغنا من وزارة الصحة بأن عبد الله سيسافر للعلاج بالخارج". ولكن لم تأت الرياح بما تشتهي السفن، تشتكي أبو يوسف خاصة وأن السلطات الإسرائيلية رفضت مرافقتها لطفلها بعد إجراء "الفحص الأمني". وتقول "صدمت عندما تم إبلاغي بالرفض .. لا أعرف ما هو السبب أنا مواطنة مدنية ولا علاقة لي بأي نشاط سياسي أو حتى عسكري .. ومع ذلك، لم أكن أمتلك رفاهية الخيار فحياة طفلي بخطر وقبلت أخيرا بأن ترافقه شقيقته رغم صغر سنها وأنها لم تتجاوز الـ 13 عاما". وودعت أبو يوسف طفليها بدموع تملؤها الحسرة والخوف والقلق والأمل في الوقت ذاته يوم الثلاثاء الماضي عند بوابة المستشفى الأوروبي في مدينة خان يونس جنوب القطاع قبيل انطلاقهما باتجاه معبر (كرم أبو سالم/ كيرم شالوم) للسفر إلى الإمارات. وتضيف "ابنتي صغيرة ولا تعرف ما هي احتياجات أخيها وأنا أشفق عليها لأنها مجبرة على تحمل مسؤولية شقيقها، ولكن ليس أمامنا أي خيار آخر .. أنا خائفة عليهما الاثنين وآمل أن يجدا من يهتم بهما". وسمحت إسرائيل يوم الثلاثاء الماضي بمغادرة 127 مريضا ومرافقا معظمهم من الأطفال لتلقي العلاج في الإمارات بالتنسيق مع منظمة الصحة العالمية، وفقا لبيان صادر عن منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية. ويحتاج السفر إلى الخارج لتلقي العلاج من غزة فحصا أمنيا إسرائيليا، وهو ما كان يزيد من صعوبة العملية، إلا أنه بعد الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة منذ أكثر من 14 شهرا أصبح الأمر أكثر صعوبة. ومنذ السابع من أكتوبر 2023، تنخرط المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل في حرب دامية أودت بحياة 45 ألف فلسطيني في قطاع غزة ودمار غير مسبوق. وبدأت الحرب بعد أن شنت حماس هجوما مباغتا على بلدات ومواقع عسكرية جنوب إسرائيل أودى بحياة 1200 شخص واحتجاز رهائن. ولم يختلف الأمر كثيرا لدى عائلة الطفل فايز أبو كويك (5 أعوام) التي رفضت إسرائيل مرافقة أحد والديه معه أثناء رحلة علاجه من مرض السرطان. وقالت كاملة أبو كويك والدة فايز إن السلطات الإسرائيلية رفضت "طلبي وطلب زوجي في مرافقة ابننا للعلاج بالخارج أكثر من مرة، لذلك رافقته جدته". وتقول الأم بنبرة حزينة "لا أعلم كيف سأقضي الفترة التي سيكون فيها فايز يتلقى العلاج بعيدا عني"، مضيفة بصوت مختنق "لم يعد للحياة لون ولا للأكل طعم وأنا أعد الأيام في انتظار عودة ابني إلى حضني". ولم يصدر أي تعليق فوري من قبل الجيش الإسرائيلي على منع إصدار تصاريح في كثير من الأحيان لمرافقي المرضى. ويوجد أكثر من 28 ألف مريض ومصاب يحتاجون إلى العلاج بالخارج لعدم توفر الأدوية في القطاع، من بينهم مئات الأطفال، بحسب مدير عام المستشفيات في القطاع محمد زقوت. وقال زقوت لوكالة أنباء ((شينخوا)) "يواجه المرضى خطر الموت الحقيقي بسبب انهيار القطاع الصحي نتيجة للاستهداف المباشر على المستشفيات والمراكز الطبية وتدمير غالبيتها من قبل الجيش الإسرائيلي". ولم يقتصر الأمر على ذلك، فمع بدء الحرب لم يتمكن غالبية الفلسطينيين العالقين في البلدان العربية والأجنبية وحتى مصر من العودة إلى قطاع غزة وخاصة بعدما سيطر الجيش الإسرائيلي على معبر رفح في مايو الماضي وإغلاق المعبر. ويقول وليد عدوان، وهو فلسطيني عالق مع زوجته في مصر بسبب الحرب على غزة، إنه لم يكن يتوقع يوما أن يبتعد عن أبنائه الستة كل هذه الفترة الزمنية. واندلعت الحرب بينما كان عدوان وزوجته في رحلة علاج في مصر وكان من المفترض عودتهما إلى قطاع غزة في 15 أكتوبر 2023، إلا أن حياتهما انقلبت رأسا على عقب بعد السابع من أكتوبر وأصبحا عالقين في مصر وبعيدين عن أبنائهما. ويضيف الرجل الخمسيني لـ ((شينخوا)) أنه يعيش حربا أصعب من حرب القصف والصواريخ وهو يجلس في مصر وحياة أبنائه معرضة للخطر في كل لحظة بسبب القصف الإسرائيلي "العنيف". ويتابع بنبرة حزينة "اضطر أبنائي للنزوح جنوبا إلى بيت جدهم في رفح في بداية الأمر، ومن ثم نزحوا مرة أخرى إلى منطقة مواصي خان يونس بسبب استمرار الحرب، وأنا لا يوجد بيدي حول ولا قوة في محاولة إخراجهم من غزة". ووفق المكتب الإعلامي الحكومي في غزة فإن 35,060 طفلا يعيشون بدون الوالدين أو بدون أحدهما.
مشاركة :