لا صوت يعلو فوق صوت التخوين!!

  • 2/22/2014
  • 00:00
  • 13
  • 0
  • 0
news-picture

في ظل أوضاع دولية ملتهبة وتوتر إقليمي بالغ وتحفز وقلق محلي من الأحداث المضطربة التي تدور قريبا جدا من حدودنا، وفي الوقت الذي نحن أحوج ما نكون فيه إلى مراجعة أوضاعنا الداخلية وتغيير الكثير من مظاهر القصور المزعجة ومواجهة الفساد الذي يوغر الصدور ويعطي الفرصة للآخرين للسخرية بنا والتهكم على حياتنا وواقعنا الذي نعيشه، وبدلا من حشد المجتمع ليكون على قلب رجل واحد وإزالة عوامل الفرقة والاصطفافات المتنوعة، نفاجئ ببعض المشايخ والإعلاميين ورؤساء تحرير الصحف والكتُّاب والمثقفين يشنون حملة منظمة جدا يبدأون هجوما سافرا ومتواصلا على بعض الرموز الفكرية والعلمية والدعوية بلا مقدمات ودون أي سبب واضح وبلا أدلة بينة، بل يمارسون هذا الهجوم الغريب في وقت خطير وبأسلوب مكشوف مع ممارسة للافتراءات والتخوين ورمي الاتهامات الباطلة. لمصلحة من يُخوّن أولئك الوطنيون ويُقصون وتُنفى عنهم الوطنية والانتماء لبلدهم؟ لمصلحة من يخسر الوطن أسماء أثبتت المواقف صدقهم وحدبهم وحرصهم على الوطن في مناسبات كثيرة وأزمات مختلفة؟ لمصلحة من يُهيّج محبوهم والمعترفون لهم بالفضل والعلم والصدق؟ لماذا يُسمح لمن يعتقد أن الوطن له لوحده ومن عداه لا يستحق المواطنة أن يصنف ويتهم ويقصي؟ هل المواطنة هي فهم فلان أو فلان فقط؟ أم أنها مفهوم كبير وقيم عليا ومظلة واسعة تضم تحتها كل أبناء الوطن بمختلف مناطقهم ورؤاهم المشروعة؟ هل يعقل أن يُلزم عشرون مليون سعودي بمفهوم فلان عن الوطنية ؟ هل يعقل أن يلزم مجتمع كامل بمذهب فقهي أو فكري أو دعوي واحد؟ غير معقول إطلاقا، هناك مذاهب فقهية وفكرية ودعوية أخرى معروفة ومشهورة، هناك تنوع وتباين واختلاف فطري بين الناس، هناك فوارق عقلية وعلمية واجتماعية بين شرائح المجتمع، هناك عادات ولهجات وعرقيات مختلفة. فهل من المنطق أن يُفرض على الناس قول واحد؟ لماذا يتبنى كثير من الكتبة ومن يسمون أنفسهم نخبا ومثقفين مبدأ الرأي الواحد والفكر الواحد؟ لماذا لكي يُثبت السعوديون وطنيتهم وإخلاصهم يجب أن يكونوا تبعا لرأي أو توجه واحد، لماذا يجب أن يكونوا نسخا كربونية من بعضهم البعض؟ ولا يحق لأحد أن يحيد قيد أنملة عن الرأي السائد أو الفكرة المألوفة، بل ويعتبر أي خروج عن النسخ المكررة شبهة وريبة ودليل هوى وإذكاء للفتنة. من الواضح جدا أن هناك ثقافة سائدة تجرّمك وتخوُّنك وتقصيك حين تقول رأيا أو تعبّر عن فكرة أو تقدم مشروعا مغايرا لما هو سائد. حينما تدعو لإصلاح خلل يشوه جمال وطنك أو يغير هويته أو يبدل قيمه أو يعطل تنميته أو يسرق ثرواته أو يهدم حاضره ومستقبله، هل أنت مخطيء أو مرجف أو خائن؟ عندما تطرح بنية صادقة رؤية مشروعة لا تعارض دينا ولا نظاما ولكنها رؤية ناقدة تتبنى نهجا إصلاحيا من أجل بلدك ومستقبله، هل هذا كفر؟ هل هذه خيانة للوطن؟ أبدا أنت لم تخن الوطن، أنت تثريه وترتقي به وتفتح آفاقا أوسع لمحبيه وتقر تنوعا منطقيا وفطريا وضروريا لبناء وطن يسع الجميع ويحتويهم ويقدر اختلافات أبنائه الطبيعية جدا. أتابع كتابات وأقوال بعض النخب الفكرية والإعلامية وبعض مجاهيل تويتر، فأرى تعديا مفجعا على قيم الحوار وسنة الاختلاف وتنوع المجتمع، إنهم يمارسون إرهابا فكريا منظما وصاخبا وخطيرا يصل إلى حد التخوين وإلقاء التهم المباشرة بالعمالة وعدم الولاء وفقدان الانتماء للوطن. الكثير من المتخصصين في الشريعة والسياسية والاقتصاد والإعلام والفكر والأدب يقدمون أطروحات وأفكار ورؤى للتغيير الإيجابي والإصلاح المشروع، يواجهون حربا ضروسا وعداء سافرا من قبل فئة تدَّعي حب الوطن، لا تسمح بالاختلاف ولا بالنقد ولا بتقديم الأفكار الجديدة ولا بتنوع الرؤى في شتى المجالات وتعتبر ذلك طعنا في الدولة وجهودها ولا يحق لأحد كائنا من كان أن يتعدى أو يفتئت على ولي الأمر، وهذا مالا يقبله عاقل ولا محب صادق لوطنه ، هذا التوجه الإقصائي هو الخطر الداهم والكارثة التي تهدد الوطن فعلا، لأن المستحيل ذاته هو أن تفترض في الدولة العصمة والكمال وعدم الخطأ أو النسيان أو التفريط، ثم تمنع من يحب وطنه أن يضع يده في يد وطنه ويقدم علاجا لمشكلاته المزمنة ومبادرات عملية ومشاريع إصلاحية هدفها صناعة وطن جميل وبلد رائع عظيم. لماذا لا نقبل النقد؟ لماذا لا نقبل التنوع؟ لماذا لا نختلف بأريحية عالية ونفسية مطمئنة وثقة كاملة بأن الحوار العلمي المرتبط بالأصلين العظيمين وفهمها وفق فهم علماء الأمة وربانييها في شتى أنحاء العالم الإسلامي، والمنضبط بالقيم الشرعية العليا والمفاهيم الأساسية للحياة الإنسانية لن يخرب أمننا ولن ينشر الفتنة بيننا ولن يشق عصا الطاعة أبدا. بل هو ما سيقوي صفنا ويعضد وحدتنا لأننا نختلف ونحن نعترف ببعضنا ونحترم بعضنا ونعيش في بلد واحد وتحت سقف واحد ولأننا نختلف تحت ضوء الشمس وليس بعيدا عن العين أو في السراديب المظلمة التي تؤدي إلى التطرف والشذوذ الفكري وغير الفكري. تواصل

مشاركة :