لا صوت يعلو فوق صوت الطائفة

  • 7/9/2014
  • 00:00
  • 24
  • 0
  • 0
news-picture

حين تتأمل فيما يحدث في أجزاء كبيرة من العالم العربي الآن منذ اندلاع ما يسمى بالربيع العربي الذي تبين للأسف الشديد، ومما هو ظاهر حتى الآن، أنه «كان وهمًا من خيالٍ فهوى» كما يقول ناجي في أطلاله، فلا بد أن مشاعر الحزن والغضب وربما اليأس ستنتابك وتعتمل في نفسك وتنيخ بكلكلها عليك، وليس ذلك من دون مبرر أو مبررات كثيرة ستحتار في تعدادها وترتيبها، من حيث مقدار الأسى الذي تثيره والجراح التي تنكؤها، والمآلات والمصائر الكارثية التي تنذر بها. لقد أخرج هذا الربيع المزعوم أقبح ما فينا، وأطلق كتائب من الإنس من قماقمها لتصول وتجول في فضاءاتنا وفي أطباق أراضينا، موقظة ما ظننا أو أوهمنا أنفسنا أنه قد اضمحل وتضاءل وخمد من مفاعلات الكراهية والحقد والاستعداد للذهاب في شوط الاقتتال وإفناء «الآخر» إلى آخره. «الآخر»- ويا للسخرية الذي هو «نحن» لا غيرنا، بملامحنا وسحناتنا ولغتنا وأعرافنا وتقاليدنا وديننا ونبينا وقبلتنا. لا صوت يعلو فوق صوت الطائفة الآن، والشواهد والأدلة أكثر من أن تحصى. صارت الطائفية الآن مثل الشمس التي لا تحتاج إلى دليل، حتى صارت الكلمتان الأكثر ترددًا على الألسن وفي وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمشاهدة الآن هما: السنة والشيعة. وفي السنوات القليلة الماضية، تكاثرت مثل الفطر «السام»، القنوات الطائفية التي إن لم تناصب الطائفة الأخرى العداء جهارًا نهارًا، كما يقال، فإنها تكرس وتعمل على تعميق العزلة وتوسيع الهوة ما بين جناحي أمة آلت على نفسها ألا تغذ السير في طرق التنمية والعدالة والحرية والمعرفة، كأمم أخرى كانت قد وقعت في نفس المأزق وعانت من نفس المعضلة سنين طوالًا، لكنها في نهاية المطاف عقدت العزم على النهوض والخروج من وحل الاحتراب الطائفي، الذي ما زلنا نغوص فيه، وسنبقى كذلك إلى ما شاء الله. ولا شك في أن أحد أوجه الطائفية الأكثر قبحًا، تمثلت في بروز حركة داعش ذات المطامح التوسعية الأممية، التي جعلت من قتال وقتل «الروافض» كما تسميهم هدفًا أسمى لها، كما بتنا نعرف جميعًا. خرج علينا المحللون السياسيون بنظريات وتحليلات عدة ومتضاربة، حاولوا فيها تفسير بروز هذه الحركة البربرية الدموية، التي أثبتت «تفوقها» على مثيلاتها من الحركات المتشددة، في اقتراف الفظائع والأهوال التي تقشعر لها الأبدان. بعض أولئك المحللين رجّح أن تكون داعش قد طبخت وطُوّرت في مختبرات المخابرات الأمريكية، وبعضهم ألمح إلى أنها صنيعة المخابرات الإيرانية، وهناك من قال إن الرئيس السوري هو من يقف وراءها، ولم يستبعد بعضهم أن يكون رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي هو من يحركها. والحقيقة التي أميل لتصديقها هي أن داعش وأخواتها من الحركات الأصولية قد خرجت إلى السطح من قلب مجتمعاتنا، وكشفت عن وجهها القبيح بعد أن أصبحت الفرصة سانحة لها في ظل ضعف الحكومات المركزية نتيجة لثورات الربيع العربي، التي اجتاحت أرجاء واسعة من العالم العربي على امتداده في القارتين العتيقتين إفريقيا وآسيا. تلك الحكومات لم يخل بعضها من الاستبداد كما نعرف جميعًا، فهل سيأتي يوم نتحسر فيه على تلك الأنظمة المستبدة؟

مشاركة :