رؤية ابن حزم الأندلسي في انهيار ممالك الطوائف

  • 9/17/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

لم يشهد ابن حزم المتوفى سنة 456هـ/ 1063م الانهيار الواقعي لممالك الطوائف، وهو كان رافضاً هذه الممالك قياماً واستمراراً. وتركَّزت آراؤه في هذا الصدد في ثلاث نقاط بحسب ما ورَد في كتاب الدكتور عبدالرحيم شهاب «رؤية قيام وانهيار ممالك الطوائف عند مؤرخي الفترة من الأندلسيين». الأولى: الفساد الاقتصادي الذي عمَّ الأندلس بعد أن قامت هذه الممالك بفرض الضرائب واجتباء الأموال «بالعنف ظلماً وعدواناً بقطيع مضروب على جماجمهم كجزية اليهود والنصارى، فيحصل ذلك المال المأخوذ منهم بغير حق عند المتغلب عليهم، وقد صار ناراً، فيعطيه لمن اختصه لنفسه من الجند الذين استظهروا بهم على تقوية أمره وتمشية دولته، والقمع لمن خالفه، والغارة على رعية من خرج من طاعته أو رعية من دعاه إلى طاعته». الثانية غياب العصبية الدينية، فقد وجد ابن حزم ملوك الطوائف لا يعنيهم أمر دينهم، ولا صالح المسلمين؛ فالبعض منهم ولى أهل الذمة على المسلمين واتخذوا منهم وزراء دون المسلمين، والبعض الآخر يستعين بالنصارى في حروبهم ضد المسلمين، فأصبح كل واحد منهم همه الأول الحفاظ على ملكه بغض النظر عن مصالح الدين والناس. وهذا ما رأى فيه ابن حزم «نقض شرائع الإسلام وحل عراه عروة عروة، وإحداث دين جديد، والتخلي من الله عزَّ وجل، والله لو علموا أن في عبادة الصلبان تمشية أمورهم لبادروا إليها، فنحن نراهم يستمدون النصارى فيمكنوهم من حرم المسلمين وأبنائهم ورجالهم ويحملونهم أسارى إلى بلادهم، وربما أعطوا المدن والقلاع طوعاً فأخلوها من الإسلام، وعمَّروها بالنواقيس». الثالثة؛ سوء سياسة ملوك الطوائف. فقد رأى ابن حزم، بالإضافة إلى الفساد الاقتصادي وغياب العصبية الدينية، أن سياسة ملوك الطوائف سيئة للغاية، وأنها تجهل أمور الحكم ولوازمه الذي يستقيم بها حكمهم ويستقر من طريقها ملكهم، بل إن تماديهم في هذه السياسات الفاشلة والسيئة لن ينتهي إلا بانهيار هذه الممالك، وتتمثل هذه السياسات في الانشغال بجمع المال وبناء القصور». وهكذا أكَّد ابن حزم في النقاط السابقة الأسباب التي ستؤدي حتماً لانهيار هذه الممالك، وقد أوكلها جميعها إلى أفعال قام بها ملوك الطوائف، فهم بذلك يتحملون المسؤولية مضاعفة، عن فساد الأوضاع على المستويات كافة في الأندلس، وعن انهيار ممالكهم لجهلهم بأمور الحكم وكيفية الحفاظ عليه. كذلك فإن ابن حزم لم يفته نصح المسلمين في ما عليهم أن يفعلوه إزاء هؤلاء الملوك، حيث قال في رسالة «التلخيص لوجوه التخليص»، بأن الواجب على كل مسلم «ذم جميعهم، فمن عجز منا عن ذلك رجوت أن تكون التقية تسعه، وما أدري كيف هذا، فلو اجتمع كل من يذكر هذا بقلبه لما غلبوا... فأما الفرض الذي لا يسع أحد فيه تقية، فأن لا يعين ظالماً بيده ولا بلسانه، ولا أن يزين له فعله ويصوب شره، ويعاديهم بنيته ولسانه عند من يأمنه على نفسه». كما مثَّل الوعظ السياسي أهم جوانب رؤية ابن حزم، وكان لهذا الجانب تأثير لاحق بخاصة في نوع من الكتابة السياسية يسمى «الآداب السلطانية»، وهي «كتابات تقوم في أساسها على مبدأ «نصيحة» أولي الأمر في تسيير شؤون سلطتهم، إذ تتضمن موادها مجموعة هائلة من النصائح الأخلاقية والقواعد السلوكية الواجب على الحاكم اتباعها لتقوية السلطة ودوام الملك. وأول المتأثرين بابن حزم في هذا الجانب كان الفقيه أبو بكر محمد بن الوليد الطرطوشي (ت 520هـ) مؤلف كتاب «سراج الملوك»، ثم أبو عبدالله بن الأزرق (ت 892هـ) في كتابه «بدائع السلك في طبائع الملك»، وأبو القاسم بن رضوان (ت 782هـ) في كتابه «الشهب اللامعة في السياسة النافعة». ويؤكد عبدالرحيم شهاب أن كتاب «الإمامة والسياسة لابن حزم»، لم يخرج عما رصده في رؤية ابن حزم لقيام وانهيار ممالك الطوائف، والتي ألقت الضوء على جوانب فكره السياسي.

مشاركة :