شيخوخة الخليل بحثاً عن شكل لقصيدة النثر العربية

  • 9/17/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

استعاد المشهد الشعري العربي المعاصر النقاش الذي دار خلال الستينيات حول قصيدة النثر، وذلك بفعل اتجاه الأجيال الشعرية الجديدة عبر مختلف الأقطار العربية إلى مراكمة زخم قوي من التجارب والكتابات الشعرية الموسومة بكونها قصائد نثرية. ذلك ما يرصده الناقد المغربي محمد الصالحي في كتابه الجديد «شيخوخة الخليل.. بحثا عن شكل لقصيدة النثر العربية»، الصادر عن دار الهلال بالقاهرة، ويقع في 312 صفحة من القطع المتوسط. ويسعى محمد الصالحي فيما أمكن نحو تبديل موقع وآليات النظر إلى الموضوع لأجل الاقتراب من ممكنات الصياغة العلمية الملائمة للواقع الشعري لقصيدة النثر بدل الإبقاء على ترجيع الشعارات التنظيرية التي رسبها هذا التراكم الهائل. ويشير الصالحي إلى أن الباحث يصطدم في قصيدة النثر العربية بمعضلة تداخل بين أشكال أدبية أفرزتها المحاولات الإبداعية العربية الحديثة منذ ما سمى بعصر النهضة، أي منذ المحاولات الأولى لزعزعة الفواصل السمكية الموروثة بين الشعر والنثر. ففي زمن وجيز تجمعت في سلة النقد الشعري العربي مصطلحات مثل: «الشعر المنثور، القصيدة المنثورة، البيت المنثور، قصيدة النثر، النثيرة». ويقول المؤلف إن الذي يتأمل الدرس النقدي العربي الحديث حول الشعر سيلحظ الفوضى السائدة بسبب عدم تدقيق المصطلح أولا وبسبب عدم توحيده ثانيا. إن الباحث الذي يتناول قصيدة النثر في الشعر العربي الحديث ليجد من أولى أولوياته توضيح هذا المصطلح توضيحا شافيا. ويؤكد المؤلف أن القصيدة العربية شهدت في ظروف وجيزة من التغيرات ما لم تشهده طوال تاريخها فلم تكد قصيدة «التفعيلة» تبشر بإيقاعها الجديد الذي سيحرر في نظر أصحابها الشعر العربي من الرتابة الوزنية، حتى ظهرت قصيدة النثر أو القصيدة التي تدعي كونها نثرية. وأشار الصالحي إلى أن ظهور قصيدة النثر بشكلها الصارخ والهجومي في لحظة زمنية سمتها الاستعمار الغربي لبلدان العالم العربي وبلوغ الحركات الاستقلالية الوطنية أوجها، وفي لحظة كان الفكر العربي يتوزعه تياران هما الأصالة والمعاصرة. فكل ذلك جعل النقاش حول قصيدة النثر يحتد ويتخذ أبعادا لم يثرها أي نقاش عربي من ذي قبل، ذلك أن القيم العربية العامة لم تتغير جذريا حتى تتغير الأشكال الأدبية. ويؤكد المؤلف أن النقد العربي الذي رأى في قصيدة النثر عصيانا وشكلا غريبا رحب بقدوم الرواية والقصة القصيرة وهما شكلان غربيان ورأى في موت المقامة حدثا طبيعيا، كما لم ينتبه إلى كون الشعر التفعيلي ذاته فكرة غريبة. ويشير المؤلف إلى أنه من هنا تأتي الصعوبة الكبرى التي لقيتها القصيدة في الانضمام للحقل الشعري العربي والرفض الذي ووجهت به وهي وأصحابها، إذ لأول مرة في تاريخ الشعر العربي سيرفض نص وتجارب. ويؤكد المؤلف أن ذلك سهل عملية الهجوم على قصيدة النثر والمناداة بوأدها، ودفع النقاد الأكثر اعتدالا إلى تقديم النصيحة لأصحابها بالبحث عن الشعر في مظانه لأنهم أخطؤوا الطريق! ويشير الصالحي إلى أن هذا المصطلح المركب «قصيدة النثر» زاد من صعوبة تقبل هذا النص لا يمكن فهمه إلا في ضوء الحيثيات السابقة لأن صفة النثرية هنا تحمل حكم قيمة وتستدعي على الفور النص المضاد، أي «قصيدة الشعر». ورغم أن شعراء «قصيدة النثر» عربيا، هم أول من استعمل هذه التسمية وكتبوا تنظيراتهم الساخنة، فإن أعداء الشكل الجديد سرعان ما سيستغلونها «التسمية» للطعن فيه ومهاجمته. ويؤكد المؤلف، أن قصيدة النثر العربية لم تر النور إلا مع مجلة «شعر» التي أشاعت المصطلح وأوجدت كوكبة من الشعراء يكتبون نصوصا تحت يافطة قصيدة النثر. ويشير الصالحي إلى تأكيد ضرورة فحص قصيدة النثر في ضوء تجلياتها الإيقاعية التي هي الكفيلة وحدها بإيجاد شكل، وبالتالي الحد من الهجنة الإيقاعية السائدة التي ترى في كل كتابة تخالف السابق من الشعر «القصيدة التقليدية وشعر التفعيلة» شكلا وتيمة قصيدة نثرية. وأكد المؤلف أن فكرة إيجاد شكل لقصيدة النثر العربية وضرورة قراءتها بصفتها شعرا رغم تسميتها الملغزة جعلنا نتوقف طول البحث عند علائق الشعر بالنثر من كل الجوانب الممكنة والتي تلعب الدور الحاسم في تعيين النص. وأشار المؤلف إلى أن المرء إذا قال إن الخوض في قصيدة النثر معناه الخوض في الشعرية العربية منذ المهلل حتى اليوم مرورا بكل محطاتها الكبرى وما شهدته من إبدالات إيقاعية بارزة. ذلك أن قصيدة النثر باعتبارها قصيدة عربية لها ما للقصيدة العربية من خصائص إيقاعية شعرية تستدعي مقاربتها في ضوء ما لهذه القصيدة من مداميك إيقاعية مع تغيرات تفرضها الاستراتيجيات التي ينهض عليها إيقاع الشعر العربي بين مرحلة تاريخية وأخرى.;

مشاركة :