أورد المفكر وعالم اللسانيات الأمريكي نعوم تشوموسكي في كتابه قراصنة وأباطرة، قصة القرصان الذي وقع في أسر الإسكندر الأكبر الذي سأله كيف تجرؤ على ازعاج البحر؟ كيف تجرؤ على إزعاج العالم بأسره؟ فأجاب القرصان لأني أفعل ذلك بسفينة صغيرة فأدعى لصًا وأنت الذي يفعل ذلك بأسطول ضخم فتدعى إمبراطورًا. هذه هي قصة أمريكا مع العالم. ويضيف تشومسكي: إن جواب القرصان على الإمبراطور كان أنيقًا وممتازًا لأنه يلتقط بدقة العلاقة بين الولايات المتحدة ومختلف اللاعبين الصغار على مسرح الإرهاب الدولي. مشروع «قانون تطبيق العدالة على داعمي الإرهاب»، المعروف بـ «قانون جاستا» الذي أقره الكونجرس الأمريكي بمجلسيه النواب والشيوخ الذي يعد حدثًا غير مسبوق في تاريخ العلاقات الدولية في حال إقراره، حيث يعطي الحق للأفراد أن يقاضوا الدول، وقد خصص لتمكين الأفراد الأمريكيين من رفع دعاوى أمام المحاكم الأمريكية لمقاضاة دول يزعمون بأنها «ضالعة بالأعمال الإرهابية» وذلك في تجاوز لسياق قانوني آخر في التشريع الأمريكي منذ عام 1976، ويمنح الدول حصانة أمام المحاكم. ومن الواضح بأن أحداث 11 سبتمبر 2001 الإرهابية التي تعرضت لها الولايات المتحدة الأمريكية وأعلن تنظيم القاعدة مسؤوليته عنها، التي مرت الذكرى الخامسة عشرة عليها الأسبوع الفائت هي المعني بدرجة أساسية بهذا القانون، وعلى الرغم من أن لجنتي الاستخبارات بمجلسي الشيوخ والنواب، في «إعلان يوليو» أكدتا: إن «وكالات الاستخبارات الأمريكية لم تتمكّن من أن تثبت وجود صلات بين السلطات السعودية ومنفذي تلك الهجمات»، وأنها «تستبعد تورط جهات حكومية سعودية في تمويل تنظيم القاعدة» لكن هذا القانون سيكون بمنزلة سيف مسلط ووسيلة ابتزاز وأداة ضغط ضد المملكة التي هي بريئة مما يدعون، كما يستهدف إرضاء الناخب الأمريكي. هذا القانون في حال إقراره من شأنه إحداث فوضى في العلاقات الدولية والعلاقات ما بين الدول ذات السيادة والحصانة القانونية، وهو يسوغ صياغة تشريعات مضادة بحق جهات سياسية واقتصادية وعسكرية ومواطنين أو جنود أمريكيين في الخارج تتيح محاكمتهم في تلك الدول بناءً على تهم حقيقية أو وهمية.. من المعروف بأن المملكة من أوائل الدول التي عانت وطالها الإرهاب في عقر دارها، وقبل سنوات على أحداث 11 سبتمبر كما لعبت دورًا بارزًا في مواجهته واجتثاث خطره في الداخل والخارج. نستعيد هنا حديث نعوم تشوموسكي في كتابه «قراصنة وأباطرة» حيث سلط الضوء وعبر الأدلة والحقائق الموثقة على المعايير المزدوجة التي يلجأ إليها المسؤولون والإعلاميون الأمريكيون لدى مناقشتهم مفهوم «الإرهاب»، ويتجاهلون سياسة الغزو والسلب والنهب والابتزاز التي تقوم بها الولايات المتحدة وذلك تحت حجج حفظ النظام العالمي واستتباب السلم في العالم. هناك فارق كبير بين حجم وسعة تأثير التنظيمات والمجموعات الإرهابية على خطورتها، وبين إرهاب الدول وبخاصة الدول الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية. هل ننسى أن الولايات المتحدة الأمريكية هي أول من استخدم القنبلة النووية لضرب مدينتي هيروشيما ونجازاكي اليابانيتين في نهاية الحرب العالمية الثانية التي ذهب ضحيتها مئات الآلاف (قتلى وجرحى) من المدنيين اليابانيين. العلاقة بين الولايات المتحدة ودول أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي مرت بمراحل مختلفة من التوتر الذي يصل إلى حد التدخل السافر في الشؤون الداخلية لتلك الدول تجسيدًا لمبدأ مونرو سيئ الصيت الذي اعتبر القارة الجنوبية بمنزلة الفناء الخلفي لها، سواء عن طريق الغزو أو تدبير الانقلابات العسكرية وتغيير الحكومات المدنية المنتخبة بالقوة أو فرض الحصار والمقاطعة الاقتصادية والسياسية أو دعم حركات التمرد المناهضة في حال تعرض المصالح الأمريكية للخطر أو لدى بروز النزعات الوطنية والقومية ذات الطابع الاستقلالي في تلك البلدان، وهو ما حصل مع جواتيمالا والدومنيكان وكوبا ونيكاراجوا وهايتي وشيلي والسلفادور وفنزويلا وغيرها من بلدان القارة الأمريكية الجنوبية، وظلت الولايات المتحدة الأمريكية تحتفظ لأمد طويل بعلاقات وثيقة مع الأنظمة الديكتاتورية وجنرالات الجيش والأمن في معظم تلك الدول تحت يافطة التعاون المشترك في مكافحة الخطر اليساري. للحديث صلة
مشاركة :