رسالة محبة وسلام

  • 9/19/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

عبدالله السويجي بات الانفتاح السياسي والمجتمعي والديني والثقافي ضرورة من ضرورات العيش في عالمنا المعاصر، ناهيك عن أنه يناسب الطبيعة الإنسانية كي تحقق التعايش بين مختلف العقائد والمذاهب والتوجهات والأفكار. وبدأت مقولة أن العالم أصبح عبارة عن قرية صغيرة تتحقق على أرض الواقع، وتتجسد في علاقات الشعوب والحكومات والدول والمنظمات الحكومية وغير الحكومية، وقد دخلت هذه التوجهات والمفاهيم في المناهج التعليمية والتربوية في الدول المتقدمة، وتسعى الدول النامية إلى إدخالها في مناهجها، في سعي حثيث إلى تأسيس مستقبل مبني على تقبّل الآخر، وتفهّم عاداته وتقاليده وأعرافه وطقوسه في العبادات وأساليب عيشه، تكريساً لمبدأ حرية الاختيار، الذي يشكل أساساً وركيزة لحرية الفرد، ليس مجاراة للسائد، وإنما لحماية حرية الفرد والمجتمع. ومن يقف ضد هذا التوجه، على صعيد الأفراد أو المجموعات أو الشعوب أو الحكومات، سيجد نفسه يعاني عزلة اجتماعية وثقافية واقتصادية، تجعله على صدام مع الآخر، الأمر الذي سيخلق التوترات والصراعات التي قد تؤدي إلى حروب. ولو مارس البعض هذه العزلة كخيار فلسفي لهان الأمر، لكنه يمارسها من منطلق عدم تقبّل الآخر والنزوع إلى محاربته وإجباره على الأخذ بسياساته وعقائده، وهذا ما يفعله المتطرفون سياسياً ودينياً واجتماعياً، ويتخذون العنف والقتل والذبح والحرق والترهيب وسائل لإخضاع الآخرين بالقوة، مدّعين أنهم يمارسون حقاً إلهياً، وهذا الحق هو ما يجعل فئة من الناس تتبعهم، مستغلين جهلهم الفكري والديني، وأحياناً حاجاتهم المعيشية، وأحياناً خوفهم من البطش والتعذيب والقتل. ولا يكفي أن يتحول العالم إلى قرية صغيرة بسبب تكنولوجيا الاتصال المتطورة، التي أدت إلى انفجار معلوماتي كبير، فالتكنولوجيا وحدها لا تحقق الانسجام الفكري والتفاعل الثقافي والحضاري والإنساني والديني. واستناداً إلى هذه الحقيقة التي لا يختلف عليها اثنان، يبرز الحوار الحضاري كوسيلة لتحقيق الانسجام بين أبناء هذه القرية الصغيرة، ووضع الأسس المتينة التي تقود إلى الاتفاق على مواثيق تؤكد الاحترام المتبادل وتقبّل الآخر، ولا شك في أن التكنولوجيا الحديثة ستساهم مساهمة فعالة، بصفتها الحاملة للمحتوى، الذي من الضروري أن يتم توظيفه لصالح تطبيق التفاهمات والعيش المشترك بين أبناء الإنسانية جمعاء. دولة الإمارات العربية المتحدة لم تعد في حاجة إلى دلائل لتثبت توجهاتها الحضارية والإنسانية والثقافية، أو لتؤكد سياسات الانفتاح على الآخر. ومن يتحدث خلافاً لهذا، ليس عليه سوى القيام بزيارة الدولة، والاحتكاك بأكثر من مئتي جنسية تنحدر من شعوب تختلف في ثقافاتها وعاداتها وتقاليدها ودياناتها ومذاهبها ولغاتها، وليلمس على أرض الواقع، كيف أن هذه الفسيفساء الجميلة تشكل لوحة هادئة في حركة عناصرها ومكوناتها، كما تشكل شعلة نشاط لتنفيذ المشاريع وممارسة الأعمال في ظل قوانين تحمي حقوق العامل ورب العمل على حد سواء، وسيكتشف أن الجاليات تمارس خصوصياتها في مدارسها ونواديها وأماكن عباداتها، ويمارس كل فرد أسلوب العيش الذي يراه، في ظل أجواء يسودها التفاهم والاحترام، وفي ظل قوانين تنبذ العنصرية وتكافح الكراهية، وتحمي حقوق الطفل وتضمن له حياة سليمة، نفسياً وصحياً، وتكفل حق المرأة في العمل والاختيار، وتمكنها من المشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمشاركة في صنع القرار. ومن جانب آخر، سيلمس الزائر البنية التحتية المتطورة، والخدمات الذكية التي توفرها الحكومة لتخليص المعاملات بأقل جهد وأقل هدر للزمن، وتسعى دائماً إلى تحقيق النمو الشامل المستدام، وجعل التسامح أسلوب حياة. إن زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، لبابا الفاتيكان، قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، تأتي في وقت بالغ الدقة، لتعزيز قيم السلام والتعايش بين مختلف شعوب ومناطق العالم. فعالمنا اليوم يموج بالأفكار المتطرفة في المجتمعات كافة، وهناك من يشحن الناس والشعوب بأفكار عنصرية تدعو إلى الكراهية، وتنشط منظمات وأحزاب في دول العالم جميعها لبث أفكار لا تخدم الإنسانية ولا مبدأ التعايش بين الشعوب والدول، وهناك من يلجأ إلى العنف لتحقيق مآربه ونشر الأفكار العنصرية والشيطانية، وقد استطاعت هذه المجموعات المتعطشة للدم والقتل السيطرة على مساحات شاسعة في بعض الدول، كما أنها سيطرت على مساحات من عقول النساء البسيطات، وهذا ما يجعل التصدي لهذا الفكر اللا إنساني ضرورة عالمية، تشترك في جهود مكافحته الدول كافة دون استثناء، منعاً لانتشار وباء القتل والعنصرية والكراهية. لقد حرص صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان على أن تكون زيارته للفاتيكان شاملة ولا تقتصر على الزيارات الرسمية، فقد قام بزيارة مكتبة ومجمع متاحف الفاتيكان اللذين يضمان مجموعة المخطوطات والقطع والمقتنيات التاريخية، واللوحات والتحف الفنية الخاصة بالفاتيكان، كما تجول سموه والوفد المرافق في أجنحة متاحف الفاتيكان، واطلع على الزخارف والنقوش الفنية التي رسمها عدد من كبار الرسامين والفنانين في عصر النهضة، والمستوحاة من القصص التاريخية القديمة، حيث زينت جدران وأسقف المتاحف بمجموعة واسعة من الأعمال الفنية النادرة. وهذه الجولة تؤكد مبدأ التفاعل بين الثقافات والاطلاع على إبداعات الفنانين، وبهذا كانت زيارة سموه زيارة محبة وتسامح، نقل فيها سموه وجهة نظر الإمارات بشأن مبادئ العيش المشترك، وممارساتها وقوانينها للفاتيكان، هذه الدولة الصغيرة التي تمثل شريحة واسعة من الناس، وتلعب دوراً في نشر المحبة والدعوة إلى السلام والتعايش، والعمل مع هذه الدولة هو خطوة استراتيجية تؤسس لخطوات لاحقة، قد يقوم بعدها قداسة البابا فرنسيس بزيارة الإمارات، وتوقيع اتفاقيات تعود على الإنسانية بالخير والسلام. suwaiji@emirates.net.ae

مشاركة :