لم تكن الإشادات الأممية والدولية بجهود السعودية في مكافحة الإرهاب، سوى انعكاس للدور الكبير الذي لعبته الأجهزة الأمنية السعودية في اجتثاث الفكر المتطرف والقضاء على داعميه، ويأتي انعقاد الدورة السنوية العادية الـ«71» للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، بالتزامن مع مرور 21 عامًا على المواجهات المستمرة مع قوى الإرهاب التي وقف لها الأمن السعودي بالمرصاد، منذ أحداث العليا وسط الرياض في نوفمبر (تشرين الثاني) 1995. ومن المتوقع أن يتطرق الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز، ولي العهد السعودي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، في كلمة السعودية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة غدا، إلى قضايا تهم العالم والمنطقة، إضافة إلى جهود السعودية الدءوبة في مكافحة الإرهاب، وهي الجهود التي وجدت الثناء على المستويين المحلي والدولي. وذكر المستشار الأمني الدكتور أحمد الأنصاري لـ«الشرق الأوسط»، أن الرياض بدأت حربًا لا هوادة فيها ضد الإرهاب منذ «تفجيرات العليا» التي وقعت عام 1995، وما تبعها من تفجيرات الخبر الشهيرة قبل نحو 20 عامًا، مرورًا بالتفجيرات التي شهدتها ثلاثة مجمعات في الرياض عام 2003، ومحاولة الاغتيال الفاشلة للأمير محمد بن نايف في جدة عام 2009، وصولاً للتفجيرات التي تستهدف المساجد التي كان آخرها الاعتداء الآثم قرب المسجد النبوي في المدينة المنورة في رمضان الماضي. وأضاف أن السعودية عمدت إلى إجراءات مهمة في محاربة الإرهاب، منها إنشاء نظام صارم لمتابعة التحويلات المالية بهدف تجفيف منابع الإرهاب، وإنشاء برنامج المناصحة، والمساهمة في إنشاء المركز الدولي لمكافحة الإرهاب في الأمم المتحدة وتمويله بملايين الدولارات بهدف تفعيل نشاطاته، وإصدار تشريعات تنظم الجرائم الإلكترونية، وبالتالي معاقبة كل من ينشر مقالات أو صورًا يتعاطف فيها أو يؤيد من خلالها أيًا من المجموعات المتطرفة أو الإرهابية المصنفة من قبل الدولة. وأكد الأنصاري أن الجهود السعودية في محاربة الإرهاب شملت أيضًا تنظيم المؤتمرات الدولية المتخصصة في مكافحة الإرهاب، ومنها مؤتمرا الرياض عام 2005 وعام 2013 للتعريف بالإرهاب، وتنظيم عمليات جمع التبرعات للأعمال الخيرية بهدف تجفيف منابع الإرهاب، وزيادة التعاون الدولي مع أجهزة الأمن والاستخبارات الشقيقة والصديقة لمتابعة ورصد الأفراد والمجموعات والمنظمات الإرهابية، ما أدى إلى كشف عدد من العمليات الإرهابية التي كانت تستهدف رحلات شركات الطيران، وهو ما أشادت به حكومتا الولايات المتحدة وبريطانيا. ولفت إلى أن السعودية تسهم بشكل فعّال في الجهود العسكرية لمحاربة تنظيم داعش ضمن التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، وضرب معاقل التنظيم الإرهابي في سوريا. وعلى المستوى الداخلي، أوضح الدكتور أحمد الأنصاري، أن السعودية سعت إلى إشراك المواطن والمقيم في عمليات مكافحة الإرهاب، من خلال نشر قوائم بأسماء المطلوبين في القضايا الإرهابية أو تلك التي تمس أمن الدولة، إضافة إلى رصد مكافآت مالية كبيرة لكل من يدلي بمعلومات تؤدي إلى إلقاء القبض على أحد المطلوبين، تتضاعف عند القبض عليهم/ أو تؤدي إلى الكشف عن عمل إرهابي. وبيّن الأنصاري، أن السعودية باشرت أيضًا تحصين الحدود عبر رفع معنويات رجال الجمارك وحرس الحدود وخفر السواحل بالحوافز المادية والمعنوية؛ لمكافحة تهريب المتفجرات والأسلحة. وقال الأنصاري إن السعودية انتهجت في محاربتها للإرهاب سياسة شفافة في نشر محاكمات المتورطين في النشاطات الإرهابية وإعلان العقوبات التي تنفذ فيهم؛ لتكون رادعًا لغيرهم من الذين يفكرون في التورط في هذه النشاطات. إلى ذلك، أكد الدكتور أحمد الموكلي، الخبير الأمني المتخصص في شؤون الإرهاب، لـ«الشرق الأوسط»، أن تجربة السعودية في مكافحة الإرهاب تجربة رائدة، وباتت مثلاً يضرب ويقتدى به في مواجهة هذه الظاهرة، وهذا بشهادة الدول والمنظمات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة التي أشادت بهذه الجهود، ففي 2012 قدم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون شكره للسعودية على جهودها في مكافحة الإرهاب، بما في ذلك مساهمتها في إقامة مركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب. وركّز على أن السعودية أسهمت في مكافحة الإرهاب على أكثر من جانب، بما في ذلك تجفيف منابع تمويل الإرهاب، حيث أصدرت الكثير من الأنظمة التي جرّمت الإرهاب، والتي من شأنها كذلك الحد من تمويل الإرهاب. وأشار إلى أن السعودية أصدرت في أغسطس (آب) 2003 نظام مكافحة غسل الأموال، وفي فبراير (شباط) عام 2014، أصدرت نظام مكافحة الإرهاب وتمويله. وتطرق إلى أن السعودية أنشأت الكثير من اللجان والوحدات ذات العلاقة بقضايا الإرهاب، منها وحدة خاصة بوزارة الداخلية تحت مسمى لجنة التحريات المالية «FIU». وعلى المستوى الأمني، أوضح الموكلي أن الأجهزة الأمنية ذات العلاقة عملت منذ وقت مبكر على تطوير كوادرها وأنظمتها التي تساعد في كشف وتعقب الجماعات الإرهابية، واستطاعت إفشال عدد كبير من العمليات قبل وقوعها، مشددًا على أن «ما يقع من عمليات في السعودية بين فترة وأخرى لا يمثل حتى 5 في المائة ما يتم إحباطه من العمليات». وأضاف أن السعودية قدمت على المستوى الوقائي عددًا من الوسائل المختلفة، التي من شأنها الحد من وقوع عمليات إرهابية، ومن ذلك نشر قوائم المطلوبين وتعميمها، وتقديم مكافآت مالية ضخمة لمن يدلي بأي معلومات عن أي مطلوبين أو عمليات إرهابية، كما وفّرت وسائل متطورة وسهلة لعمليات التبليغ، سواء عبر الوسائط الإلكترونية أو المراكز الأمنية المنتشرة، إضافة إلى العمل التوعوي بخطورة الفكر الإرهابي والجماعات التي تتبنى هذا الفكر عبر المنصات المختلفة. وبحسب الموكلي، لم تغفل السعودية الجانب الفكري؛ إدراكًا منها أنه السبب الرئيس في تغلل وتمدد ظاهرة الإرهاب، فأنشأت إدارة متخصصة في وزارة الداخلية تحت مسمى «الإدارة العامة للأمن الفكري»، تسعى من خلالها لتنفيذ استراتيجيات معينة لمعالجة الانحرافات التي من شأنها خلق بيئة خصبة للغلو والتطرف. وقال إن وزارة الداخلية السعودية أنشأت مركزًا متخصصًا تحت مسمى مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة والرعاية، يعمل على إعادة المتورطين فكريًا إلى جادة الصواب، من خلال البرامج المتنوعة والدعم المعنوي والمادي اللامحدود، عبر اللجان والبرامج التي أنشئت لهذا الشأن. ناهيك عن الحملات والبرامج الإعلامية المواكبة التي أسهمت بشكل كبير في إيضاح خطورة ظاهرة الإرهاب، إضافة إلى الدور الكبير الذي يقوم به العلماء بمختلف تخصصاتهم وعلومهم. وعلى المستوى الافتراضي، أوضح الموكلي، أن السعودية أدركت مبكرًا أن شبكة الإنترنت والوسائط الإلكترونية واحدة من أهم الأسباب التي أسهمت بشكل كبير في انتشار ظاهرة الإرهاب، فسعت للحد من استغلالها، عبر إصدار نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية قبل نحو تسعة أعوام، كما عملت على تدريب وتطوير الكوادر ذات العلاقة بهذا النوع من الجرائم، إضافة إلى استغلالها كمنصة لتصحيح المفاهيم الخاطئة، ولعل ما تقوم به حملة السكينة التي تعمل تحت مظلة وزارة الشؤون الإسلامية من خلال شبكة الإنترنت نموذج مميز للعمل الجاد نحو تصحيح الأفكار المنحرفة. وبشأن الجهود السعودية على المستوى الدولي، قال الموكلي إن السعودية تأتي ضمن أكثر الدول التي تعمل على التنسيق مع الكثير من الدول والمنظمات ذات العلاقة، وقدمت معلومات للكثير من الدول التي أسهمت بشكل كبير في إفشال عدد من الأعمال الإرهابية التي كادت أن تقع في أميركا وأوروبا.
مشاركة :