صراحة-متابعات:تعتبر موجات الغبار التي تخلفها العواصف الرملية التي تعم الخليج والمملكة بشكل متكرر، من الظواهر التي تسبب أضرارا كثيرة على صحة الإنسان والبيئة والاقتصاد، حيث الأجواء المغبرة تزيد من أعداد المرضى الذين يرفعون نسبة التردد على طوارئ المستشفيات، إلى جانب تعطيل الدراسة، واحتمال زيادة نسبة الحوادث المرورية، إضافة إلى التأثير على الملاحة البحرية والجوية، وإصابة المحصولات الزراعية بالضرر خصوصا التمور التي تصاب بمرض حلم الغبار كما أن آثار الغبار تمتد إلى الشعب المرجانية في أعماق البحار. ولتسليط الضوء على هذه الظاهرة التقت الصحيفه بعدد من المختصين الذين أكدوا على أن الغبار له آثار متعددة في كل الجوانب، ويلزم التصدي له من خلال خطة وطنية متكاملة تشارك فيها الجهات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني، من خلال مشاريع التشجير بإنشاء المصدات والأحزمة الخضراء للحد من زحف الرمال التي تثير الأتربة والغبار، معتبرين ذلك هو الحل الأمثل مستشهدين بتجربة عمرها 50 عاما هو مشروع حجز الرمال بالأحساء الذي نجح في إيقاف زحف الرمال منذ إنشائه قبل 52 عاما ولا يزال يمارس دوره حتى يومنا هذا. بداية يرى المدير العام لمنتزه الأحساء الوطني المهندس محمد الحمام أن العواصف الرملية ظاهرة جوية تشترك فيها المناطق القاحلة وشبه القاحلة، موضحا أن موجات الغبار وآثارها تحتاج إلى خطة وطنية لمكافحة التصحر الذي يعتبر مصدرا وعاملا مهم للغبار، وهذه الخطط تشترك فيها الجهات الحكومية ذات العلاقة، ومؤسسات المجتمع المدني، مقترحا إنشاء مركز متخصص للتصحر، يعنى بالأبحاث والتواصل مع مراكز البحوث العملية المتخصصة بالتصحر، بهدف الحد وتخفيف الأضرار الناتجة من العواصف الرملية، إلى جانب الحاجة إلى تفعيل أنظمة حماية الحياة البيئية. لافتا إلى أن العواصف الرملية تزيد كلما قلت الأمطار وزاد الجفاف، والمنطقة الشرقية وخصوصا حفر الباطن من اشد المناطق تأثرا بالعواصف الرملية المثيرة للأتربة والغبار، ومن أهم أسباب نشاط العواصف الرملية، نشاط منخفض البحر المتوسط، وكذلك نشاط منخفض السودان، إضافة اختلاف الضغط بين منطقتين متجاورتين، مشيرا إلى أنه يمكن تخفيف وطأة الغبار التي تنشأ وتخلفها العواصف من خلال التصدي لها بمشاريع التشجير وإنشاء الأحزمة والمصدات الخضراء، ولنا في التجربة الرائدة لمشروع حجز الرمال الذي تبنته وزارة الزراعة في عام ١٣٨٢هـ، ونجحت في ذلك بامتياز ولا يزال هذا المشروع العملاق يؤدي دوره على الوجه الأكمل حتى يومنا هذا، حيث إنه أنموذج يمكن أن يحتذى به في هذا الجانب وأن تعمم التجربة، مبينا أن المشروع عبارة عن مصد رئيس بطول 20 كيلومترا، إضافة إلى 4 مصدات طول كل منها 5 كيلومترات، تمثل 6 ملايين شجرة من أنواع عديدة من بينها شجر الاثل، وشجر والبرسوبس، وشجر الكينا، ساهمت كثيرا في الحد من زحف الرمال والغبار، فيما يعتمد المشروع على الري من خلال المياه المعالجة ثلاثيا، بينما الأشجار المستخدمة في المشروع يتم زراعتها بمشتل المنتزه حيث لديه القدرة الاستيعابية لإنتاج 30 ألف شتلة، كما توجه وزارة الزراعة بالري بتقنية التنقيط. بدوره أكد مدير مستشفى الملك فهد بالهفوف الدكتور محمد العبدالعالي أن التلوث بالغبار أنواع عدة، منها المعدنية، والعضوية، والحيوية، وغيرها، ومنها الطبيعية الناتجة عن عدد من العوامل الطبيعية ومن أهمها الغبار المحمل بحبوب اللقاح أو الناتج عن العواصف الرملية، فيما تتفاوت مخاطره الصحية تبعا لنوع وكمية الغبار وحجمه ومدة التعرض له وطريقة التنفس والصحة العامة للشخص ومقدار وظيفته التنفسية وسلامة مجاريه التنفسية بحسب ما أوردته منظمة الصحة العالمية. مشيرا إلى أن الأشخاص الذين يتنفسون بواسطة الفم أكثر من تنفسهم بواسطة الأنف، يكونون عرضة لاستنشاق ومرور كمية أكبر من الغبار للرئة، نتيجة تجاوز عوامل الفلترة الطبيعية الفيسيولوجية الموجودة بالأنف، موضحا أن من المخاطر الصحية المتعددة والمعتمدة على عدد من العوامل نتيجة التعرض للغبار بأنواعه، من بين تلك المخاطر حساسية والتهابات وتهيج القنوات التنفسية، نتيجة التعرض للغبار وهذا من المشاكل الصحية الشائعة عند التعرض للغبار والذي يسبب أعراضا وأمراضا متفاوتة من ضيق تنفس أو نوبات ربو حادة أو حصول مشاكل صحية متقدمة مثل داء انتفاخ الرئة، إلى جانب حساسية والتهابات الجلد أو العينين خاصة إذا كان الغبار محتويا على حبوب اللقاح أو نواتج تصنيع الاسمنت والخشب، إضافة إلى تغبر الرئة أو ما يسمى السحار الرئوي وهي حالة تنتج غالبا عن التعرض للغبار المعدني كالسيليكا والاسبيستوس وتؤدي إلى تليف الرئة وتيبسها، كما يتسبب الغبار فى سرطان الرئة خاصة مع مادة الاسبيستوس الذي يعتبر من مسببات سرطان المتوسطة وهي الغشاء الذي يحيط بالرئة، مبينا أن هناك دراسات علمية تشير إلى ارتباط التعرض للغبار للإصابة بالجلطات القلبية عند بعض المرضى، كما أن الغبار المعدني قد يسبب التسمم نتيجة امتصاص مواده كالرصاص والكادميوم والمنغنيز والبريليوم للدم بالجسم فتسبب مضاعفات للكلى والكبد وغيرها من أعضاء الجسم، كما أن الغبار له دور في الإصابة بأمراض جرثومية نتيجة التعرض لجراثيم كالفطريات والأبواغ المحملة في الغبار. وأضاف العبد العالي أن التعامل مع هذه المشاكل والمخاطر الصحية، لابد أن يقابلها خطوات تحكم بيئية لرفع مستويات الصحة العامة، إضافة إلى حرص الأشخاص خاصة المصابين بأمراض تنفسية أو تحسسية أو من يعملون في مهن تعرضهم للغبار، يجب الوقاية من التعرض للغبار سواء بجودة تهوية المنازل أو مواقع العمل وتوافر الاشتراطات الصحية الوقائية في موقع العمل أو بالحرص قدر الإمكان على عدم التعرض للغبار في الخارج، أو لبس لوازم الوقاية الشخصية كالأقنعة على الأنف والفم، وكذلك أهمية مراجعة الطبيب عند ظهور أعراض مرضية لتلقي المعالجة المناسبة. ولفت العبد العالي إلى ازدياد أعداد المراجعين في الأجواء المغبرة خصوصا ممن يعانون أمراضا صدرية مزمنة كالربو الشديد، الذي يصحبه عادة تهيج في الشعب الهوائية، لكبار السن والأطفال، لذلك تحرص صحة الاحساء في مثل هذه الأحوال الجوية على أخذ كافة السبل والاحتياطات والاستعدادات لاستقبال المراجعين والمرضى. من جانبه بيّن المهتم بشؤون البيئة علي السلطان أن موضوع الغبار بلا شك مزعج جدا وأثره كبير على الإنسان والبيئة بصفة عامة، حيث تتعرض منطقة الخليج بما فيها المملكة إلى موجات من الغبار المتكررة، تترك تأثيرا سلبيا على البيئة التي نعيش فيها، منوها بأن التقديرات الأخيرة لانبعاث الغبار في العالم تبلغ ما يتراوح بين 2000 و3000 مليون طن سنويا، حسب ما أكد أستاذ الجغرافيا في جامعة اوكسفورد اندرو جودي من خلال ورقة العمل التي قدمها مؤتمر للجغرافيين وعنوانها «عواصف الغبار في النظام العالمي»، مبينا أن الغبار يؤثر على صحة الإنسان ويمتد أثره حتى على الشعب المرجانية داخل البحار، كما أنه يلعب دورا في التغير المناخي. في حين يمكن أن يؤثر تراكم الغبار على البيئة في عدة مجالات من بينها التغير المناخي وتمليح التربة ونقل الأمراض والخصوبة بالمحيطات، كما أن موجات الغبار تؤثر بشدة على الغطاء النباتي مما يؤدي في النهاية إلى زيادة إنتاج كميات الغبار، أما المصادر الرئيسة للغبار فتتركز في الجزء الشمالي من الكرة الأرضية وهي مناطق جافة جدا، ويؤكد السلطان أن الجفاف وسرعة الرياح، وزيادة الرعي وقطع الأشجار يساعد في تكوين مصادر الغبار. كما أن من سلبيات الغبار في المملكة تأثيره على الزراعة خصوصا حيث يتعرض محصول التمر في الأحساء إلى مرض حلم الغبار.. وفيما يتعلق بموضوع السلامة على الطرق يقلل الغبار من الرؤية ويراكم الأتربة في الطرقات السريعة بسبب زحف الرمال المتحركة إلى وسط الطرق مما يزيد من احتمال وقوع الحوادث لا سمح الله، ويرى السلطان أن الحل الأمثل لتخفيف سلبيات هذه الظاهرة في المملكة بشكل عام والمنطقة الشرقية على وجه الخصوص الاتجاه نحو المصدات الزراعية من خلال مشاريع التشجير، والمسطحات الخضراء هي مشاريع وطنية يجب على الجهات المعنية تبنيها والإكثار منها لما لها من تأثير كبير على البيئة خاصة فيما يتعلق بصحة الإنسان ونفسيته وسلامته، إضافة إلى ضرورة معالجة الحد من زيادة الأتربة والملوثات الناتجة عن مصانع الخرسانة ومصانع الاسمنت التي تقع بالقرب من التجمعات السكانية للحد من أثرها على الصحة العامة، منوها بأننا نعيش في وطن أنعم الله علينا بالخير الكثير ورغم ذلك فالمسطحات والتشجير من آخر اهتماماتنا، رغم أن لدينا تجارب ناجحة مثل مشروع حجز الرمال بالأحساء والذي تحول إلى منتزه وطني يعتبر الأكبر في وطننا، متمنيا السلطان أن يتم زراعة حزام حول دائري الأحساء وكذا الطرق الرئيسية وكذلك تخصيص مناطق شبيهة بمشروع حجز الرمال خاصة شمال الدائري كما أسلفت، ليقلل من زحف الرمال وإثارة الأتربة في تلك المناطق والتي ستكون مناطق سكانية وخدمية وفي نفس الوقت ستكون متنفساً للمواطنين كما هو الحال في مشروع حجز الرمال بالعمران. البصري: نوعية الأشجار لها دور في مقاومة زحف الرمال أوضح المهندس حسين بن حمد البصري، أن المملكة تتعرض بصفة عامة وواحة الأحساء بصفة خاصة، إلى زحف الرمال الذي يهددها، من هنا قامت وزارة الزراعة عام 1382هـ، بإنشاء مشروع حجز الرمال الذي يقع شمال شرق واحة الأحساء بطول 20 كيلو مترا، وعرض يتراوح بين 250 و750 مترا يحتضن 7 ملايين شجرة زرعت على مساحة 4500 هكتار، ما يعادل 45 مليون متر مربع ساهمت بوقف زحف الرمال بنسبة 95 % تقريبا، على مدار 50 عاما مضت في مكافحة زحف الرمال، لافتا بأن نوعية الأشجار المزروعة لها دور في مقاومة زحف الرمال وتحمل الجفاف وقلة المياه، وكذلك ارتفاع درجة الحرارة وقلة المياه، والأشجار المستخدمة كمصدات الأكاسيا والإثل المحلي، والبرسوبس، مشيرا إلى أن خطر زحف الرمال أدى تقليص الرقعة الزراعية بالأحساء إلى 8 آلاف هكتار فقط، مبينا أن 600 سنة كفيلة بالقضاء على الواحة اذا لم يتم التصدي لهذه الظاهرة. وسائل ناجحة لتثبيت الكثبان وشدد المهندس حسين بن حمد البصري، على أن التصدي لظاهرة زحف الرمال بالتشجير تعتبر الوسيلة الناجحة والدائمة لتثبيت الكثبان الرملية، بينما الحلول الأخرى لن تكون ذات جدوى بسبب سرعة الرياح وعدم توقف نشاطها وتسببها في تحريك الرمال، حيث تعمل الأشجار على تخفيف أثرها، حيث التشجير من أنجح الطرق في تثبيت الكثبان الرملية كما أنها تسهم في إيقاف الزحف الصحراوي، مستشهدا بتجربة حجز الرمال في إنشاء العديد من المصدات التي حققت أهداف مشروع حجز الرمال عن المنطقة الجغرافية التي أنشئ المشروع من أجلها، مضيفا بأن إدارة المشروع تتعاون حاليا مع شركة أرامكو، التي تستعد بالتعاون مع هيئة الري والصرف في الأحساء لزراعة طريق الظهران ـ الأحساء البالغ طوله 150 كيلو مترا، مؤكدا على أن وفدا من أرامكو اطلع على التجربة من خلال عرض مرئي، كما تم الوقوف على التجربة ميدانيا من خلال جولة على المصدات التي يحتضنها المنتزه. اليوم
مشاركة :