عندما تكون السعادة عبادة.. والعبادة سعادة

  • 9/21/2016
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

هذه مقدمة لا بد منها قد تطول وقد تقصر وقد تصبح الموضوع كله مثل مقدمة ابن خلدون التي أسست لعلم قائم بذاته هو علم الاجتماع، أو ما سماه عبدالرحمن بن خلدون علم العمران.. فنحن عندما نصدق أو عندما نكذب أيضاً نفقد السيطرة على أقلامنا وحروفنا. والله وحده يعلم الصادق والكاذب، أما نحن فلا نعلم إلا ظاهراً من الحياة الدنيا. والصادق والكاذب يستخدمان اللغة نفسها والحروف نفسها، وفي أيامنا هذه يكون الصادق أقل بلاغة وفصاحة من الكاذب، ويكون الكاذب ألحن من الصادق ولا يمكن بحال من الأحوال أن نكون نحن في قدرة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، نفسها على اكتشاف الصادق والكاذب. فالرسول نفسه حذر الخصمين يأتيانه ويكون أحدهما ألحن من صاحبه رغم أن عليه الحق في حكم الرسول له. وقال صلى الله عليه وسلم: «إنما أحكم له بقطعة من النار». وليس أمام المرء إلا أن يقول أو يكتب ما يظن أنه صواب، فإذا تبين له أنه أخطأ تحلى بشجاعة الاعتذار والتصويب. وقد خلق الله الإنسان في كبد. والكبد في ظني يعني المعاناة والمحاولة. فنحن طوال أعمارنا نحاول خيراً أو نحاول شراً. ومن يحاول خيراً ولا يصل ينال أجر المحاولة، ومن يحاول شراً ولا يصل ينجو، أو قد ينجو من الإثم. وإنني أحاول أن أكتب كتابة مودع كما أصلي أو أحاول أن أصلي صلاة مودع، وأعلم أننا جميعاً سنتحول يوم القيامة إلى قراء ولن يكون بيننا كاتب واحد. وكل منا سيقرأ كتابه الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها. وكل منا سيقرأ في كتاب الآخرة ما كتبه وما قاله في الدنيا. وستبلى السرائر ويتبين الرشد من الغي والصدق من الكذب. كما أعلم علم اليقين أنني مؤقت في المكان ومؤقت في الزمان لذلك أقول ما قاله ذو النون المصري: «هذه كلمتي أقولها وأمشي» أو أقولها وأمضي من المكان ومن الزمان.. فأنا اليوم هنا وغداً قد أكون هناك.. وأنا اليوم في الدنيا وقد أكون غداً في الآخرة.. قد أغادر المكان طائعاً أو مرغماً، لكنني لا بد أن أغادر الزمان مرغماً.. وقد يقرأ الناس كلامي في وجودي وقد يقرؤونه في غيابي. ولست أدري، ويبدو أنني لن أدري أبداً، متى يتخلص العرب من رذيلة صارت وباء يفتك بالأمة، وهي رذيلة اعتبار الشكر والإشادة تملقاً ونفاقاً ولو صدق الشاكر المشيد، واعتبار الشكوى والتنديد والرفض والسب شجاعة وبطولة وقوة ولو كذب الشاكي والرافض والمندد. وقد انتشر ذلك الوباء حتى أحجم الشاكرون المشيدون عن الشكر والإشادة خوفاً من اتهامهم بالنفاق والتملق والمداهنة. واندفع الشاكون والرافضون كذباً في غيهم وسبابهم سعياً إلى نيل رضا الناس والحظوة عندهم، فالعرب يعجبون بمن يرفض ويندد ويشكو ويتمرد لأنهم قوم متطرفون. وينصرفون عمن يشكر ويشيد ويوافق ويمدح ويلتزم ولو صدق. وعند العرب يصدق السبابون وإنْ كذبوا، ويكذب الشاكرون الموافقون وإنْ صدقوا. وتلك حكاية أخرى ربما يتسع العمر والوقت لنحكيها. لا أريد أن أكتب عن رحلة الحج مع البعثة الرسمية الإماراتية، فتلك رحلة بيني وبين ربي.. وتلك رحلة لا أحب لقبها (يا حاج) لأنني أراه لقباً غير إسلامي بالمرة، فلماذا يصبح ركن الحج وحده لقباً؟ لماذا لا يُقال لي: المصلي فلان، أو المزكي فلان، أو الصائم فلان، أو الشاهد فلان؟.. ولماذا لم نسمع أو نقرأ لقب: الحاج أبي بكر أو الحاج عمر أو الحاج علي أو الحاج عثمان أو أي حاج آخر من الصحابة والتابعين؟.. إنه لقب الرياء والمباهاة الذي حصل عليه حتى الذين لم يحجوا وارتبط فقط بكبار السن أو بالتوقير والاحترام أو حتى بالثراء.. وحكاية (يا حاج) أيضاً حكاية أخرى وموضوع آخر ربما يتسع الوقت والعمر لنحكيها ونسرد رذيلة الرياء التي طالت كل الأعمال والنُسك والطقوس الدينية في أمتنا العربية، وأمتنا الإسلامية عموماً. لن أكتب عن رحلة الحج، ولكنني أكتب من وحيها.. أكتب عن نظرية السعادة أو فلسفة السعادة الإماراتية، وهي النظرية أو الفلسفة التي لا أظن أن أحداً أحاط بها أو وعاها، وكانت وما زالت الكتابة عنها مجرد رصد أو تسجيل لتصريحات القيادة والمسؤولين، أو هي كتابة الخبر أو كتابة رد الفعل أو الانطباع أو تحصيل الحاصل. وهذه حكاية أخرى أيضاً عن القصور أو التقصير الإعلامي الكبير في الكتابة الرأسية أو العميقة عما يحدث في الإمارات والاكتفاء بالكتابة السطحية أو الأفقية أو كتابة إبراء الذمة، حتى لا يفوتنا الخبر أو التصريح. أو قل هي الكتابة الفوتوغرافية الكاميراتية أو الفلاشية حتى صار ما يجري في الإمارات من طفرات في كل مجال، مجرد نقل لأحداث في الإعلام، لكن لا يوجد عمق ولا تحليل ولا قراءة. وأخشى أن أقول: لا يوجد فهم وإدراك لما يجري.. وأيضاً ربما نكتب عن هذا. ... المزيد

مشاركة :