ونحن نقترب من ذكرى اليوم الوطني نجد أنفسنا دولة سعودية ومجتمعًا في مواجهة عدد من التحديات الداخلية والخارجية، التي يُفترض أن تستنفر هذه المناسبة العزيزة عقولنا وضمائرنا للاعتراف بدورنا المشترك وشراكتنا الوطنية في مواجهتها إن أردنا ألا يتحول تراكم التحديات إلى طوفان، يطوح بركاب السفينة وبربابنتها الصغار والكبار. ولو بدأنا بما قد لا يكون أكثر من رأس الجليد من التحديات فلا بد أن يسترعي الانتباه بشكل لا لبس به تلك الحملة الإعلامية التراكمية التي بات يشنها الإعلام الأمريكي على المملكة العربية السعودية. فرغم أن المملكة قد استطاعت طوال عقد ونصف العقد، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، والحروب الأمريكية على المنطقة باسم محاربة الإرهاب, التعامل بنجاح مع تداعيات الحدث كشريك دولي في مواجهة الإرهاب, وقد فعلت ذلك على مستوى أمني واستخباراتي، كما فعلته على مستوى حضاري وحواري فيما تمثل في طروحاتها وجهودها المتعددة في مجال حوار الحضارات وحوار الأديان، فإن المملكة تواجه اليوم تنكرًا أمريكيًّا لذلك الدور، بما يجعل العلاقة التاريخية الأثيرة بين المملكة وأمريكا تتحول إلى تحدٍّ مزعج بحد ذاته. فليس الربورتاج المطول الذي طرحته النيويورك تايمز، وكتبه سكوت شيين نهاية الشهر الماضي بمقابلة 36 خبيرًا وخبيرة مختصين في شؤون الجزيرة العربية والخليج السياسية والعسكرية والاقتصادية، ومنهم وليام ماكنتيس من معهد بروكنز وفرح باندينت المبعوث الدبلوماسي الأمريكي وخبير الإرهاب توماس هيجمر إلخ.. في محاولة لإلقاء ظلال من التساؤل والشك على سياسات المملكة فيما يتعلق بمواجهة الإرهاب، إلا واحدًا من عشرات التقارير والمقالات والتعليقات والتحليلات التي باتت تطالع القارئ الأمريكي (بالذات طبعًا) بين يوم وآخر في هجاء المملكة العربية السعودية. كما أنه ليس تقرير جوليان حاتم آخرها. وهي كتابات في غالبها لا تكتفي بإشارات مبطنة إلى المملكة كما كان يقال عن التقرير السري المشار إليه بالثمانية والعشرين صفحة، الذي اتضح خلوه من أي دليل قد يدين المملكة, بل إنها تقوم بمساءلة المملكة بشكل مباشر وفج.. وكأن أمريكا استنفدت دور المملكة في الحرب على الإرهاب؛ وبالتالي بدأت تأليبًا إعلاميًّا، يحجم ذلك الدور. وإذا كان هذا التأليب في الإعلام الأمريكي ضد المملكة، والتقليل من أهمية شراكتها السخية لأمريكا في الحرب على الإرهاب، قد بدأ مع الضوء الأخضر الذي افتتحه أوباما بمقابلته الصحفية قبل أشهر، التي قال فيها بالحرف الواحد «إن أمريكا لن تدافع عن السعودية والخليج في مواجهاتها الساخنة بالمنطقة» (كتبت تحليلاً للمقابلة في حينه)، فإن الأمر قد يتعدى المنحى الإعلامي، كأن يأخذ منحى حقوقيًّا خطيرًا فيما لو مرّر قانون مقاضاة أهالي ضحايا تفجيرات برجَي نيويوك للمملكة على الهوية، وليس على البيّنة. والأخطر أن يكون هجاء المملكة إعلاميًّا والعمل على وضعها في دائرة الاتهام قانونيًّا مجرد إعداد لمسرح الحدث لتقديم مسرحية أشد عبثًا سياسيًّا إن لم يكن عسكريًّا أيضًا بمصير البلاد. ولا بد أن الأمر جلل ومفزع، ونحن نرى أوطانًا وطيدة تقوضت كمدن كرتونية في فيلم من أفلام هوليود الدموية. من الواضح أن المملكة لا تقف مكتوفة اليدين تمامًا أمام مثل هذا التحدي الخارجي الذي تضاعفه مرارة عدم مبادلة الحليف التاريخي الأمريكي منذ تأسيس المملكة الوفاء السعودي بوفاء؛ إذ توالت زيارات خادم الحرمين الشريفين وولي ولي عهده في فترة وجيزة لعدد من الدول من الصين والهند إلى روسيا واليابان في محاولة لتنويع وتعويض التحالفات عسكريًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا. هذا بالإضافة إلى عدم تواني قيادة المملكة في أكثر من مناسبة، ومنها المناسبات التي زار فيها الرياض الرئيس الأمريكي الراحل قريبًا باراك أوباما, عن إبداء امتعاضها وعدم رضاها عن محاولة التنكر الأمريكي الأخير للدور التاريخي السعودي الذي أسدته المملكة لأمريكا في علاقتها بالمنطقة.. إلا أن ذلك وإن كان قد يخفف من الإحساس باحتقان هذا التحدي الخارجي تحديدًا إلا أنه لا يمحوه، ولا يعالجه من جذوره. وهنا لا بد أن نضع النقاط على الحروف، وخصوصًا ونحن في سياق ذكرى اليوم الوطني الغالية؛ فليس حلاً بأي حال من الأحوال لهذا التحدي الخارجي في العلاقة مع أمريكا، سواء لمحاولة إعادة العلاقة لمجراها الأول أو على أمل جعلها مرتكزًا للاستنصاف من هجمة دولة إيران على عواصم المنطقة، هو الارتماء في أحضان العدو الإسرائيلي أو الصلح مع دولته الصهيونية القائمة على استعمار استيطاني بواح, كما يلوح بذلك بعض المقامرين المفلسين الذين يخسف بهم ولا يستحون. كما لا بد أن نعي أن شروط تحالفات اليوم العالمية تختلف عن شروط تحالفات الأمس، وأحد مقومات عدالتها أن تقوم على الندية وليس على التبعية. وهذا يعني مباشرة أن الشراكة الوطنية على أسس أكثر فاعلية من العلاقة الرعوية بإصلاح البنية السياسية، وجعل المواطن والمواطنة شريكَيْن للدولة في إدارة شؤون البلاد بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده وولي ولي عهده، هو التحدي الذي نواجه به كل تحدٍّ، ومنه تحدي الحلفاء والأعداء الخارجي. إن إصلاح البنية القانونية للعلاقة بين المجتمع والدولة، وتعزيز شرعية البيعة بالشرعية القانونية ممثلة في نظام حكم أساسي مقنن ومكتوب، يواكب هذه المرحلة التاريخية العاصفة، هو التحدي الذي نحافظ به على وحدتنا الوطنية وسلمنا الأهلي والخارجي معًا. وهناك - بطبيعة الحال - تحديات أخرى، ولكن الأبدى بالأبدى، ولا بد من أولويات وإصلاح وتقوية البيت السعودي مجتمعًا ودولة وقيادة وقوى اجتماعية في لحمة وطنية قادرة على تجديد الذات من الأولويات. عاشت البلاد حرة أبية، وتحية إكبار لأبطال الحد الجنوبي في اليوم الوطني المجيد، وليبدل الله الحرب سلمًا في يوم قريب بإذن الله.
مشاركة :