المواطن محمد علي الزحمي، من منطقة حبحب في إمارة الفجيرة، يعرف بأنه من محبي التراث المتمسكين بعادات وتقاليد الآباء والأجداد، المحافظين عليها، إذ لا يزال - على سبيل المثال - يقوم بإعداد القهوة العربية على الطريقة التقليدية، كما يمارس بعض الحرف القديمة المتوارثة؛ ولذا أُطلق عليه لقب رجل التراث، ولكي يحافظ على تراث بلاده من الاندثار والضياع، أسس الزحمي في منزله متحفاً، يضم العديد من القطع الفخارية والأواني النحاسية والمعدنية، والأدوات التي صنعها إنسان الإمارات من المواد التي توفرها البيئة من حوله، لتلبية متطلباته واحتياجاته. نصحبكم في السطور التالية في جولة بين أرجاء المتحف البيت أو متحف الزحمي. على بعد 75 كيلومتراً شمال غرب مدينة الفجيرة، وفي منطقة حبحب التاريخية، يقع متحف التراث، أو متحف الزحمي، داخل منزل المواطن محمد الزحمي، كدليل حي على الإنجازات الفردية للمجتمع في المحافظة على التراث والهوية الوطنيين، وعلامة على تفاعل مواطني الدولة مع البيئة المحيطة بهم وحسن استغلالها، لتحقيق أهداف تصبّ في النهاية في مصلحة الوطن والمواطن. عن محتويات متحفه يقول محمد الزحمي: المتحف يضم العديد من أدوات الزراعة والخياطة والزينة والأزياء والملابس، وأدوات زينة المرأة من النحاس والفضة، التي كانت ترتديها النساء في المناسبات، ولم تعد موجودة في وقتنا الحاضر، والأثاث المنزلي، وأواني الطعام والشراب وخصوصاً القهوة، وبيت الشعر، والأدوات الخاصة بالحيوان ونحوها، إضافة إلى المقتنيات الخاصة ببعض المهن القديمة، التي كان الآباء والأجداد من سكان الساحل والجبال يمتهنونها. يضيف: يعرض أحد أركان المتحف نماذج للملابس التراثية والتقليدية لأفراد المجتمع الإماراتي قديماً، وبعض المشغولات والإكسسوارات القديمة التي كانوا يستخدمونها آنذاك، كما يضم أيضاً نموذجاً لغرف نوم الصغار، وبعض وسائل العلاج بطرق الطب التقليدي. قيد الصلح من بين أكثر القطع التي يضمها المتحف طرافة قيد الصلح، وعنه يقول الزحمي: قيد الصلح من الأغلال الحديدية، وهو من وسائل التأديب التي كان يحكم بها رئيس القبيلة قديماً، وذلك عندما كان يختصم أو يتنازع شقيقان أو اثنان من الأقارب، فيُحكم عليهما بتلك الوسيلة التأديبية، حيث كانت إحدى ساقي كل منهما تربط مع الأخرى بقيد حديدي واحد، ويبقى الوضع هكذا يوماً أو عدة أيام، بحيث يتحتم عليهما التعامل مع بعضهما، والتعاون من أجل النجاة وممارسة الأعمال اليومية، وبعدها يتم الصلح بينهما ويُفك القيد. يتابع: من المقتنيات أيضاً عدة أنواع من الأسلحة الأثرية، منها الصمعة والكند المعروفين لدى أهل الإمارات، خصوصاً أهالي الجبال، إضافة إلى أبو تاجين وأبو فتيلة والمشرخ والميزر، وكلها أسماء لبنادق قديمة كانت تستخدم في الحروب وفي الرقص احتفالاً في بعض المناسبات. ومن بين أبرز المقتنيات كما يوضح الزحمي، الأدوات التي كانت تستخدم لجلب المياه قديماً، وأواني حفظ الطعام وحفظ العسل البري، والصناديق الحديدية التي تسمى السحاحير، والتي كانت تُستخدم لنقل أغراض وملابس العروس إلى بيت الزوجية، وتستخدم فيما بعد لحفظ الملابس. إحياء الموروث الشعبي يقول محمد الزحمي: منذ أكثر من 20 عاماً، وأنا أقوم بجمع هذه المقتنيات والأدوات التراثية، للحفاظ عليها من الضياع، وأبذل ما وسعني من الجهد لإحياء التراث الشعبي، وإبقائه حياً في نفوس الأجيال الجديدة، لتدعيم التمسك بالعادات والتقاليد الأصيلة، ولتعريف الأجيال التي تزور منطقة حبحب بماضي أجدادهم وآبائهم، والطبيعة القاسية للحياة التي عاشوها؛ لذلك قمت بإنشاء هذا المتحف الذي يضم تراث مناطق الفجيرة بشكل خاص، والإمارات عموماً. وعن الأسباب التي دفعته لإنشاء متحف في منزله، يشير الزحمي إلى أن من أهم هذه ترجمة توجيهات مؤسس الإمارات المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بالمحافظة على التراث من الاندثار، وإحيائه في نفوس الأجيال الجديدة، لذلك أحرص على المشاركة بعرض هذه المقتنيات التاريخية في العديد من المناسبات والاحتفالات والفعاليات الوطنية والتراثية والثقافية، التي تقام على مستوى الدولة، لتعريف زوارها من المواطنين والمقيمين والسياح بتاريخ الآباء والأجداد؛ إذ يتوافد سنوياً العشرات من الزائرين الأجانب، من مختلف دول أوروبا وآسيا وأمريكا، لزيارة المتحف. ويؤكد أن جهود الدولة في إقامة المتاحف والمعارض والفعاليات التراثية، كان عاملاً لتشجيعه على إقامة متحف في منزله، مشيداً باهتمام صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وإخوانه حكام الإمارات وأولياء العهود، بالتراث الإماراتي والفعاليات التي تعرضه وتعرف به داخل وخارج الدولة. وفي النهاية يوجه الزحمي الشكر الجزيل إلى صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي، عضو المجلس الأعلى حاكم إمارة الفجيرة، وسمو الشيخ محمد بن حمد الشرقي، ولي العهد، لحرصهما على الحفاظ على التراث، وتقديمهما الدعم السخي في سبيل ذلك، وتشجيع مواطني الإمارة على القيام بمثل هذه المشروعات التي تسعى لإحياء تاريخ وتراث المنطقة، والتي تصب في خدمة أجيال المستقبل، وتعمل على تعزيز الهوية الوطنية لديهم.
مشاركة :