مواعظ الملوك والسلاطين فيما يصلح الدنيا والدين

  • 9/23/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

الحديث عن ذكر مواعظ الملوك والسلاطين مشهورة وموجودة في كثير من مصنفات العلماء، بل نجد أنهم قد أفردوا لها الكثير من الكتب لأهميتها. والوعظ معناه النصيحة، ومعنى النصيحة: الإخلاص في الشيء والحرص على أن يؤدي عمله كاملا لا غش فيه ولا تقصير، تقول العرب: عسل ناصح؛ أي لا غش فيه، وهو مبدأ أصيل من مبادئ الدين الإسلامي، قال ابن رجب: «مجالسة الواعظين لم يكن لها نظير، يتذكر بها الغافلون، ويتعلم بها الجاهلون، ويتوب بها المذنبون، ويسلم فيها المشركون». الشفاء في مواعظ الملوك. لأن المناصحة للمنصوح بمثابة المجهر الكاشف لكل الانحرافات والزلات التي تعتري الإنسان وتوهن من قدراته على إقامة العدل فيما بينه وبين الله وفيما بينه وبين الناس. وقد ورد في وعظ الملوك ونصحهم حديث عظيم عن النبي صلى الله عليه وسلم، يعتبر من أهم مبادئ الدين وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحة»، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: «لله وكتابة ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم». رواه مسلم. قال ابن باز رحمه الله في شرح الحديث: فهذا الحديث عظيم يدل على أن الدين هو النصيحة؛ لأنه يدل على عظم شأنها ولأنه جعلها الدين، وهي الإخلاص في الشيء والصدق فيه. ثم قال: وأما نصيحة أئمة المسلمين فهي السمع والطاعة لهم بالمعروف وعدم الخروج عليهم ومنازعتهم إلا إذا وجد كفر بواح عليه برهان من الله، والدعاء لهم بالخير والبعد من الشر، ومن مناصحتهم توجيههم إلى الخير وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر بالأسلوب الحسن عملا بهذا الحديث الصحيح. موقع ابن باز الإلكتروني. وأهم المواعظ ما كانت موجهة إلى الملوك والسلاطين والخلفاء والوزراء وأصحاب السعادة؛ لأن في إصلاح هؤلاء إصلاح للأمة وفي جورهم وظلمهم فساد للأمة، وهم أحق الناس بوعظ الواعظين؛ لأنه كلما ارتفع المقام ازدادت المخاطرة فيه، وكلما كان أقرب إلى العدل ازداد نفعه للناس وتأثيره في الإصلاح؛ لأن في إصلاح الحاكم نفع عظيم في تغيير الفساد بين الناس، ويتعدى نفعه إلى الأمة، وأما إصلاح الفرد فيقتصر على صاحبه، وقد ورد في الأثر عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال: «إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن». ومعناه أن السلطان يمنع من اقتراف المحرمات أكثر مما يمنع القرآن؛ لأن بعض الناس ضعيف الإيمان لا يؤثر فيه نهي القرآن ووعده ووعيده، ولكن من علم أن هناك عقوبة من السلطان ارتدع. ونورد من مواعظ الملوك بعض القصص المشهورة في كتب السير والوعظ، والقصد من عرض المواعظ ليس من باب الاستمتاع بروايات التاريخ فقط، ولكن من باب معرفة تأثيرها على الإصلاح للفرد والمجتمع. وعظ العجوز يؤثر في نية الملك روى ابن الحاذري مرفوعا إلى ابن السائب أن كسرى خرج في بعض أيامه للصيد، فانقطع عن أصحابه فمضى لا يدري أين يقصد، فأبصر كوخا فإذا بعجوز على بابه فأدخلته وفرسه الكوخ، فقامت إلى بقرة لها فاحتلبتها لبنا كثيرا، فقال كسرى في نفسه: هذا حلاب كثير ينبغي أن نأخذ على كل بقرة حلوب خراجا، فمضى الليل ثم قامت إلى البقرة مرة أخرى فلم تجد فيها قطرة من الحليب، فقالت لبنتها: قد والله أضمر لنا الملك شرا، فقال كسرى في نفسه: من أعلمها ما في نفسي، أما إني والله لا أفعل ذلك. فمكثت العجوز ساعة ثم رجعت إلى البقرة فوجدت ضرعها ممتلئا حليبا، فقالت لبنتها: قد والله ذهب ما كان في نفس الملك من شر. فلما أصبح ذهب إلى قصره وأمر بإحضار العجوز وابنتها وقال: كيف علمتما أن الملك أضمر شرا وأنه عدل عنه؟ فقالت العجوز: أنا بهذا الكوخ مذ كذا وكذا، ما عمل معنا بعدل إلا خصبت بلدنا واتسع عيشنا، وما عمل فينا بجور إلا ضاق علينا عيشنا وانقطع مورد النفع عنا. فأحسن الملك إليهما. يا الله! ما أعظم مسؤولية الحاكم وما أعظم أثره على الرعية، فإذا كان بمجرد نية الظلم وقف حليب الضرع وجدبت الأرض وضاق عيش الناس وانقطع النفع عنهم، فأقول ما بال حال الأمة إذا كان هناك من الملوك من ينوى ثم يقول ثم يعمل بالظلم على الشعب، فماذا يكون حجم الضرر على الأمة!! لكن في المقابل فإن الحاكم إذا عدل في حكمه وأحسن إلى الناس فإنه يكتب له من الأجر بقدر أعمال كل الناس الذين يحكمهم وكفى به عزة وشرف للحاكم العادل. ينادي على بعض أبواب الملوك: من يشتري مني ثلاث كلمات باثني عشر ألف درهم روى حاجب بن نصر العدوي أن رجلا كان ينادي على بعض أبواب الملوك: من يشتري مني ثلاث كلمات باثني عشر ألف درهم. فكان من يسمعه يعجب منه حتى بلغ ملكا منهم خبره فدعا به وسأله عن الكلمات فقال: أحضر المال. فأحضره. فقال: أما الكلمة الأولى: فينبغي أن تعلم أنه ليس في صحبة الناس خير. والثانية: ينبغي أن تعلم أنه لا بد منهم. والثالثة: ينبغي أن يعاملوا على قدر ذلك. فقال له الملك: قد أحسنت فخذ المال. قال: لا حاجة لي فيه، وإنما أردت أن أعلم هل بقي أحد يطلب الحكمة. الذهب المسبوك في وعظ الملوك، الحميدي. ومعنى كلام الواعظ في وعظه: أيها الملك ينبغي أن تعامل الناس بحسب طباعهم المختلفة، فالمحسن تثيبه بقدر إحسانه، والمسيء تعامله بلطفك فإن ارتدع وإلا تعاقبه بحسب ذنبه ولا تحاسبهم بحسب هواء نفسك أو بحسب المفترض منهم. أقول: ولو تعامل الحكام بناء على هذه القاعدة ما ظلم من الشعب أحد ولا فلت من العقوبة أحد.;

مشاركة :