الوازع الديني وسلطان الدنيا! - تركي بن إبراهيم الماضي

  • 2/8/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

درسنا في المناهج ولا يزال يدرس لمن بعدنا، أن سبب أي مشكلة مجتمعية هي في: «ضعف الوازع الديني» لأفراد هذا المجتمع، ثم تأتي بعده الأسباب الأخرى. ترسب هذا الاعتقاد - وهو صحيح بلا شك، ولكن تم توظيفه بطريقة خاطئة - إلى خارج المنهج الدراسي، وأصبح إعلاناً متكرراً لكل الحملات الدعائية الحكومية أو الخاصة، التي تستهدف قطاع المواطنين والمقيمين، من المرور إلى هيئة مكافحة الفساد إلى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى وزارة الصحة.. إلخ. القطاعات المختلفة، التي ركنت إلى سبب مريح جداً ولا يؤذي أحداً: ضعف الوازع الديني. وصار لازمة في كل الحملات الدعائية، ضد أي مشكلة تواجه المجتمع في قطاع ما. ولو سألت المسؤول الذي أجاز هذا الحل عن مفهومه «للوازع الديني» لما أجابك. لكنه حل سهل، وهو يخلص المسؤول - أي مسؤول - من تحمل تبعات المشكلة التي يفترض أن يكون هو المبادر بحلها، والتي قد يكون هو أحد أسبابها. إن رمي المشكلة في حضن المجتمع ابتداء، هي عادة عربية متأصلة. لا تحتاج لأن تقوم بأي جهد سوى استخدام العبارة التالية «ضعف الوازع الديني» ثم أضف بعدها أي مشكلة تريد سبباً لها: الحوادث المرورية، الاختلاس، تعثر المشاريع، أزمات السكن والصحة والتعليم.. إلخ. صحيح أن «ضعف الوازع الديني» هو سبب رئيسي لأي مشكلة، لكنه ليس السبب الرئيسي فقط. فمثلاً: مشكلة الانفلات المروي في شوارعنا. لو قلنا إن سببها «ضعف الوازع الديني» للفرد، وتجاهلنا المشاكل الحقيقية - التي من أهمها عدم تطبيق القانون بحزم على المخالف- لماذا إذن المواطن الذي لديه ضعف وازع ديني ويخالف الأنظمة داخل بلده، تجده ملتزماً بالنظام المروري في دول أخرى مجاورة عندما يزورها؟ ومن ناحية أخرى، فإن ترديد مصطلح «ضعف الوازع الديني» كأنه يشير إلى أن التهمة موجهة في المقام الأول إلى المواطن باعتبار أنه ناقص إيمان، وهي تهمة ساخرة، ترتد على قائلها ومطلقها، فلو كان المواطن منضبط الإيمان والتقوى لما احتجنا أصلاً إلى نظام مروري ومراكز شرطة، لأن كل فرد سيعرف حقوقه وواجباته ومسؤولياته تجاه الآخرين! المسألة الأخرى، الدول العلمانية والدول غير المسلمة لا يتوافر بها «وازع ديني» لضبط حركة مرور شوارعها، لكنها وفرت قانونا يكفل تطبيق نظام المرور على الجميع دون استثناء، وهو نظام - أي نظام المرور- يتشابه في أغلب دول العالم! أنتهي بالقول: ما الذي فهمه العالم الآخر، وما الذي فات علينا فهمه في مسألة «إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن». أعطيت مثالاً عن المرور ليسهل الحديث عنه، وإلا فإن المساحة تشمل كل مظهر من مظاهر التخلف والفساد.

مشاركة :