في خطبته بجامع الإمام محمد بن عبدالوهاب اليوم حذّر فضيلة الإمام الدكتور ثقيل بن ساير الشمري من دعاة الفُرقة والاختلاف الذين يعقدون مؤتمرات هنا أو هناك، لإشاعة العداوة والشحناء بين مكونات الأمة، مشيراً إلى أن هذه الأيام العصيبة التي تمر بها الأمة تعتبر أيام فرقان، تميز بين أهل الحق المتمسكين بالكتاب والسنة، وبين أهل الأهواء والزيغ، الذين يعملون ضد مصلحة الأمة. وقال: يبين الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية، أن الذين سعوا في تفريق الدين طوائف وأحزاباً، فالنبي صلى الله عليه وسلم بريء منهم (لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) فهم من يتحملون مسؤولية ما سيلحق بهم من عذاب وعقاب في الدنيا والآخرة، فذلك التفريق وهذا التحزب، وهذه الفرقة التي جعلوها في دين الله، وفي هذه الأمة، كلها أمور بعيدة عن طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد أمرنا الله تعالى بأخذ ما جاء به فقال: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)، إذا فالأمر نأخذه من النبي صلى الله عليه وسلم، عقيدة وعبادة وأخلاقاً، ومعاملة، لا نأخذه من غيره، بل منه صلى الله عليه وسلم، وممن ساروا على منهجه، كما قال صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ) ثم حذر الأمة في آخر هذا الحديث بقوله: (وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة)، يبين صلى الله عليه وسلم أنه ينبغي لنا أن نتمسك بهديه، وأن نسير على سنته وعلى نهج من سار على نهجه من الخلفاء الراشدين والصحابة والتابعين، وأن لا يقاتل بعضُنا بعضاً، يقول صلى الله عليه وسلم: ( لا ترجعوا بعدي كفارا، أو قال ضُلّالا، يضرب بعضكم رقاب بعض)، يفعل ذلك من فرقوا دينهم، ومن ابتعدوا عن سنته صلى الله عليه وسلم، وسنة صحابته والتابعين لهم بإحسان؛ ولهذا فإن أهل السُّنَّة والجماعة هم الذين تمسكوا بسنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونبذوا ما سواها في العقائد، وما سواها من الأخلاق والمعاملات والأحكام، وتمسكوا بها؛ لأن التمسك بها هو امتثال لأمره صلى الله عليه وسلم، وامتثال لأمر الله عز وجل (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ)، ولهذا سموا بأهل السُّنة لتمسكهم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لتمسكهم بها، وسموا بأهل الجماعة لأنهم اجتمعوا عليها وهي حق، فاجتمعوا على الحق فهم أهل الحق، لذلك يقول الإمام الأوزاعي رحمه الله: "كان يقال: خمسة كان عليها أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: لزوم الجماعة، واتباع السُّنة، وعمارة المساجد، وتلاوة القرآن، والجهاد في سبيل الله"، فهذه هي صفة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم الذين يجمعون ولا يفرقون، والذين إلى كتاب الله وسنته صلى الله عليه وسلم يحتكمون ويتبعون وبها يلتزمون، أما الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً وطوائف وأحزاباً ومللاً، وأهل خرافات وبدع، فهؤلاء (لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ)، يعني رسوله صلى الله عليه وسلم، فهذا هو كلام الله لنبيه صلى الله عليه وسلم. ونبه فضيلته إلى أن خصائصَ أهل السُّنة هي التمسك بالسُّنة عبادة وأخلاقاً وممارسة، فهذا هو منهجهم الذي يتعاملون به، أما الذين يسخرون من أهل السُّنة، فهؤلاء هم أبعد الناس من هديه صلى الله عليه وسلم، ومن هديه وسنته، وما نزل عليه صلى الله عليه وسلم في شأن المنافقين، وحتى عند استقراء التاريخ، كل ذلك يشهد أنهم على هوى وضلالة، ولم ينفعوا الإسلام؛ لذلك قال الإمام ابن حزم رحمه الله: "اعلموا رحمكم الله أن أهل الضلالة جميعاً لم يُجرِ الله على أيديهم خيراً ولم يفتح بهم من بلاد الكفر قرية ولا رفعوا للإسلام راية يفرقون بين المؤمنين ويسلون السيف على أهل الدين ويسعون في الأرض مفسدين" فهؤلاء اليوم يتحالفون مع أعداء الله ضد مصلحة الإسلام والمسلمين، وإن تسموا بأهل السُّنة فالسُّنة بريئة من أمثال هؤلاء؛ لأن مَن يتبع السنة وينتصر لها هو الذي يلتزم بسنة الحبيب صلى الله عليه وسلم. ولفت إلى أن من لا يدعو إلى المحبة والأخوة والتعايش السلمي بين أبناء الأمة ليسوا من الإسلام في شيء، فيا أهل الإسلام لستم على شيء حتى تُحكِّموا القرآن وتقيموا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا هو المنهج السليم الصحيح، فنحن نرى جماعة من الناس من أهل الضلالة والخرافات، والأفكار الإقصائية عندما شعروا بقلتهم وضعف أتباعهم وضعف سلطانهم، بل ووعي جمهور المسلمين بأنهم أصحاب ضلالات وهوى، يضرون الإسلام ولا ينفعونه، فعندما شعروا بذلك أرادوا أن يبرزوا أنفسهم في مؤتمر من المؤتمرات ويصفوا أنفسهم بأنهم أهل السنة وأنهم كذا وكذا، والحقيقة أن السُّنة وأهل السُّنة هو من التزم بهديه صلى الله عليه وسلم، والعقيدة لا تؤخذ من قول هذا العالم أو ذاك وإنما نأخذها من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن كانت هذه صفته فهو من أهل الحق وأتباعه، فالأئمة الكرام لهم الفضل ومنهم يلتمس الخير ودعوتهم مباركة، لكن العقيدة لا تؤخذ منهم، فهم إنما يشرحون هذه العقيدة ويبينون للناس ما لا يفهمونه. وأشار الشمري إلى أن الذين يصفون مجموعة من أهل السنة المتمسكين بها بأنهم وهابيون عليهم أن يعيدوا النظر في أقوالهم، فهذا الجامع الذي نوجد به سمي على الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فذلك العالم الرباني العامل المجدد، لم يأت بدين جديد ولم يأت بدعوة جديدة، إنما دعا الناس إلى العودة إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ودعاهم إلى نبذ الخرافات والضلالات الشركية، وداعاهم إلى مذهب رسول الله وصحابته والتابعين، فقد جاء رجل إلى عالم مكة عطاء بن أبي رباح رحمه الله يسأله عن مسألة من المسائل، فلما رآه غريباً سأله: من أي البلاد أنت؟، قال من الكوفة، قال من القرية التي جعلت دينها شيعاً؟ قال نعم، قال من أي الأصناف أنت؟، قال ممن لا يسبون السلف، ولا يكفرون أحداً من المؤمنين بذنب، قال: عرفت فالزم عرفتَ فالزم، إذا يتبين من هذا أن السنة هي العودة إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وليس الأخذ بأفكار أصحاب الأهواء والضلالات الذين نرى كثيراً منهم اليوم يتحالفون مع أعداء الأمة ويتعاونون معهم ويقتلون المسلمين من أهل السُّنة في كثير من بلاد المسلمين، فقد أصبحوا أنصاراً لأهل الظلم والجبروت في كثير من البلدان، فأصحاب الأهواء لم ينتصروا يوما للسُّنة، بل لجاههم وامتيازاتهم، لذلك لما شعروا بأن أتباعهم قد قلوا وأنصارهم قد ضعفوا، ولم تعد لهم هيبة، لجؤوا إلى مثل هذه المؤتمرات للفت الأنظار إليهم من جديد، لكن بحمد الله انتصر الحق وظهر، وانقمع الباطل، وسقطت الأقنعة، وظهر هؤلاء على حقيقتهم. ومن لطف الله بهذه الأمة أن جعل الله لها هذه الأيام أيام فرقان، يتبين فيه العاضُّ بالنواجذ على الكتاب والسنة، ومن ليس كذلك، فقد فرقت هذه الأيام العصيبة من تاريخ الأمة بين الحق وأهل، وبين الباطل وأهله، تتجلى هذه الأمور في كثير من وسائل الإعلام وغيرها؛ لذا أدعوكم إلى التمسك بهديه صلى الله عليه وسلم. وفي ختام خطبته ذكّر فضيلة خطيب جامع الإمام بضرورة إشاعة الرحمة والتواد والتراحم بين المسلمين، امتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر)، فهذا هو منهج المسلمين المؤمنين الذين يتقون الله ويتمسكون بالسنة، يحبون الخير للأمة، وإن وجدت الخلافات بينهم، فالخلاف يجب ألا يكون سبباً في العداوات والبغضاء والتحزب، فالصحابة رضوان الله عليهم اجتهدوا واختلفوا في كثير من الأمور، لكنهم كانوا أفضل خلق الله، فقد بلغوا هذا الدين وحملوا الأمانة وأدوها، وجاء من بعدهم التابعون، وأصحاب المذاهب المتبوعة، فلم يدعوا إلى فرقة ولا إلى عداوة، وإنما دعوا إلى وحدة المسلمين واجتماعهم، وأقوال بعضهم المشهورة توضح ذلك، "إذا صح الحديث فهو مذهبي"، فهذه كانت تعليماتهم لطلابهم وأنصارهم، فقد بينوا لهم أن أقوالهم عندما تتعارض مع حديث رسول الله فليضرب بها عرض الحائط، فهذا هو مذهب الصالحين، ومسلك من يقتدى بهم ويسار على نهجهم. أ.س;
مشاركة :