ناقش وزراء التجارة من دول الاتحاد الأوروبي أمس الجمعة في براتيسلافا مستقبل اتفاقية التبادل الحر الجاري التفاوض بشأنها مع الولايات المتحدة، والتي تثير تنديدا في أوروبا، وتود فرنسا والنمسا طي صفحتها. وقال وزير الاقتصاد النمساوي راينهولد ميترلينر صباح أمس الجمعة لدى وصوله إلى عاصمة سلوفاكيا إن «اتفاقية الشراكة الأطلسية للتجارة والاستثمار معلقة فعليا، لأن المفاوضات لا تتواصل حقا». وأضاف: «سيكون من المنطقي طرحها جانبا بصورة تامة (...) وإعادة إحيائها (...) بتسمية جديدة وشفافية أكبر وأهداف أوضح». وهو موقف قريب من موقف فرنسا التي أكدت في الأسابيع الأخيرة أنها تعتزم طلب «إنهاء المفاوضات» في براتيسلافا. وتهدف اتفاقية الشراكة الأطلسية، المشروع الهائل الذي بدأ التفاوض بشأنه عام 2013، إلى إزالة الحواجز التجارية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ومنها الرسوم الجمركية والقيود القانونية التي تعيق الوصول إلى الأسواق. غير أن معارضيها، من منظمات غير حكومية ومسؤولين منتخبين ونقابات وناشطين، يعتبرون أنها تشكل «خطرا» على الديمقراطية والأمن الغذائي، وكذلك المعايير الاجتماعية والبيئية. وتجرى بانتظام تظاهرات احتجاجا عليها، جمعت آخرها عشرات الآلاف في 17 سبتمبر في ألمانيا. وبدلا من إعلان التخلي عن المشروع أو تعليق المفاوضات الشديدة البطء أساسا فإن الدول الـ27 قد تأخذ بواقع أنه لن يتم التوصل إلى أي اتفاق قبل انتهاء ولاية الرئيس الأمريكي باراك أوباما في يناير 2017، الاستحقاق المحدد أساسا للتوصل إلى تحقيق الهدف. وقال وزير الاقتصاد الألماني الاشتراكي الديمقراطي سيغمار غابريال: «من المؤكد أنه لن يكون هناك معاهدة هذه السنة»، بعدما كان انتقد بشدة الاتفاقية في الأشهر الأخيرة، خلافا لموقف المستشارة أنغيلا ميركل. وأقرت المفوضة الأوروبية للتجارة سيسيليا مالمستروم التي تتولى التفاوض مع الولايات المتحدة باسم الدول الـ27 بأن «هناك صعوبات وأمورا كثيرة مازال يتحتم القيام بها، وبالتالي فإن فرضية التوصل إلى تسوية سريعة تتراجع أكثر وأكثر». لكنها دعت دول الاتحاد الأوروبي إلى مواصلة المفاوضات «لإحراز أكبر قدر ممكن من التقدم». وخلافا لفرنسا والنمسا، أعلنت 12 دولة أوروبية، بينها إيطاليا وإسبانيا وبريطانيا، مؤخرا تأييدها الاتفاقية في رسالة مفتوحة نشرتها. وفي الولايات المتحدة، حيث حملة الانتخابات الرئاسية على أشدها، لا يلقى هذا الموضوع أي أصداء إيجابية، بل هو موضع هجمات بين المرشحين الجمهوري والديمقراطي، بحسب ما قال مصدر أوروبي. ومن العقبات الأخرى التي تعيق التقدم في المفاوضات الانتخابات الرئاسية الفرنسية في النصف الأول من عام 2017، تليها الانتخابات التشريعية الألمانية في نهاية الصيف، ما يمكن أن يرجئ الدفع المرتقب في مسار الاتفاقية إلى نهاية العام المقبل. وحمل هذا الوضع سيسيليا مالمستروم في الأيام الأخيرة على الدفاع عن «اتفاقية التجارة والاقتصاد الشاملة»، اتفاقية التبادل الحر الموقعة مع كندا، والتي تحولت بالنسبة إليها إلى «النقطة الرئيسية» في اجتماع براتيسلافا. وتردد المفوضة خلال مقابلات واجتماعات عامة رسالة رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر بأن الاتفاقية الأوروبية الكندية هي «الاتفاقية الأفضل والأكثر تقدما التي فاوض الاتحاد الأوروبي بشأنها حتى الآن». وهي ستجري مناقشات مع آخر الوزراء المعارضين، بهدف إصدار إعلان مشترك تتم صياغته مع الكنديين «من أجل طمأنة بعض المخاوف». وقال وزير الخارجية البلجيكي ديدييه ريندرز: «يجدر بنا وضع إطار لكيفية حماية الخدمات العامة»، ذاكرا كذلك مسألة «المعايير الاجتماعية». ومن المقرر توقيع الاتفاقية في 27 أكتوبر خلال قمة في بروكسل بحضور رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، على أن يتم تطبيقها بصورة مؤقتة بعد ذلك، بانتظار إبرامها في برلمانات جميع بلدان الاتحاد الأوروبي، وفق آلية قد تستغرق سنوات. غير أن معارضي الاتفاقية يصفونها بأنها «حصان طروادة» للاتفاقية مع الولايات المتحدة.
مشاركة :