«المهمة الخطيرة: ليبيا»... شبح القذافي يحوم

  • 2/26/2014
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

لا تشبه زيارة المصور الصحافي مايكل كريستوفر براون الخامسة الى ليبيا، سواها من الزيارات السابقة لأسباب كثيرة تتعلق بطبيعة المهمة التي أوكلت اليه هذه المرة، إضافة الى تداعيات شخصية، أخرى، أثارتها زيارته الجديدة للمناطق التي عاش فيها تجربة مهنية غنية أعادت له ذكرياته مع زملاء مهنة سقطوا أثناء تغطيتهم الأحداث التي جرت في البلاد وأدت الى سقوط حكم معمر القذافي. ولم تخف على براون الاختلافات الكبيرة في طبيعة المشهد السياسي الليبي الذي تَغيّر من المواجهة بين النظام ومعارضيه الى المواجهة بين رفاق الأمس، وهذا ما رصدته بالتفصيل كاميرا الوثائقي التلفزيوني الأميركي «المهمة الخطيرة: ليبيا» وتوزعت تسجيلات عدستها على مستويين: الأول يخص الصحافي المصور وانطباعاته، والثاني عام، تُتابع من خلاله الواقع الليبي بعد مرور ثلاثة أعوام على بداية الحراك الشعبي الذي صادف ذكرى انطلاقته قبل أيام قليلة. يكاد يخلو الوثائقي التلفزيوني من أي تعليق مكتفياً بالمونولوج الداخلي للمُصور مايكل براون وبصوره التي تحكي بنفسها عن تجربته وتجربة ليبيا منذ اندلاع ثورتها في شباط (فبراير) عام 2011 وتطوراتها التي يتحدث عنها حال وصوله اليها. ويلاحظ أن المكان الذي كان يعج بالصحافيين قد خلا منهم الآن، وأن صورة الصراع التي كانت واضحة لديه صارت أكثر التباساً. فالصراع الذي يراه اليوم لا يجري بين سلطة القذافي وبين معارضيه بل يكاد يكون محصوراً بين أصحاب السلطة الجديدة المغيبة. ويقول: «في كل مرة يعود المرء الى المكان الذي غادره يرى أشياءً جديدة، وما أراه الآن يبدو أكثر تعقيداً عما كان عليه الوضع أيام الحرب الأهلية، وقتها كان جلياً بلونين: أسود وأبيض، أما اليوم فيبدو غاية في التعقيد». يعرف الليبيون براون أينما حلّ، لأنه كان من الوجوه الصحافية الناشطة، إذ سجلت عدسته أدق تفاصيل حربهم وكان دوماً بصحبة الثوار أثناء تقدمهم من مناطقهم الى العاصمة طرابلس. اليوم يعود الى المدن ذاتها ويبدأ بتسجيل ما هو موجود فيها فينتبه الى انتشار اللا يقين بمسار الثورة بين ثوارها وحذرهم الشديد مما يحيط بهم الى درجة دفعته لسؤال أحد الأطباء النفسيين عن الظاهرة التي يرصدها. قال له الطبيب: «انها تشبه حالة من «البارانويا» (مرض التوهم الجماعي) يعيشها الناس بعدما انتهوا من عدوهم الأول، فالتفتوا ليجدوا شبحه في كل مكان». في كل المقابلات التي أجراها مع الثوار من مصراتة الى بنغازي وجد خوفاً من وجود أتباع القذافي ومن احتمال عودتهم أو تسببهم بأذى لمناطقهم وأهلهم، الى جانب طغيان روح الانتقام حين تابع تظاهرات يقودها أبناء منطقة تاور غاء، وشكواهم من عمليات ابادة منظمة وتمييز عنصري، ضدهم، بحجة وقوفهم «جميعهم» مع القذافي أثناء المعارك. الميلشيات والانحياز القبلي والتمسك بالسلاح مظاهر لم يعرفها وقتها بروان حين كان يصوّر ما يجري أمامه. كان منشغلاً بنقل الحقيقة التي دفع ثمنها غالياً عندما أصيب بجروح خطيرة نتيجة سقوط قذائف مدفعية فوق المكان الذي كان يصور منه إحدى المعارك الى جانب زملاء آخرين قتل بعضهم إثرها. وكان بديهياً أن تثير زيارته الى المكان الذي قتل فيه زميله المخرج السينمائي والمصور المعروف تيم هيثرنجتون والمراسل الحربي كريس هوندروز، أحزانه وتوقظ ذاكرته على أيام قضوها معاً، من أجل هدف واحد. أما اليوم فيتساءل بأسى «هل يستحق ما قمنا به من عمل هذه التضحيات الكبيرة؟ وهل كانت الحقيقة التي كنا نُعرض أنفسنا للموت من أجلها موضع اهتمام الناس؟». في حواراته الداخلية يعرض براون مجموعة مفاهيم وأفكار تتعلق بمهنة الصحافة ودور الصحافي في نقل الحقائق الى الرأي العام، والأهمية الفائقة لأفكار هيثرنجتون عن هذا الدور وتجربته الميدانية التي أفادته كثيراً، الى درجة اعتبره فيها معلماً وواحداً من النماذج الصحافية الشجاعة والمحايدة، وعدّ موته خسارة كبيرة له وللمهنة التي جال أخطر مناطق العالم من أجل تغطيتها. في خضم انشغاله الجديد وإحساسه بالحزن لم يهمل براون ما وجده توازناً للصورة المعتمة السائدة والتي يكرر مراراً وتكراراً صعوبة فهمه لها، حين قابل ليبيين عاديين، عانوا وقاوموا القذافي، وكل ما ظل من طموحاتهم اليوم هو العيش في آمان وتأمين مستقبل أطفالهم وإبعاد شبح الموت عنهم، فيما وجد في تجربة التسامح التي يجريها أهالي منطقة مصراتة - البريقة بين أبنائهم نموذجاً مصغراً للمصالحة الوطنية المرتجاة. ليبياتلفزيون

مشاركة :