ثقافة الائتلاف وآداب الاختلاف"1-2"

  • 9/26/2016
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

يظل الحديث عن الائتلاف والاختلاف وأدبياته حديثًا نظريًا مُنمّقًا، لكن التجربة بممارسته على أرض الواقع هي التي تكشف عن قدرتنا على توظيف الاختلاف للمصلحة العامة، كما تكشف عن قدر حاجتنا للحديث عن ثقافة الائتلاف وآداب الاختلاف. وما أحوجنا في هذه المرحلة من حياة أمتنا التي تتجاذبها كل الملل، ويتقاذفها أعداؤها في كل مكان، أن تتوحد كلمتنا وأن نتعلم ثقافة الائتلاف والتقارب فيما بيننا، فبقدر قوة وحدتنا وتماسكنا، يكون ذلك بأسًا على أعدائنا، ووعينا بآداب الاختلاف، ينجينا جميعًا من الصراع المذموم الذي يُفرّق كلمتنا ويشتت صفّنا. لقد أتقنا فن الاختلاف، للأسف، وافتقدنا آدابه والالتزام بأخلاقياته، فكان أن سقطنا فريسة التآكل الداخلي والتنازع الذي أورثنا هذه الحياة الفاشلة، أو أدّي إلى ذهاب الريح، قال تعالى: (ولا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ) [الأنفال: 46] ومصطلح (الائتلاف) مصطلح جميل له ما بعده، وتبتهج به النفس، وتهشّ له القلوب، لا سيما في زمن نحتاج فيه للتقارب والتآلف وتوحيد الكلمة وجمع القوى. أما (الاختلاف) فيرى بعض العلماء أنه لا فرق بينه وبين الخلاف، بل هما مترادفان، ومن العلماء من يُفرّق بينهما. قال أبو البقاء الكفوي في كلياته: الاختلاف: هو أن يكون الطريق مختلفًا والمقصود واحدًا، والخلاف أن يكون كلاهما مختلفًا. والاختلاف من آثار الرحمة والخلاف من آثار البدعة، والاختلاف ما يستند إلى دليل والخلاف ما لا يستند للدليل. ولذلك قال الله تعالى: (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم) [هود: 118- 119]، فالاختلاف بين البشر هو سنة كونية لمن استثمره وتفاعل معه وتقبّله وجعله أداة بناء للعلاقات الإنسانية لا هدمها، كما يتصور البعض، وقد أراده الله سبحانه وتعالى لخير البشرية لا لشقائها. ويجب أن ننظر إليه من منظور إيجابي ونستخدمه لرقينا وتقدمنا لا العكس، فلو تحلينا بأدب الحوار وضوابط الاختلاف، لوجدنا أن الاختلاف نعمة كبرى وليس نقمة كما يعتقد البعض، هذا شريطة أن يكون هذا الاختلاف اختلافًا منهجيًا وليس اختلاف مصالح. فالاختلاف المنهجي يُثري الحوار ويُصقل ويُثقّف المختلفين في الرأي، إذا ما التزموا بأدب الحوار وضوابط الاختلاف، أما اختلاف المصالح، فهو اختلاف أعمى يؤدّي بأطرافه إلى الهلاك. كيف نصل إلى الائتلاف مع اختلافنا في وجهات النظر؟ الائتلاف في هذه المرحلة من أوجب الواجبات، التي يجب على كل العاملين في العمل السياسي، والعمل الدعوي، أو أي عمل بشري، يُراد منه نفع الناس، مراعاة ذلك، دون الإخلال بالثوابث المتعارف عليها في كل فن. ومن الأمور التي تساهم في التقارب بين الناس والتفاهم، وتساعد على الائتلاف بعيدًا عن التنابز بالألقاب: أولا: الرفق في التعامل: فالرفق مبدأ من المباديء العامة للشريعة الإسلامية، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الرفق ما كان في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه"، و"إن الله رفيق يحب الرفق، وإن الله يعطي على الرفق مالا يعطي على العنف"، فالمتأني الذي يأتي الأمور برفق وسكينة، اتباعًا لسنن الله في الكون، واقتداء بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، تتيسر له الأمور، وتُذلل له الصعاب، لا سيما إذا كان ممن يتصدى لدعوة الناس إلى الحق فإنه مضطر إلى استشعار اللين والرفق كما قال تعالى: (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) [فصلت: 34] ثانيًا: ألّا نتكلم بغير علم: قال تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم) [الإسراء: 36]، فلا بد من الإحاطة بما في المسألة التي تريد أن تتحدث فيها قبل أن تختلف مع غيرك، وكما قال الشاعر: قل للذي يدّعي علمــًـــا ومــعــرفة علمت شيئـــًا وغـابت عنك أشـيــــاء فالعلم ذو كثــرة في الصحف منتشر وأنت يا خل لم تستكمـــل الصحفـــا ثالثًا: الاستماع والإنصات الجيد للآخرين: فنحن حينما نتحدث، نحب أن يستمع إلينا الآخرون، لأن الاستماع يشعرنا بالثقة والاحترام، وأهميتنا لدى الطرف المستمع، وقد أثبت علماء النفس الاجتماعي أن الاستماع الجيد إلى الآخرين ليس بالضرورة ينتهي إلى التأثير الكامل عليهم إلا أنه يزيد من أواصر المحبة والتقارب الروحي والعاطفي بين الناس..كما أن من أبرز سمات العظماء وأصحاب النفوذ والتأثير في المجتمعات هي الاستماع والإصغاء إلى كلام الآخرين، فليس كثرة الكلام دليلاً على قوة الشخصية ولا قوة التأثير بل ربما - أو في الغالب - ينتهي كثرة الكلام إلى ما لا يحمد عقباه من النتائج. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :