أكتب هذا المقال على صوت صريخ عجلات المفحطين الأربع، بل -ربما لا تصدقون- ورائحة كفراتهم البلاستيكية التي وصلت داخل بيتي كما هو حال بيوت الجيران للأسف الشديد، وليس هذا بجديد في الحي الذي أسكنه، فقد تعودنا أن نستيقظ غالباً في الثلث الأخير من الليل خاصة أيام الإجازات ونهاية الأسبوع على تفتفات المفحطين وصرخاتهم المؤذية التي لا نملك إزاءها إلا الدعاء لهم، وأحياناً ينفلت اللسان بالدعاء عليهم من شدة المعاناة التي وصلنا لها للأسف الشديد!!! * لما قرأت خبر وفاة أشهر مفحط في المملكة الملقب بـ»كنق النظيم» ترحمت عليه لأنه أولاً وأخيراً مسلم يشهد ألاّ إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ومات على التوحيد الحق فيما يظهر لنا والله أعلم بالسرائر، ولما ذُكر عنه من خير في آخر أيام عمره، وفي الوقت نفسه سألت الله الرحمن الرحيم لمن ما زالوا يقارفون هذه الجريمة النكراء -في حق أنفسهم وأهليهم وأوطانهم والسكان القاطنين قريباً من أماكن تجمعاتهم- أن يهديهم الرب سبحانه وتعالى سواء السبيل، وييسر لهم الإقلاع عن هذا الصنيع المشين. * الموت أعظم واعظ، والعاقل من اتعظ بغيره، وربما يتفق الجميع أنه لا أحد يجاري «كنق النظيم» في قدرته على التحكم بالمركبة، وحسن التصرف في المواقف الصعبة، ومع ذلك كانت النهاية المؤلمة التي هزت الشارع السعودي فصارت على ألسنة الكثير. * إن على الإنسان أن يتذكر دائماً أن نفسه أمانة عنده ليس له الحرية المطلقة في التصرف فيها يفعل بها ما شاء؛ إذ سيسأله الله -عز وجل- عن هذه الأمانة التي اؤتمن عليها يومًا ما، فماذا عساه قائل؟ * الأمر المهم في حياة الإنسان أن يجد جواباً مقنعاً لكل سلوك يقترفه، لماذا أفعلُ هذا الشيء؟ وهل هناك فائدة لي في آخرتي قبل دنياي؟ وماذا يترتب على ما أقوم به من عمل أياً كان من خير أو شر؟ وجزماً لن يجد المفحّط لسيل هذه الأسئلة إلا الندامة والخسران، فالتفحيط جماع الشر كله، واسألوا -إن شئتم- رجال المرور الساهرين من أجل أن ننام، أو اسألوا من هم اليوم في السجون خلف القضبان، أو أسارى المرض على الأسرة البيضاء والكراسي المتحركة في المستشفيات ومراكز التأهيل والمصحات جراء ارتكابهم حادثاً أليماً في لحظة تهور دفعتهم لممارسة التفحيط الذي ليس فيه شرف ولا منقبة لأحد مهما كان. * ولأهمية الأمر فإنني أدعو الشباب عامة والمفحطين خاصة إلى الوقوف طويلاً والتفكّر جيداً فيما قاله سماحة المفتي العام للمملكة العربية السعودية رئيس هيئة كِبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ السبت الماضي على أثر حادثة وفاة «كنق النظيم»: «التفحيط ظاهرة خطيرة ولا تفيد صاحبها شيئاً، إنما هي إتلاف للسيارة وقتل للنفس وإضرار بالغير... التفحيط لا خير فيه ولا يدل على نباهة أو ذكاء وقدرة، إنما هو تهور وجنون وعدم مبالاة بالنفس والمال، فتعريض السيارة للتلف يعتبر معصيةً لله تعالى فما بالكم النفس؟». ووجّه كلامه للمفحطين ناصحاً ومحذراً «...لا يخدعنكم هؤلاء المشجعون، فهم يتفرجون عليكم، وإذا حصل لكم شيء فسيتخلون عنكم ولن ينفعوكم مثقال ذرة». حفظ الله شبابنا وأعادهم إلى جادة الصواب، وأعان رجال أمننا ووقاهم شر من به شر، وأصلح لنا وإياكم النية والذرية، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء والسلام.
مشاركة :