رجاء المزيد من الأسئلة «الغبية»

  • 9/28/2016
  • 00:00
  • 47
  • 0
  • 0
news-picture

المشهد الأول: في كل فصل دراسي يحدث الآتي: يتم شرح درس ما وبعد فترة يسأل المعلم إن كان الموضوع واضحا وإن كانت هناك أسئلة فيعم الهدوء ويستمر الدرس بتعمق في جزء أكثر تعقيدا. وإن كان من بين الطلاب شجاع قال بعد مرور وقت لا بأس به: إنه لم يفهم أو سأل عن نقطة أساسية يرتكز عليها الدرس وحينها يتضح بالتدريج أن الجميع لم يفهم وأن المعلم قد أغفل نقطة توضيحية مهمة ويستنكر المعلم على الطلاب أنهم لم يقولوا شيئا. جميع الطلبة حالهم واحد من أن الكل يتوقع أن الآخرين فهموا وأن القصور منه، وسوف يسأل زميلا مقربا عن الأمر لاحقا لو كان مهما، ما لم يتوقعوه أن يكون الجميع لم يفهم. المشهد الثاني: في غرفة الاجتماعات تناقش مسألة فينتقل النقاش سريعا من فكرة مختصرة ومجردة لمشكلة ما إلى محاولات لحل المشكلة والدخول في تفاصيل ما قد يكون عائقا للحل. تحت ضغط الزمن تطوى القضية بكل بساطة حتى يسأل أحدهم إن كان سبب المشكلة معروفا أصلا أم أن كل ما دار بناء على افتراضات تفتقر إلى المعلومات الكافية لاتخاذ القرار. قد يبدو هذا الشخص الذي في ظاهره يعطل الاجتماع مزعجا، وقد يسكته من حوله بتأكيدات لا يملكونها، لكن إن ألح في طلب المعلومة فسوف يجد أن ما كان في ظاهره اجتماعا مثمرا توصل إلى قرارات لم يتعد كونه بعض الهواء الساخن بخطة لا يمكن تفعيلها. تتكرر المواقف في جميع البيئات سواء في الدراسة أو العمل أو حتى اجتماعيا، مهما انتابتنا الشكوك في أننا لم نفهم نتوقع أن الالتزام بالصمت هو أفضل إن كانت الغالبية العظمى صامتة لأنه مما يبدو ان الآخرين على دراية بما يدور من حولهم. فمن منا يود أن يغرد خارج السرب أو يعرف أنه غبي أو يظهر ضعفه ويفتح على نفسه مجالا ليكون عرضة للسخرية، السكوت الجماعي أفضل من الإحراج على انفراد وما قد يترتب على ذلك من عزلة اجتماعية، ومن منا لم يجد نفسه يوما في موقف مشابه؟ تجد الغالبية العظمى لديها صعوبة في مخالفة رأي الجماعة متبنين شعار «مع الخيل يا شقرا»، وإن كان هذا الأمر ليس مستغربا في مجتمعنا قد نستغرب من أن هذه ظاهرة عالمية لا علاقة لها بالثقافات بالشكل الذي نتصوره. كثرت الدراسات عن ضغط الأقران (peer pressure) وهو باختصار تأثير الجماعات على الفرد الذي ينتمي أو يطمح للانتماء لمجموعة بأن يتبنى قيمهم وينتهج سلوكهم. ولعل أكثر الدراسات وضوحا على تأثير الجماعة في السلوك ما أجري في قاعة داخل فندق دعي إليها أناس للمشاركة في دراسة عن أنماط التبضع عبر الانترنت. يدخل الاشخاص تحت التجربة في قاعة، ومن ثم يظهر من خلف أحد الأبواب دخان وبعدها تسمع صفارة الإنذار، عندما دخل الناس وحدهم وأوهموهم أنهم مبكرون وطلبوا منهم الانتظار كانت ردة فعلهم بعد رؤية الدخان سريعة في التحقق من الأمر ومغادرة المكان. أما عندما كان معهم أناس تظاهروا بأنهم لم يلحظوا شيئا، وأن الأمر طبيعي بقي الشخص في مكانه ولم يغادر، في إحدى الحالات ظلت سيدة أكثر من عشرين دقيقة والدخان يستمر في التدفق للغرفة وصوت الانذار كان مسموعا وبقيت حتى دعوها للخروج. عندما سئلت عن سبب بقائها قالت: إنها كانت تنتظر ردة فعل الآخرين ولم تكن تريد أن تظهر الهلع، بينما الآخرون جالسين بكل هدوء.. فماذا لو كان حريقا فعليا؟ وفي حادثة واقعية لحريق في فندق نجا الجميع إلا من كانوا في المطعم، حيث كثر الضحايا فيه واتضح لاحقا أنهم كانوا ينتظرون دفع الحساب لأنه ليس من اللائق والمتوقع اجتماعيا المغادرة دون الدفع ولم يرد أحد منهم أن يكون الأول في الخروج، لأن هذا هو المتوقع اجتماعيا في هذا المكان. في كل ما سبق دعوة للتفكير والتصرف، فالكل مسؤول عن نفسه في النهاية. استجواب المواقف والسؤال للاستيضاح مهم في كافة مجالات الحياة للتعلم والعمل والعيش، فهل نسلم رقابنا للجماعات التي ننتمي لها دون تحمل المسؤولية؟ من خبرتي لا توجد أسئلة غبية، لكن وهم يدعوننا للظن أنها غبية، السؤال فيه شجاعة وقيادية ورغبة فعلية للفهم، فلنشجع عليه، ولنهيئ له الجو المناسب.

مشاركة :