حلمي موسى اتخذت قمة عدم الانحياز في دورتها السابعة عشرة المنعقدة في جزيرة مارغرينا الفنزويلية، بين قرارات عدة، قرارا يقضي باعتبار عام 2017 عاما لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين. ومن المؤكد أن هذا القرار، في ظل الظروف الإقليمية والدولية الراهنة، يشكل إعلاناً من جانب دول عدم الانحياز باهتمامهم ببقاء المسألة الفلسطينية على رأس اهتمامات هذه المنظمة الدولية. غير أن القرار في جوهره يكشف تعقيدات الوضع العالمي القائم ويشير إلى الهوة بين الأقوال والأفعال، أو بين النوايا والنتائج. أدانت حركة عدم الانحياز في ختام اجتماعاتها الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة بحق الشعب الفلسطيني والممارسات غير القانونية والاستفزازية بالأراضي المحتلة، لا سيما بحق المسجد الأقصى. كما نددت بسياسة التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس الشرقية، والتي ترمي إلى تغير الواقع الديمغرافي على الأرض، وتقويض حل الدولتين. ومن ناحية يمكن اعتبار اهتمام دول هذه المنظومة بالمسألة الفلسطينية نوعا من المجاملة أكثر مما هو دلالة على فعل سياسي جدي. ومن ناحية أخرى يصعب ملاحظة أن للقرار آليات تنفيذ في ظل افتقار الحركة هذه لأدوات الفعل والتأثير التي كانت تمتلكها في الماضي. ومعروف أن مجموعة عدم الانحياز نالت قوتها من واقع الاستقطاب الدولي بعد الحرب العالمية الثانية ونشوء المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي، أو الغربي والشرقي. وحينها قررت دول أغلبها نال استقلاله حديثا تشكيل هذه المجموعة التي أعلنت أنها ليست أسيرة التناقض بين المعسكرين وأنها يمكن أن تكون غير منحازة في الصراع بينهما مع ميل للحياد الإيجابي. ونظرا لاحتدام الصراع بين المعسكرين في ظل الحرب الباردة بذل المعسكران جهودا كبيرة لكسب رضى هذه المجموعة ما زاد أثرها الدولي. غير أنه بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ونشوء ما بات يعرف بنظام القطب الواحد، أو حتى الاعتقاد بالميل الدولي نحو تعدد الأقطاب، فقدت هذه المجموعة الدولية أسس تأثيرها. وصارت أقرب إلى منتدى تناقش فيه أحيانا بعض القضايا من دون أن تتوفر لهذه المنظمة القدرة حتى على إلزام أعضائها بتنفيذ قراراتها. وهكذا تراجعت بشكل حاد قوة هذه المجموعة التي باتت تعتاش على ما يمكن اعتباره بقايا قصور ذاتي من ناحية وإصرار من بعض أعضائها على الاحتفاظ بهذا الإطار ولو من الناحية الشكلية لأغراض إعلامية وليست سياسية. ومن الواضح أنه في ما يتعلق بالمسألة الفلسطينية فإن مجموعة عدم الانحياز كانت على الدوام أقرب إلى الحديقة الخلفية، خصوصاً على المستوى السياسي، كانوا ينطلقون من رؤية أن أوراق الحل بيد أمريكا. وفقط بسبب إخفاق أمريكا في إيجاد الحل المنتظر صار البحث عن مسارات أخرى ضروريا. ولا بد هنا من الإشارة لواقع أن الإصرار على المشاركة الدولية في الحل سواء عبر مؤتمرات دولية أو عبر ما صار يعرف بالرباعية كان شكليا في الغالب. فقد بقيت أمريكا القوة الأشد تأثيراً على مجريات الحل السياسي للصراع بين العرب وإسرائيل، أقله لأن أمريكا، وهي القوة الأعظم عالمياً، هي الحليف والداعم الأكبر لإسرائيل. ولهذا السبب ثمة من تساءل عن المعنى الحقيقي لإعلان قمة عدم الانحياز عام 2017 عاما لإنهاء الاحتلال. والتقديرات في هذا الشأن كثيرة. هناك من لاحظ أن مثل هذا القرار هو استمرار لمنهج اتخاذ قرارات متعاطفة بشأن المسألة الفلسطينية درجت عليه قمم هذه المجموعة ومؤتمراتها. فقد حظيت القضية الفلسطينية في مؤتمرات دول عدم الانحياز المتعاقبة بالاهتمام، ومنذ مطلع الستينات تحظى هذه القضية بالدعم غير المشروط للحركة. وهناك من أشار إلى أن هذا ثمرة جهد فلسطيني وعربي لتسجيل مكاسب إعلامية وربما لحشد جهد لاستخدامه لاحقا في الأمم المتحدة مثلاً عند بحث المسألة الفلسطينية. ولم يستبعد آخرون أن يكون القرار تشجيعا للجهود الدولية التي تقودها فرنسا لعقد مؤتمر دولي في باريس لإنهاء الاحتلال وحل المسألة الفلسطينية. وفي كل حال من المؤكد أن أحدا لم يأخذ قرار مجموعة عدم الانحياز بوصفه برنامج عمل لإنهاء الاحتلال في العام المقبل، حيث تم التعامل معه على أنه، في أفضل الأحوال، أقرب إلى التمنيات. ولا يغير من واقع الحال شيئا استخدام الرئيس الفلسطيني محمود عباس التعبير نفسه في خطابه أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة الحالي ودعوته لأن يكون العام الحالي هو عام إنهاء الاحتلال. فالسلطة الفلسطينية التي تلحظ انحراف البوصلة العربية عن فلسطين جراء الاقتتالات والصراعات المذهبية والأهلية تحاول إبقاء القضية حية في المحافل الدولية. ورغم الإقرار بأن ليس في الأفق من حلول قريبة لا بالاتفاق ولا بالقسر، وأن كل ما يجري هو إدارة نزاعات إلى أن تتضح الصورة الإقليمية، فإن السلطة معنية بأن تظهر وكأنها في حركة وأنها تحقق إنجازات. وواضح أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس عمد إلى الإمساك بكل الحلقات المتوفرة سواء في قمة عدم الانحياز أو في الأمم المتحدة. ففي فنزويلا شدد أمام القمة على تمسك السلطة بالمبادرة الفرنسية وضرورة الإعلان عن موعد لعقد المؤتمر الدولي في باريس. وقال إننا نواصل العمل مع فرنسا والأطراف العربية والأوروبية والدولية، بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، لعقد المؤتمر الدولي للسلام، وخلق آلية مواكبة جديدة للمفاوضات. وشدد على ضرورة وضع جداول وأسقف زمنية محددة لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه، وصولاً لنيل شعبنا الفلسطيني حريته واستقلاله. ويعلم الرئيس عباس أن المشكلة الأساس التي تواجه القضية الفلسطينية حالياً هي ما يكتشفه العالم في سلوكيات إسرائيل. فالسياسة الاستيطانية التي تعمد إلى تكريس وقائع على الأرض تهدف جوهريا إلى القضاء على حل الدولتين. ويخلق الاستيطان واقعا يعرقل مستقبلا أي حل. ورغم أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو يحاول إقناع العالم بأن الاستيطان ليس العقبة وأن المشكلة تكمن في عدم اعتراف العرب بحق إسرائيل في الوجود، فإنه أشار مؤخراً إلى المقاصد الفعلية حينما اتهم الداعين إلى تفكيك المستوطنات بالسعي إلى ممارسة تطهير عرقي. في كل حال، لا يمكن الاستهانة بقرار مجموعة عدم الانحياز رغم العلم بأن هذه مجموعة لا تملك أنيابا وتعجز عن فرض قراراتها. والمهم أن يشكل القرار أرضية لعمل فلسطيني وعربي أوسع يحاول ترجمة هذا القرار إلى تدابير عملية. وعموما كلمة معك أفضل من كلمة ضدك. helmi9@gmail.com
مشاركة :