استمع فيصل عابدون خلال أسبوع واحد أعلن أطباء وعمال المهن الصحية بمستشفى أم درمان التعليمي الإضراب عن العمل يوماً واحداً، لينضم إليهم الأطباء في مستشفى إبراهيم مالك وهددت لجنة الأطباء بإعلان إضراب مفتوح في كل إنحاء القطر، ما لم تتحقق مطالبهم . واحتجاجات الأطباء ليست شيئاً جديداً. وقد كانت نقابة الأطباء رأس الرمح في الحركة السياسية السودانية، ومهد إضرابها الشهير في عام 1985 في اندلاع الانتفاضة الشعبية ضد الحكم العسكري ونجاحها. كما وجه الإضراب العام الذي نفذته في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات أقوى ضربة إلى نظام الإخوان رغم الأثمان الباهظة التي دفعها الأطباء حينها. غير أن الإضراب هذه المرة ليس سياسياً، ولا تقف وراءه النقابة الرسمية المسيّسة. وعلى الرغم من أنه وجه انتقادات شديدة إلى الحكومة لجهة تردي بيئة العمل في المستشفيات الحكومية، إلا أن الدافع الكبير لإعلانه كان تزايد حالات الاعتداء على الكوادر الطبية من قبل عناصر الأمن أحياناً، ومرافقي المرضى من المواطنين الغاضبين على وفاة أقربائهم أحياناً أخرى. ويخوض الأطباء كفاحاً يومياً للالتزام بمعايير المهنة وأخلاقياتها. وهم يتحركون وسط بيئات عمل كالحة وتدهور مريع في الخدمات وغياب الأدوية وأجهزة الفحص والإسعاف. تضاف لذلك معاناتهم الخاصة من ظروف الغلاء الفاحش وتدني المرتبات وضغوط العمل الذي تقوم به قلة قليلة. وفي مثل هذه ظروف تحدث أخطاء ولحظات خيبة وإحباط. وما يجعل الأمور أكثر مأساوية أن النسبة المخصصة للقطاعات الصحية بشقيها العلاجي والوقائي لا تتجاوز ال2 في المئة من ميزانية الدولة. إن اهتزاز جدار الثقة التاريخي الراسخ بين المريض وطبيبه إلى حد امتناع الطبيب عن عمله، هو أمر محزن بلا شك. لكنه يكشف أيضاً فداحة الثمن الذي بات محتماً على المجتمع أن يدفعه جراء تعقد الأزمات السياسية والاقتصادية. فالأطباء والمواطنون الغاضبون هم ضحايا لوضع اقتصادي وسياسي يزداد سوءاً. والإضراب غير السياسي بامتياز، إنما يمثل الجزء الظاهر فقط من جبل الأزمات والتوترات التي تهدد بالانفجار. وهو تعبير عن نفاذ الصبر والرغبة في الحسم مهما تكن الأثمان، ومن دون الاستناد إلى أي مرجعيات سياسية أو غيرها. كما أنه يفتح شهية الكيانات المهنية الأخرى لبدء سلسلة من الإضرابات العمالية تقود إلى إصابة البلاد بالشلل الكامل وتسرع سقوطها في الفوضى. وما يجب الإشارة إليه أن هذه القضية تدق ناقوس الخطر للحكومة السودانية وجماعات المعارضة للتوصل بسرعة إلى اتفاق سياسي للسلام قبل أن تسبقهم العاصفة. Shiraz982003@yahoo.com
مشاركة :