أنا حرة أكثر منك أيها الرجل

  • 9/29/2016
  • 00:00
  • 54
  • 0
  • 0
news-picture

إنني أكثر حرية من أي رجل في وطني، إنني أستطيع أن أحسم أمورا كثيرة في حياتي الشخصية، وأرفض أن أعيش في ظل أي حصار معرفي أو فكري ثمة أمور عليك ألا تستهين بوقعها، بتأثيرها المنحدر والشاهق، عليك أن تعيشها للحظة، لتدرك كم يمكنك تقييمها بواقعية، بعيدا عن المشاعر والآمال، لتدرك بحدسك الذي لا يخيب مدى قوتها أو هشاشتها التي لا يمكن لها بناء فكر أو قيمة. المهاجرون من بلادهم، بعضهم يهين الدولة التي استضافته على أرضها وأطعمته وكسته ودرّست أبناءه وبناته، وبعض المهاجرين يستقبلون زائريهم من موطنهم قائلين لهم بازدراء: كيف لكم أن تعيشوا بلا حرية؟ متوقعين أنهم بذلك يمكن لهم أن يسقطوا الشعور بالذنب داخلهم، لكن الإجابة تكون مختلفة عما يعتقده البعض، حينما يؤمن المرء من دون أن يكون قديسا أو عالما، إنما هو فقط إنسان يعرف قيمة ما يختاره، فيجيب المهاجر أو اللاجئ بصوت ملؤه الثقة: ومن قال لك إننا لسنا أحرارا، لو لم نكن أحرارا لما جئنا لزيارتك حيث تكون، ولو كنت في آخر بقاع العالم لجئنا لزيارتك والسلام عليك. أنت حر حينما اخترت الهرب من موطنك، ونحن أيضا أحرار حين بقينا حيث نريد أن نكون. كلنا لديه قناعاته وانتصاراته الداخلية نحو ثقافة الحرية، كثيرة هي الأوقات التي أطل بها على نفسي، وأكتشف أنني أكثر حرية من أي رجل في وطني. إنني أستطيع أن أحسم أمورا متعددة في حياتي الشخصية، وأرفض أن أعيش في ظل أي حصار معرفي أو فكري، لكنني ما زلت أؤمن بأن عَليّ أحيانا أن أظل متمسكة بذراع أي رجل من قبيلتي. ربما يكون مقالي شخصيا جدا، لكن الكاتب لا يمكن لهُ أن يستولي على فرص التطلع نحو حيوات الآخرين، إذ عليه أيضا -للمصداقية- أن يكشف عن بعض تفاصيل حياته الشخصية، لربما استفاد منها أحد القراء. حينما أصيب والدي -يرحمه الله- بالزهايمر، كنت أشعر بمدى الثقل النفسي الذي يقع على كاهلي. كان والدي العظيم موجودا جسديا، لكنه منفصل ذهنيا عن واقعه، فلهذا كان عليّ أن أقوم بأمور كثيرة ومختلفة. أحيانا أبكي حينما أتذكر أنني كنت أشكو للقريبين مني، بأنه ينقصني شارب فقط كي أكون رجلا، وكان هذا دوري في كل نهار. تفاصيل لا تستدعي التذكر الآن، فهي طويلة ومتعبة، لكني في الليل كنت أعود إلى طبيعتي، إلى الابنة الصغيرة التي تخاف على والدها، فتتأكد من أن الأبواب أُغلقت، فمريض الزهايمر يمكنه أن يستيقظ في أي لحظة، إذ إن ساعات نومه قليلة، ولديه مشاعر مضطربة ومرتبكة، بسبب عدم شعوره بالانتماء إلى المكان. لهذا، من الطبيعي -وفي أي وقت- تجده يفتح الباب وينطلق إلى الشارع دون هدف، فكان الأمر صعبا ومؤلما بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وأنت تمنع والدك من الخروج، وهو من كان يخاف عليك من الشارع والسيارات والآخرين، فتنعكس أمامك الصورة. ونعود إلى الدور المسائي الذي كنت أقوم به، فقد كان عليّ التأكد من أن جميع عاملات المنزل في مضاجعهن، وأن أنابيب الغاز مغلقة، والإضاءات الخارجية أُطفئت بإحكام. هذا الأمر لم يكن ليوم أو يومين، إنما كان على نحو أربعة أعوام. بعد أن غادر والدي الحياة، تخلصت من كل هذه الأعباء، وعدت الفتاة التي يجب أن يراعَى مالها وحقها في العيش، وأن عليها منذ هذه اللحظة أن تعيش دورها الحقيقي، لا أن تكون رجلا وامرأة في الوقت ذاته. اليوم، أنا لست مسؤولة عن مشكلات عاملات المنزل، ولست مسؤولة عن مزاج السائق الذي يفكر في العودة إلى موطنه، ولست مسؤولة عن تموين البيت، والتأكد من أن كل شيء في موضعه، فالمسؤولية يتولاها جميع الإخوة الذكور دون استثناء، وهذا هو دورهم الحقيقي، دور الرجل الذي لا يقوم به الآن بعض أشباه الرجال الذين يشعرون بالملل من الزواج، إذ ترتفع نسبة الأنانية لديهم، كالمهاجرين الذين لا يشعرون بالامتنان إلى الدول التي وافقت على إيوائهم، فيجد الزوج ببساطة أن زوجته الموظفة تتسلم راتبا يقارب راتبه، فلماذا يصرف هو على البيت؟ لماذا على الأبناء أن يذهبوا إلى مدارس خاصة؟ لماذا عليهم أن يحصلوا على دروس خصوصية؟ يأتي من العمل إلى البيت وتنتهي صلاحيته، وتقف المرأة في صراع خجل ومزعج وحيرة مع نفسها، إذ كيف لها بعد عدد من السنوات أن تنهي حياتها الزوجية، بسبب المفاجأة التي قررها الزوج، بأن يكون ضيفا دائما، لا يدفع حتى ريالا واحدا، وأن عليه أن يهتم بترتيب نقوده في البنك لعمره القادم الجديد. إنني لم أعد أهتم بأيهم أكثر حرية في وطني، المرأة أم الرجل؟ أشعر على الدوام بأني حرة أكثر من الجميع، ورغم أن كثيرين يقول إننا نعيش في مجتمع ذكوري سلطوي، إلا أنني لم أعش حياة الرجل وهو مستقل نفسيا واقتصاديا، ولكنه يُرغم على الزواج من فتاة فقط لأن والدته اختارتها له، لم يحدث لي ذلك ولم يحدث لكثير من الفتيات، ولكنه يحدث للرجل في وطني، لهذا يستهين كثيرون منهم بزوجاتهم، لأنهم لم يقوموا باختيارهن، وتسعد المرأة في زواجها لأنها هي من قالت: نعم أريده!.

مشاركة :