العلاقة بين موسكو وواشنطن تبقى أسيرة التهديد النووي المتبادل

  • 9/29/2016
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

على الرغم من وجود معاهدات دولية تنظم علاقاتهما في مجال التسلح النووي، ما زالت روسيا والولايات المتحدة تتبادلان النظر من زاوية التهديد النووي الذي يمثله كل منهما للآخر، والسعي لامتلاك الوسائل الكفيلة بالردع والاحتواء وتوجيه رد نووي تدميري مكافئ إذا تطلب الأمر. ويوم أول من أمس، كرر البنتاغون وصفه روسيا بأنها تشكل تهديدا نوويا للولايات المتحدة. وقال وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر إن «القعقعة أخيرا من جانب موسكو بالسلاح وتصنيعها منظومات نووية حديثة تثير أسئلة جدية بشأن التزاماتها بصفتها دولة رائدة في مجال الاستقرار الاستراتيجي بالامتثال للقواعد الراسخة منذ زمن حول استخدام السلاح النووي»، موضحا أن الولايات المتحدة لا تبحث عن مبرر لإطلاق نزاع جديد بل «تسعى إلى الحيلولة دون بداية ذلك النزاع». وخلال كلمة له، يوم أول من أمس، في قاعدة للقوات الجوية الأميركية في «ماينوت» بولاية شمال ديكوتا، أشار وزير الدفاع الأميركي إلى أن «الحرب الباردة» قد أصبحت من الماضي، مشددًا في الوقت ذاته على أن السلاح النووي ما زال يشكل ضرورة للولايات المتحدة بغية احتواء روسيا وغيرها من دول وصفها بأنها «عدو محتمل»، وردعهم حتى عن مجرد التفكير بإمكانية تفادي الضربة الانتقامية، مؤكدا أن البنتاغون ينوي إنفاق 108 مليارات دولار خلال السنوات الخمس المقبلة لتحديث الترسانة النووية الأميركية. كما أعلن كارتر لدى تفقده موقعا عسكريا أميركيا للأبحاث النووية أن الولايات المتحدة ترفض التخلي عن خيار توجيه الضربة النووية الأولى في حالة نشوب نزاع. ومن بين القوى النووية في العالم، فإن الصين على سبيل المثال تعهدت أنها لن تكون أول من يبادر إلى استخدام السلاح النووي في حال اندلاع نزاع. ولكن الوزير الأميركي أكد خلال زيارة إلى قاعدة كيرتلاند الجوية الواقعة في ولاية نيومكسيكو (شمال غرب)، التي تضم مركز الأبحاث الذرية أن واشنطن وحلفاءها في حلف شمال الأطلسي لن يتخلوا عن هذا الخيار. وأوضح كارتر أن عدم التخلي عن خيار المبادرة إلى استخدام السلاح النووي «يشكل عماد سياستنا منذ أمد بعيد ويندرج في إطار خططنا المستقبلية». وكانت شائعات سرت في واشنطن أخيرا أفادت بأن الرئيس باراك أوباما يعتزم الالتزام علنًا بأن لا تكون بلاده أول من يبادر إلى استخدام السلاح الذري في حالة اندلاع نزاع. وفي 2009 أكد أوباما في خطاب شهير ألقاه في براغ رغبته في عالم خالٍ من السلاح النووي. وكانت مسألة توجيه الضربة النووية الأولى أثيرت خلال المناظرة الرئاسية التي دارت مساء الاثنين بين المرشحين إلى البيت الأبيض هيلاري كلينتون ودونالد ترامب، وذلك من خلال سؤال طرحه عليهما الصحافي ليستر هولت الذي أدار المناظرة. ولكن أيًا من المرشحين لم يقدم إجابة شافية على هذا السؤال إذ استخدم المرشح الجمهوري عبارة غامضة في إجابته، بينما اختارت كلينتون عدم التطرق للموضوع. وتجدر الإشارة إلى أن ترامب كان قد أشار أخيرًا إلى أن روسيا تمتلك سلاحًا نوويًا أكثر تطورًا من السلاح الأميركي الذي يحتاج إلى تحديث، حسب قوله. والثلاثاء قدم برلمانيان ديمقراطيان اقتراحًا بقانون يمنع الرئيس الأميركي من شن الضربة النووية الأولى إذا لم يكن الكونغرس قد أعلن مسبقًا حالة الحرب. وقال السيناتور إدوارد ماركي الذي وضع اقتراح القانون بالاشتراك مع النائب تيد ليو إن «خطر وقوع حرب نووية يمثل تهديدا جسيما لديمومة الجنس البشري. للأسف فإن عدم استبعاد الولايات المتحدة إمكانية أن تكون أول من يستخدم السلاح الذري يزيد من خطر حصول تصعيد نووي لا إرادي». وأضاف: «يجب على الرئيس أن لا يستخدم السلاح النووي إلا ردا على هجوم نووي». وتأتي تصريحات كارتر بعد أيام على مؤتمر صحافي موسع عقده ميخائيل أوليانوف مدير دائرة وزارة الخارجية الروسية لحظر الانتشار والرقابة على التسلح، كرسه لقضايا التسلح النووي، وأشار فيه إلى أن روسيا والولايات المتحدة تمكنتا من تقليص ترسانتيهما النووية إلى مستويات أواخر الخمسينات من القرن الماضي، أي مستويات ما قبل «الحرب الباردة»، لافتا إلى أن «روسيا والولايات المتحدة تنفذان التزاماتهما بموجب معاهدة عدم الانتشار النووي، وتقلصان قواتهما النووية»، مؤكدًا أن البلدين قلصا تلك الترسانات بأكثر من خمس مرات عما كانت عليه قبل المعاهدة. وتجدر الإشارة إلى أن روسيا والولايات المتحدة التزمتا، بموجب اتفاقية «ستارت - 2» التي وقعها الرئيسان الأميركي باراك أوباما والروسي ديمتري ميدفيديف عام 2010، بامتلاك كل منهما لا يزيد على 1550 رأسًا حربية نووية و700 منصة إطلاق برية أو بحرية ثابتة أو متحركة أو جوية. إلا أن الجانبين لم يتوصلا حينها لاتفاق بشأن الدرع الصاروخية الأميركية، ولذلك أشارت روسيا في بيانها بعد توقيع المعاهدة أنها تحتفظ لنفسها بحق الانسحاب أحادي الجانب من «ستارت - 2» بحال وجدت أن توسع الدرع الصاروخية يشكل تهديدًا لأمنها. وتبقى هذه المسألة محط خلاف جدي وخطير بين الولايات المتحدة وروسيا، منذ أن أعلن الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن عام 2002 عن الانسحاب أحادي الجانب من معاهدة عام 1972 للحد من المنظومات الصاروخية المضادة للصواريخ. ويحذر مراقبون من أن عدم إيجاد بديل لاتفاقية عام 1972 قد يؤدي إلى انهيار كل المعاهدات التي تشكل حتى اليوم حجر أساس للأمن والاستقرار العالميين. وكان ميخائيل أوليانوف قد توقف عند مسألة الدرع الصاروخية خلال مؤتمره الصحافي أخيرا في موسكو، وإلى جانب القلق الذي عبرت عنه موسكو مرارًا بشأن نية الولايات المتحدة نشر أسلحة نووية ومنظومة الدرع الصاروخية في أوروبا الشرقية. وأشار أوليانوف إلى قلق بلاده بشأن خطط واشنطن نشر تلك المنظومة في كوريا الجنوبية، واصفًا تلك الخطوة بأنها تمس مصالح روسيا التي ستضطر من جانبها إلى أخذ هذا الأمر بالحسبان خلال التخطيط العسكري. كما تشعر موسكو بالقلق، حسب قول أوليانوف، إزاء خطط الولايات المتحدة في مجال تحديث الترسانة النووية، وتحديدا تصنيع قنبلة نووية حديثة خارقة تفوق سابقاتها بالقدرة التدميرية، وأعاد المسؤول الروسي إلى الأذهان أن هذه الخطوة تتناقض مع الشعارات التي رفعها أوباما في بداية رئاسته حول نيته تقليص السلاح النووي. إلى جانب ما سبق، أشار مدير دائرة الخارجية الروسية لحظر الانتشار والرقابة على التسلّح إلى أن الولايات المتحدة قامت بنشر السلاح النووي في دول غير نووية مثل هولندا وتركيا وألمانيا وإيطاليا وبلجيكا، وهو ما يتعارض مع فقرتين من فقرات معاهدة الحد من الانتشار النووي تنصان على عدم نشر السلاح النووي في دول غير نووية، حسب قوله، مؤكدًا أن روسيا كانت قد سحبت كل أسلحتها النووية من أراضي الدول الأجنبية منذ نهاية التسعينات، ولن تقوم بنشر السلاح النووي خارج الأراضي الروسية. في ظل هذه الظروف، وبينما تشعر بقلق كبير إزاء النشاط العسكري الأميركي في أوروبا الشرقية، وبصورة خاصة في منطقة البلطيق، تتجه روسيا نحو تهيئة قواتها الصاروخية الاستراتيجية لتكون قادرة على مواجهة التحديات في المجال النووي، ومؤهلة للتعامل مع منظومات صاروخية استراتيجية حديثة سيتم إدخالها قريبا إلى المزيد من وحدات القوات الاستراتيجية الروسية. وفي هذا الإطار أجرت القوات الصاروخية الاستراتيجية الروسية مناورات واسعة انطلقت في العشرين من سبتمبر (أيلول) واستمرت عدة أيام بمشاركة 1700 عربة قتالية، بينها العربات العملاقة الحاملة للصواريخ النووية من طراز «توبل» و«توبل إم» و«يارس». وقال مسؤول عسكري روسي إن المناورات ستكشف مدى جاهزية بعض وحدات القوات الصاروخية الاستراتيجية الروسية على التعامل مع منظومة «يارس». وفي وقت سابق أكد وزير الدفاع الروسي أن الأسلحة في تلك القوات قد جرى تحديثها بنسبة 55 في المائة، وبحلول عام 2020 ستنتهي عملية تزويد القوات الاستراتيجية بسلاح حديث بنسبة 100 في المائة.

مشاركة :