أشْجَع السُّلَمي

  • 9/30/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

غيث خوري يعد الشاعر أشْجَع بن عمرو السّلَمي واحداً من الشّعراء الفحول في العصر العباسي، بما حمله شعره من سمات أدبية وفنية أصيلة عبرت خير تعبير عن الزمان الذي عاش فيه وصورت بصدق أحداث عصره، فشعره يتسم برونق الديباجة المشرقة حيناً، المُحمل بالفكرة الرحيبة والخاطرة المتوهِّجة حيناً آخر، المصورة لطبيعة البيئة اجتماعياً وسياسيّاً وثقافيّاً حيناً ثالثاً. كان أشجع يُكنى أبا الوليد من ولد الشريد ابن مطرود السلمي، تزوج أبوه امرأة من أهل اليمامة وعاش معها في بلدها فولدت له هناك أشجع الذي نشأ في اليمامة، وعند وفاة والده، جاءت به أمه إلى البصرة تطلب ميراث أبيه، وربي أشجع ونشأ في البصرة، وقال الشعر وأجاد فيه وعدّ بين الفحول، إلا أن أشجع السلمي كان رديء المنظر قبيح الوجه، مصاباً بعينه، وكان على قلب الخليفة الرشيد ثقيلاً من بين الشعراء، فدخل عليه يوماً فقال: يا أمير المؤمنين إن رأيت أن تأذن لي في إنشادك، فإني إن لم أظفر منك ببغيتي في هذا اليوم فلن أظفر بها. قال: وكيف؟ قال: لأني مدحتك بشعر لا أطمع من نفسي ولا من غيري في أجود منه، فإن أنا لم أهزك في هذا اليوم فقد حرمت منك ذلك إلى آخر الدهر. فقال: هات إذن نسمع، فأنشده قصيدته الميمية التي يقول فيها: وعلى عدوك يا ابن عم محمد رصدان ضوء الصبح والإظلام فإذا تنبه رعته وإذا هدا سُلت عليه سيوفك الأحلام فلما بلغ هذين البيتين اهتز الرشيد وارتاح وقال: هذا والله المدح الجيد والمعنى الصحيح، لا ما عللت به مسامعي هذا اليوم- وكان أنشده في ذلك اليوم جماعة من الشعراء- ثم أنشده قصيدته التي على الجيم وهي قوله: ملك أبوه وأمه من نبعة منها سراج الأمة الوهاج شربا بمكة في ذرا بطحائها ماء النبوة ليس فيه مزاج فلما سمع هذين البيتين كاد يطير ارتياحاً ثم قال: يا أشجع، لقد دخلت إليّ وأنت أثقل الناس على قلبي، وإنك لتخرج من عندي وأنت أحب الناس إليّ. وتبقى القصيدة النونية من أشهر أشعار السلمي على الإطلاق، لما فيها من معان متوارية، وبما تكشفه من علاقة الشاعر بالوضع السياسي القائم، وإمكانية توظيف اللغة في التعبير عن هذه العلاقة من خلال امتلاك الشاعر لتقنيات اللغة المختلفة وتوجيه المفردات وسياقاتها في التعبير، ويقول أشجع في مطلع هذه القصيدة: أمُفسدةٌ سعادُ عليّ ديني ولائمتي على طولِ الحنين يقول د. إبراهيم عبد الرحمن النعانعة، ود. فؤاد فياض شتيات في بحثهما المعنون تبدل الخطاب في شعر المدح عند أشجع السّلمي القصيدة النونية نموذجاً: تكشف القصيدة النونية لأشجع السلمي عن قدرة الشاعر على المواءمة بين الامتداد في التراث الأدبي والاستفادة من معطياته وتجاربه، وبين الحاضر العباسي بإفرازاته الحضارية وتعقيداته المختلفة على الصعد جميعها السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية، ويظهر هذا المنهج من خلال اتباع بناء القصيدة التقليدية والسير على منوالها سواء أكان ذلك على مستوى المقدمة أم اللغة وتراكيبها، وعلى الرغم من ذلك فإن الشاعر لم ينسلخ عن واقعه، فقد سلط الأضواء على تجربة حية وواقعية تتصل بالبعد السياسي المتمثل في شخصية الشاعر نفسه وعلاقته بالمسؤول.

مشاركة :