< يبدو أنه مهما استمر شدّ الرحال عن القناة الأم «القناة السعودية الأولى» تعود سفن المشاهدة لترسو على ميناء مشاهدتها، تبعاً لما تقدمه من أمور تهم المواطن السعودي، وبعد كل هجران يطول بين المشاهد وقناته. تأتي «الأوامر الملكية» لتهادنه عليها ليهرع باحثاً عن رقمها، الذي اعتاد أن يكون في مقدمة القنوات، وإن طال الغياب عنها، فالحنين إليها غير منقطع وخصوصاً إذا تعلّق الأمر بعلاقة القيادة مع الشعب، فلا صدقية مقدمة عليها، ولا مصدر موثوقاً به أكثر منها. يُعد التلفزيون السعودي من أهم وأسهل الوسائل الإعلامية التي يُقبل عليها المجتمع السعودي بكل مكوناته، وإن بدا يختلف فيها ما يقدم عن فكر البعض وذائقته، ومزاج المشاهد السعودي، إذ يصل التلفزيون السعودي أوج مراحل رضا وقبول المشاهد السعودي وهو يتلقى الأوامر الملكية بحفاوة وسرور، من دون أن ترف عينه أو يحاول التغيير لقناة أخرى. ويقول محمد الغريب معلم ثانوية: «إن القناة الأولى هي بيتنا الأول، ولكن مع ظهور العديد من القنوات والخيارات، نغيب عنها بهدف التغيير والتعرف على الثقافات الأخرى، ولكنها تبقى رقم واحد في ترتيب القنوات». وتعزز مها الشريف مكانة القناة السعودية في قلوب الشعب السعودي، وتقول: «عدم مشاهدتها لا يعني هجرها، ولكن مع تقدم وسائل التواصل، واستطاعة الحصول على الأخبار الموثوقة من أي مكان، أصبحت السعودية والكثير من القنوات مرجعاً جزئياً في عالم الإعلام». وتجدد التربوية المتقاعدة ملك عبدالرحمن مرحلة البحث عن القناة السعودية في كل ساعة استنفار تعلن فيها أوامر ملكية، ولكن المحاضر في جامعة الملك سعود عبدالله العليان يذكر أن «القناة السعودية هي المصدر الأول مهما تغيرت المصادر وكثرت أنواعها، إلا أنه لا يوجد ما يضاهيها في الصدقية، في وقت أصبحت فيه الإشاعات، في ما يخص الأوامر الملكية تحديداً، فلا أحد يصدق حتى تظهر الأخبار أسفل الشاشة في شريطها الإخباري». يتجدد ولاء المشاهد السعودي مع قناته الأولى مع إصدار الأوامر الملكية والمراسيم الحكومية المهمة، ويصبح كمن عاد إلى منزل هجره لوجود آخر جديد يسكنه، فيبدأ بالتعرف على المذيعين الجدد ويتأمل من مرت عليهم السنوات العمل فيها، إذ يحفظ أغلب المشاهدين أسماء مذيعين القناة السعودية عن ظهر قلب، ويميزون أصواتهم، ويعرفون برامجهم، كأحد أفراد العائلة السعودية التي لطالما جلست مجتمعة حول هذه الشاشة الصغيرة ومتابعة البرامج من خلالها. يقف التلفزيون السعودي، كمرآة عاكسة لنبض المجتمع السعودي، على رغم وجود كثرة الخيارات التي ظهرت أخيراً، التي يوجد منها الغث والسمين على الساحة، ولكن سرعان ما تعود الطيور إلى أدراجها عندما يتعلق الأمر بالمواطن السعودي بالقرارات، والأوامر، والأنظمة، والتعيينات الجديدة. وبعد أن ألقى الملك فيصل رحمه الله خطابه، الذي أعلن فيه عزم حكومة المملكة إدخال البث التلفزيوني للمملكة، على التلفزيون السعودي في 1962، وعلى رغم وجود الإعلام الجديد، ووجود الكثير من القنوات، التي تعرض كل ما يهم السعودي، إلا أن القناة السعودية الأولى، تسحب البساط من تحت كل هذه الوسائل، ليعود المواطن السعودي بحنينه وتقليديته لفتح القناة والانتظار أمامها، لحين إعلان الأوامر الملكية.
مشاركة :