الورقة الكردية حول سورية في التفاهمات الإقليمية والدولية

  • 10/1/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

على رغم حرص أنقرة على اعتبار عملية «درع الفرات» في الشمال السوري تفعيلاً للدور التركي في الحرب ضد تنظيم «داعش»، تصعب تبرئة تلك العملية من مقصد فرض «منطقة آمنة» تمتد من جرابلس إلى أعزاز غرباً والباب جنوباً، بما يمنع تشكل قطاع جغرافي متماسك لأكراد سورية على غرار كردستان العراق، والسماح بتموضع قوات «الجيش السوري الحر»، وعودة لاجئين سوريين إلى المناطق التي حررها الأكراد من «داعش»، وذلك توطئة لتغيير تركيبة المجالس البلدية هناك وإبعادها عن سيطرة حزب الاتحاد الديموقراطي الموالي لحزب العمال الكردستاني. يأتي هذا بعدما اتهم وزير خارجية تركيا مولود تشاويش أوغلو، وحدات حماية الشعب الكردية بتنفيذ عمليات تطهير عرقي في شمال سورية، والسعي الى توطين أنصارها في المناطق التي انتزعتها من «داعش»، استناداً الى تأكيد الناطق باسم منطقة الحكم الذاتي الكردية السورية تعزيز مجالس عسكرية كردية في مدينتي منبج وجرابلس. وبينما ينأى التقارب الرباعي الموقت والمحدود النطاق جيواستراتيجياً، بين كل من تركيا وإيران وروسيا ونظام الأسد، بنفسه وأطرافه عن أي تحالف استراتيجي، ليقترب كثيراً من كونه تنسيقاً مرحلياً بين الأطراف الأربعة في شأن إيجاد مخرج سلمي للأزمة السورية، يحفظ لكل منها قسطاً معقولاً من المغانم الاستراتيجية بأقل خسائر ممكنة، فقد بدا جلياً أن كلاً من موسكو وواشنطن ونظام الأسد قد تفاهم ضمناً على تقليص دعمه أكراد سورية مرحلياً، في محاولة لنزع فتيل انفجار إثني غير مستبعد في المنطقة، علاوة على استرضاء تركيا، التي ما برحت تشب عن الطوق وطفقت تعيد صياغة علاقاتها الخارجية انطلاقاً من مواقف الأطراف الدولية والإقليمية من المحاولة الانقلابية الفاشلة التي هزتها منتصف تموز (يوليو) الماضي. ومن هذا المنطلق، عمدت موسكو وواشنطن ونظام الأسد إلى تخفيض سقف المكاسب السياسية والجيواستراتيجية لحزب الاتحاد الديموقراطي الكردي وقوات سورية الديموقراطية بحيث يتم إرجاء تنفيذ ربط كانتونهما بالشمال السوري وصولاً إلى الحدود التركية كمقدمة لإعلان كيان كردي شبه مستقل، على أن ينحصر ذلك الدعم مرحلياً في مساعدتهما على الاحتفاظ بمساحات من ذلك الكانتون، بما لا يلامس الضفة الغربية لنهر الفرات. فمن جهة، وبعدما تجاوز أكراد سورية ما يسمى الخط الأحمر الكردي في سورية إثر تمركز قوات سورية الديموقراطية وحزب الاتحاد الديموقراطي الكردي غرب نهر الفرات، ثم تأكيد ممثل الإدارة الذاتية الديموقراطية الكردية في موسكو، رودي عثمان، إبان افتتاح مكتب الممثليّة الكردية هناك في شباط (فبراير) الماضي، تلقي وعد روسي بحماية الأكراد حال تدخل تركيا عسكرياً في سورية، لم تتورع موسكو عن غض الطرف عن العملية العسكرية التركية الجارية في الشمال السوري. ومن جهة ثانية، أبدت واشنطن دعمها الواضح لتلك العملية وطالبت الأكراد بالعودة إلى شرق نهر الفرات، إذ حذر نائب الرئيس الأميركي جو بايدن من تركيا أكراد سورية من أنهم إذا لم يعودوا إلى شرق نهر الفرات فسوف توقف واشنطن دعمها لهم. وفي السياق ذاته، لم يستبعد مراقبون أن يقدم الأسد على رفع مظلته عن الأكراد السوريين إذا تلقى عرضاً مغرياً من تركيا، بتجميد دعمها الكتائب الإسلامية المتطرفة التي تقاتل قوات النظام السوري. غير أن ذلك لا يعني أن واشنطن وموسكو وإيران والأسد قد يتخلون عن الورقة الكردية بالتوقف عن دعم تطلعات الأكراد السوريين توسلاً لود تركيا. ذلك أنّ الاستدارات التركية الجديدة نحو موسكو وطهران ودمشق، والتي سوَّغت لأنقرة التدخل عسكرياً في الأرض السورية، من شأنها أن تعزز حاجة واشطن للأكراد، الذين طالما استثمرت فيهم سياسياً وعسكرياً، حتى صاروا شركاء يمكن الاعتماد عليهم في الحرب على «داعش». كما أمَّنت القوات الكردية حضوراً عسكرياً أميركياً مباشراً في شمال شرق سورية، حيث السيطرة الكردية، حتى أمسى وجود مئات العسكريين والقوات الخاصة الأميركية لتدريب القوات الكردية، وتجهيز مطار رميلان العسكري، أشبه بقاعدة عسكرية أميركية في شمال سورية بما يحول دون انفراد روسيا وشركائها بفرض حل سياسي في هذا البلد. لذا، لم يكن مستغرباً أن تواصل واشنطن دعم مساعي الأكراد السوريين للسيطرة على المناطق الواصلة من القامشلي حتى شرق الفرات، وأن تشاطر موسكو إبداء قلقها من توغل القوات التركية في سورية، وعدم إخفاء استيائها من تكثيف ضرباتها ضد الأكراد بدلاً من استهدافها «داعش»، خصوصاً بعدما وسَّعت تلك القوات نطاق عملياتها السورية وساعدت فصائل موالية من «الجيش الحر» في السيطرة على 30 قرية بين جرابلس وحلب. أما إيران، فقد طالبت تركيا بوقف عملية «درع الفرات» وسحب قواتها من الشمال السوري فوراً، تجنباً لتعقيد الوضع في المنطقة، وتلافياً لسقوط مزيد من الضحايا في صفوف المدنيين. وبدوره، دان نظام الأسد دخول قوات ومعدات حربية تركية إلى مدينة جرابلس السورية تحت غطاء جوي من طيران التحالف، معتبراً إياه خرقاً لسيادة سورية، كما طالب بأن لا تتم العمليات الرامية إلى محاربة الإرهاب إلا بتنسيق مع دمشق. وما بين حرص تركي على مواصلة التصعيد العسكري ضد أكراد سورية، من خلال عملية «درع الفرات» وتحت مظلة الحرب على «داعش» من جهة، وسعي كل من موسكو وواشنطن ونظام الأسد إلى تحقيق مستوى معقول من التوازن ما بين استبقاء التفاهم الملح والمرحلي مع أنقرة وتوظيف الورقة الكردية من الجهة الأخرى، تظل حدود تأثير تلك الورقة في الأزمة السورية كما في التفاهمات الإقليمية والدولية في شأنها، مرتهنة بردود الفعل المحتملة للأكراد في سورية وتركيا والعراق من جانب، فضلاً عن قدرة التفاهم التركي مع كل من روسيا والأسد وواشنطن وطهران على الصمود، خصوصاً عقب انتخابات الرئاسة الأميركية، من جانب آخر.     * كاتب مصري

مشاركة :