توقع مختصون اقتصاديون، أن يسهم تشغيل الصين منصة صرف مباشرة بين عملتها "اليوان" والريال السعودي، في تقوية الريال وتدويل اليوان، علاوة على تضاعف حجم التبادل التجاري بين البلدين لأكثر من عشر مرات خلال الـ 12 سنة المقبلة، مشيرين إلى أن المنصة ستنعكس على الدولار وستفقده هيمنته في السنوات القليلة المقبلة. وكان مشغل منصة تداول العملات الأجنبية في الصين، قد أعلن الأسبوع الماضي أن بكين اتفقت على تأسيس نظام لأسعار الصرف المباشر بين عملتها اليوان والريال، فيما اعتبر أنه خطوة مهمة في العلاقات الاقتصادية بين البلدين من شأنه أن يجعل انسيابية أكثر في التعاملات مما هي عليه الآن. وذكر نظام تداول العملات الأجنبية الصيني في بيان نشر على الإنترنت، أن الصين ستؤسس أيضاً نظاماً لأسعار الصرف المباشر بين اليوان والدرهم الإماراتي. واعتبر المختصون هذه الخطوة مهمة في مسيرة العلاقات الاقتصادية بين البلدين، ومن شأنه أن يجعل انسيابية أكثر في التعاملات مما هي عليه الآن. وأشاروا إلى أن الصين بهذه المبادرة ستفعل هيمنة العملة الصينية "اليوان" على أسواق النقد العالمية وتزيح بذلك هيبة الدولار، في ظل استمرار الصين في مساعدة البنوك المركزية العالمية، في إطار خطتها لتعميق وجودها الاقتصادي في السوق العالمية، والاستحواذ على حصة كبيرة من أسواق النقد على حساب الدولار. من جهته، قال لـ "الاقتصادية" الدكتور أسامة الفيلالي، عضو هيئة التدريس في جامعة الملك عبدالعزيز، "إن الصين تمثل حالياً أقوى وأكبر اقتصاد في العالم، والتعاون الحالي بين المملكة ودول الشرق مثل الصين والهند وكوريا الجنوبية واليابان يصب في مصلحة الجانبين، بعد أن أوجدت المملكة لنفسها سوقاً جديدة لتصريف منتجاتها من البترول والبتروكيماويات، بعد أن كانت تركز المملكة في العلاقات الاقتصادية في السابق مع أمريكا والدول الأوروبية". وأضاف، أن "المنتجات الصينية حالياً تلقى احتراما وترحيبا من جميع دول العالم لما تتمتع به من جودة عالية وأسعار منافسة، حتى باتت كبريات الشركات حول العالم تنقل مصانعها إلى الصين، مثل شركات السيارات "بي إم دبيليو" وشركات الإلكترونيات "أبل" و"سوني" وغيرها". وأبان أن إنشاء منصة تبادل العملات سيؤثر إيجابا في الاقتصاد الصيني من حيث العرض والطلب، مشيرا إلى أن الشراكة ستكسب الريال السعودي قوة جديدة تحميه من انخفاض العملات الحاصل، كما ستصب في مصلحة الاقتصاد السعودي، لأن التبادل التجاري بين البلدين قد لا يتطلب عملة وسيطة مثل الدولار، أو نظام المقايضة بين السلع والخدمات، وسيتم التحويل بين العملتين مباشرة أو عن طريق سلعة دون استخدام عملة". من جانبه، رأى الدكتور محمد شمس، المحلل الاقتصادي في مجال السياسات النفطية، أن الصين بدأت في اتباع عدد من الإجراءات منذ أن أعلنت استقلالها في الأول من أكتوبر عام 1949، حيث بدأت في تحرير اقتصادها عبر أهداف واضحة ومحددة، مرنة التطبيق، للخروج من عزلتها الاقتصادية والانفتاح على العالم بأسلوب علمي مدعم باحتياطي نقدي ضخم يبلغ نحو 3.4 تريليون دولار. وأضاف، أن "تداول اليوان الصيني بين المصارف والشركات والمؤسسات العالمية في معظم دول العالم، سيعمل على توسيع حجم التبادل التجاري والاستثمارات الضخمة في شتى المجالات، واتباع السياسة النقدية التي تغري المستثمرين الأجانب وقوة ومرونة الاقتصاد". وأوضح، أن "الصين قامت بعقد اتفاقات مع عدة دول، لتداول عملتها داخل اقتصاديات هذه الدول، بأسعار صرف متفق عليها، دون الرجوع إلى سعر صرف الدولار، وكان من هذه الاتفاقات في أكتوبر 2013 بين البنك المركزي الصيني، والبنك المركزي الأوروبي في منطقة اليورو، الذي يدير السياسة النقدية لـ 17 دولة أوروبية، وذلك بإيداع البنك المركزي الصيني 350 مليار يوان صيني في البنك المركزي الأوروبي، أي ما يعادل 57 مليار دولار، وبمقتضاها يمكن للشركات تسديد مشترياتها بعملات بعضها البعض في كلتا المنطقتين، بسعر صرف متفق عليه دون الرجوع إلى سعر صرف الدولار، كما يمكن للشركات الصينية شراء سلع وخدمات من دول منطقة اليورو والدفع بـ "اليوان"، ومدة هذا الاتفاق ثلاث سنوات قابلة للتجديد، كما يمكن للأوروبيين الاقتراض والاستثمار بالعملة الصينية، والعكس صحيح". من جانبه، ذكر الدكتور لاحم الناصر، المختص الاقتصادي والمالي، أن بدء العمل في منصة صرف العملات بين السعودية والصين يعتبر خطوة مهمة جدا نظرا لكبر حجم الصادرات والواردات بين البلدين، إذ تستورد المملكة حجما هائلا من المنتجات الصينية كما تستورد الصين من المملكة كميات هائلة من البترول ومنتجاته. وأضاف، أن "إيجاد مثل هذه المنصة سيقلص حجم هدر الصرف بين العملتين ويحمي من استنزاف الاحتياطات النقدية الأجنبية في المملكة، وسيضعف مكانة الدولار الأمريكي كعملة تبادل تجاري واحتياطات عالمية". وحول حجم التبادل التجاري بين البلدين، لفت الدكتور لاحم إلى أن المنصة ستتيح مجالا أكبر للتعاون مع الصين، خصوصا أن هذا التعاون في تزايد خلال السنوات الماضية، وسيزيد أكثر في المستقبل في ظل وجود اتفاقيات بين البلدين في مجالات عدة تتعلق بالإسكان وتطوير البنى التحتية. وتوقع اللاحم أن تتضاعف الاستثمارات السعودية في الصين لأكثر من عشر مرات في السنوات الـ 12 المقبلة، إذ بلغ حجم الصادرات الصينية أكثر من تريليون ريال خلال الـ 12 سنة الماضية، فيما تجاوزت الصادرات السعودية للصين أكثر من 500 مليار ريال. كما لفت إلى أن تبادل الصادرات بين البلدين بالعملتين المحليتين سيعزز من قيمة العملتين عالميا في ظل وجود احتياطات نقدية للعملتين، مشيرا إلى أن الاستغناء عن العملة الوسيطة قرار إيجابي جدا لاقتصاد البلدين وتعزيز مكانتهما العالمية.
مشاركة :